التنوير مكسب إسلامي مهمل قادر على تفكيك الأصولية

  • 11/8/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتعدد الطروحات الفكرية الخاصة بالتعامل مع قضايا الإرهاب والتشدد، ويدور جدل ممتد حول المواجهة الفكرية المفترضة، فبينما يطرح البعض أفكارا تستمد جوهرها من العلمانية وتبشر برؤاها كوسيلة ناجعة للمواجهة، يطرح آخرون فكرا مغايرا لتفكيك خطاب التطرف وذلك بالاستعانة برواد الإسلام التنويري وإحياء أفكارهم. ويرى عصمت نصار، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة في حواره مع “العرب”، المهتم عبر مؤلفات عدة بتفكيك الخطاب الإسلامي الآني، ونقد مُسلماته المحفزة للإرهاب، استنادا إلى فهم عميق، أن “أفضل مواجهة لفكر الأصولية الإسلامية بشكلها الراهن تلك التي تعبّر عنها أصوات منطلقة من البوتقة ذاتها”. وأبدى نصار دعمه لهذا التوجه بشدة. ويقول “تفكيك خطاب الإسلام السياسي سيكون بشكل أنجع، لو كان منطلقا من القاعدة نفسها، مستندا إلى النصوص ذاتها، ومطروحا من رجال دين، لكنهم أكثر وعيا واحتراما للعقل والمنطق من المتصدرين للساحة حاليا، مشددا على أن الفهم العقلي أساس الإسلام”. ويعدّ نصار من أهم أساتذة الفلسفة الإسلامية والفكر العربي الحديث بجامعة القاهرة، وقد تخرج في كلية الآداب بالجامعة ذاتها وتخصص في الفكر الإسلامي المعاصر وله عدة كتب تناولت مشروع عبدالمتعال الصعيدي، أبرزها “حقيقة الأصولية الإسلامية في فكر الصعيدي”، “ثقافتنا العربية بين الإيمان والإلحاد”، “رهانات العقل العربي.. من التقليد إلى التبديد”، و”اتجاهات فلسفية معاصرة في الثقافة الإسلامية”. وقدم مؤلفات أخرى عديدة أهمها “الإنسان الكامل.. من عالم الأساطير إلى عصر الجينوم”، “الروحية الحديثة في الثقافتين الشرقية والغربية”، “أوهام الفهم”، “الصراع الثقافي والحوار الحضاري في فلسفة محمد إقبال”، وغيرها من المؤلفات، إلى جانب تحقيق الأعمال الكاملة لشبلي شميل، ومصطفى عبدالرازق. منع الاحتكار يعتقد عصمت نصار أن لا يمكن مواجهة التطرف دون تفكيك الخطاب الإسلامي الراهن وإنكار احتكاره للإسلام، والرد على الأدعياء بأن ما يرددونه من عبارات وأحكام ورؤى باعتبارها الفهم الأوحد للإسلام، غير صحيح، وبالتأكيد إن هناك بونا شاسعا بين الإسلام كدين سماوي وبين الخطاب الإسلامي الراهن الغارق في الأحادية والمتطبع بالإقصاء ورفض الآخر. ويستشهد بقوله “الإسلام لم يأمر بالقتل، ولم يُكره الإنسان على اعتناق دين أو إجباره على أمر ما، ولم يقيّد حرية ثقافية أو اجتماعية، لكن من يتصورون أنفسهم رجال دين يدعون إلى ذلك تحت لافتة احتكار الدين”. ولمواجهة محاولات تشويه الإسلام وروحه المعتدلة يقترح نصار العودة إلى المشروع الفكري للشيخ عبدالمتعال الصعيدي، العالم الأزهري المصري (1894ـ1966) كمنهج مقاومة لدحض ادعاءات المتطرفين، مطالبا بتدريس بعض كتبه في مدارس العالم العربي. شارحا كيفية الاستفادة بطروحات الصعيدي التي أهملت رغم قوة مساجلاته ومعاركه مع مُنظري الإرهاب الأوائل وشيوخ السلفية ودعاة التعصب والجمود يعتبر نصار أن الاستعانة بمشروع عبدالمتعال الصعيدي بات ضروريا فهو رمز من رموز الإسلام التنويري، فالصعيدي هذا العالم الأزهري الذي رفض جمود الأزهر، يعتبر أقوى داحض للإسلام السياسي وللتعصب والتطرف وازدراء العقل لدى الإسلاميين. ولاحظ نصار، أن الرجل هُمشت كُتبه عن عمد وأهملت من جانب الأزهر بعد وفاته، ولم تنل حقها من المعرفة لأنها تضرب بقوة فكر التطرف والتعصب، وترفض الانغلاق وتنادي باستخدام العقل والاجتهاد. وحكى أنه على مدى سنوات طويلة واجه عنتا وصعوبة في الحصول على مؤلفات الصعيدي، لأنها نادرة ومهمشة ومستبعدة بسبب جرأتها وتقدّميتها وقوة المنطق المستخدم فيها لتفكيك الخطاب الديني. ولفت إلى أن قوة الرجل تكمن في قدرته على رفض المطروح التقليدي باعتباره الإسلام، آخذا بالتعدد الفكري، وطارحا فهما عصريا للدين يقطع الطريق تماما على الجماعات المتاجرة بالإسلام. وأشار إلى أن الخطاب الإسلامي موجّه برؤى وميول أصحابه، لكن الصعيدي رأى أن الأصولية الحقة في الإسلام تقوم على دعامتين أساسيتين. الأولى: دعامة التوحيد، المتمثلة في الشهادتين، والإيمان بالغيبيات. والثانية: دعامة عقلية صرفة تبحث عن المنفعة العامة أو ما يعرف بالمصالح المرسلة. وأوضح نصار، أن الشيخ الصعيدي تصدى مبكرا لفكر سيد قطب وأبوالأعلى المودودي المتعصب، وكشف بوضوح أن الإسلام لم يحدد نظاما للحكم، والجماعات التي تتمرد على النظام الدولي الجديد وتدعو إلى دولة إسلامية وتتبنى الثورة والاحتجاج في سبيل ذلك تسيء إلى الإسلام والمسلمين. كما كانت للرجل آراء تقدمية عديدة مثل رفضه وجود عقوبة للمرتد عن دينه، وإقراره بجواز تولي المرأة الولاية الكبرى (الحكم)، وجواز إظهار الصحابة والنبي في السينما والدراما، وإباحة كافة الفنون الجميلة بما فيها النحت والتصوير والغناء والموسيقى. واهتدى نصار إلى ضرورة دمج أفكار الإسلاميين التنويريين في أنظمة التعليم الديني بالمدارس العربية لتقوية معارف الأجيال القادمة في ما يخص الفكر الديني، حتى لا تصبح فريسة سهلة للجماعات المتطرفة. وفي تصوره، إن أفضل وسيلة لمواجهة التطرف الديني على مستوى الفكر ترتكز على توفير نظام تعليمي وثقافي جيد للطلبة، يسمح بالتعددية ويطرح الأفكار المغايرة، ويوفر مناخا من الحرية. ولفت إلى أن مناخ الحرية، وأسماها الحرية الواعية طبقا لتعريف جون ستيوارت ميل، جديرة بنشأة أجيال جديدة تنفر من الفكر الأحادي تحت أي لافتة ولو كانت اللافتة دينية، وتشجع أصحاب الأفكار والطروحات المتعددة والمتنوعة على الإبداع والتطور ومواكبة روح العصر. ويحذر نصار من أن دعوات العنف لن تخفت، ومساحة التسامح لن تتسع إلا في ظل تعددية فكرية قائمة على الحرية، مستدلّا بتصوره لمناخ الحرية الذي شاع في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين كان سببا في تخرج كوادر فكرية وفلسفية فذة في كافة المجالات، وعلى رأسها الفكر الديني نفسه. مستقبل الجماعات المتطرفة على الرغم من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928، لم تكن ذات تأثير حقيقي في المجتمع المصري إلا في نهاية الثلاثينات عندما بدأت إرهاصات العمل المسلح. واليوم بات نفوذها الفكري والسياسي وفق إجماع المراقبين على مشارف النهاية فهو يتآكل يوما بعد يوم بعد أن اتضحت للرأي العام المحلي والدولي دوافع الجماعة المنافية للإسلام. وفي اعتقاد نصار، فإن جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها من الجماعات الدينية المنبثقة عنها بدأت مرحلة الاحتضار لأنها تجمدت فكريا بوقوفها على خطاب واحد يركز على مسألتي الخلافة والشريعة، وخسرت الرأي العام بعد أن اختبرت عمليا، وثبت زيف ادعاءاتها مع ثبوت فرضية تسييرها من الخارج بواسطة أجهزة استخبارات غربية. ويبين نصار قائلا إن “داعش هو ذروة المد الأصولي في أقبح صوره، فأفكار حسن البنا التي بدأت لينة، لم تلبث أن تشددت وهي تنشئ جهازا سريا مسلحا، ثم تطورت الأفكار لتصبح أكثر عنفا ودموية على يد سيد قطب، وكان من تداعيات هذا التشدد ظهور تنظيم الجهاد الإسلامي فالقاعدة ثم داعش”. ويعي الرأي العام العربي أن ما صدر عن داعش من مخالفات عقدية وجنوح عن المقاصد الشرعية واستباحته لدماء الآمنين وانتهاك كافة الحقوق التي كفلها القرآن للمؤمنين ولغير المؤمنين على حدّ سواء، دليل على وجود عناصر داخلها تحرض على نشر هذه الأفكار بهدف بث الفوضى والفتنة. وبات هناك إجماع على أن كافة هذه الجماعات ممولة وموجهة من قبل بعض الجهات، لتلعب دورا مقصودا في الإساءة إلى الدين وتشويهه. ورغم تغوّل الجماعات المتطرفة في المجتمعات العربية وقدرتها على الاستقطاب، لا يستبعد نصار فرضية أن تتغير قناعات بعض الشباب المنخرطين في تلك الجماعات للانضواء تحت رايات الصوفية مستقبلا، كنوع من التدين الشعبي الأكثر قبولا عند الحكومات ومحاولة للاندماج من جديد. ولخص ركائز الفكر المتطرف بقوله “كانت الفكرة الرئيسية التي اعتمدت عليها الجماعات الإسلامية المعاصرة، هي نقل مفهوم السياسة من باب الفروع إلى باب الأصول، وأول من عبّر عن ذلك أبوالأعلى المودودي في كتابه: ترجمان القرآن، الذي نقل عنه سيد قطب أفكاره في ما بعد وأضاف إليها. وترتب على رؤية المودودي أن يتحول الخليفة أو الحاكم إلى ظل الله على الأرض، وطاعته واجبة والخروج عليه كفر، في الوقت ذاته فإن على المسلمين السعي لإقامة الخلافة ولو بالقوة”. وأردف عصمت نصار في ختام حواره مع “العرب” قائلا إن “عشرات الآلاف من الشباب دفعوا ثمن تلك الفكرة التي لا يمكن أن تروّج وتدعم وتنتشر من دون مساندة أنظمة وأجهزة استخبارات”.

مشاركة :