المحتجون الشباب يغيرون النظرة السلبية لجيل الألفية

  • 11/10/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت الاحتجاجات التي شهدتها عدة بلدان عربية الجدل بشأن طبيعة منفذيها، إذ أن معظمهم من الجيل الذي غالبا ما تسود عنه نظرة اجتماعية سلبية، ويُتهم بالضعف وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وبالكسل والنرجسية، ولكن هذا الجيل نفسه أصبح قدوة لأجيال بأكملها، بعد أن تمكن من كسر حاجز الصمت عن المظالم السياسية والاجتماعية والحقوقية، في بلدان تعاني من التغول السياسي والفساد، ووقف بكل بسالة في الصفوف الأمامية، ليطالب بسقوط الأنظمة. وعلى الرغم من أن هذه الحركات الاحتجاجية، التي يرى البعض أنها جاءت بلا مقدمات وتلقائية التوالد، إلا أنها اتسمت في معظمها بطابعها الثائر والمتماسك والمنظم، لشباب استطاعوا اختراق حاجز الصمت والتعبير عن أنفسهم بالاعتصامات التي باتت سلاحهم، لكشف ما يعتمل داخل صدورهم من مشكلات، وكسر المعتقد السلبي السائد عنهم لدى الأجيال السابقة، فتحولوا إلى قدوة للعالم بأسره. وفي الأسابيع الأخيرة اندلعت احتجاجات جديدة حاشدة في العراق ولبنان، وعلى الرغم من تباعد المسافات بالآلاف من الأميال بين هؤلاء المحتجين، إلا أن الأسباب هي نفسها، وبعضها كان إلهاما لأخرى، في طريقة التنظيم وفي طريقة التعبير عن المطالب. وفي هذه البلدان، التي عجز فيها الإطار الأكبر للمجتمع عن مواجهة ثقافة الخوف التي فرضها الحكام ورجال الدين، أظهرت الاحتجاجات الشبابية التي تصدرها على الأغلب أبناء جيل الألفية، ممن ولدوا في فترة ما بين منتصف الثمانينات وأواخر التسعينات من القرن الماضي، أشياء أكثر قوة تذكر بما يمكن لهذا الجيل أن ينجزه من أعمال بطولية، فحتى عندما استخدم رجال الأمن الرصاص والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين توحد هؤلاء الشباب ليرسموا البسالة والشجاعة على وجوههم، وهم يخفون خلفها إحباطاتهم. يبدو أن كل جيل يرغب في أن يُظهر شيئا من التمرد والرفض للواقع الذي يتعارض مع ما يؤمن به من مبادئه، لكن معظم الأجيال السابقة لم تستطع أن تعلن ذلك مجتمعيا، لأنها كانت تريد أن تمسك العصا من المنتصف، حتى لا تغضب الحكومات، لكن ما هو مختلف هذه المرة هو أن أبناء جيل الألفية، تيسرت لهم الأسباب التي مكنتهم من وضع القيم والمبادئ أولا، لكن أثناء الاحتجاجات تحول تركيزهم من على أنفسهم إلى الشعب الذي يعلق عليهم آماله. ويرجح خبراء أن الظروف الاجتماعية والاقتصاية الصعبة قد ساهمت في الرفع من نسبة الشباب الثائرين وممن فقدوا الأمل في أن تضمن لهم حكوماتها سبل العيش الكريم. ومن جانب آخر، فإن جيل الألفية الذي نشأ في عصر الإنترنت يتوقع من الحكومات أن تكون أكثر فعالية في مواكبة احتياجاتهم وتطلعاتهم. وتبدو الحاجة ملحة لمعالجة هذه المفارقة في الأولويات والتوقعات بين الجانبين. وشدد بسام عورتاني، الباحث الفلسطيني المختصّ في علم الاجتماع، على أن الشباب العربي قد أصبح اليوم يمتلك ثقافات متعددة، وأكثر اطلاعا ومعرفة لما يدور في العالم بفضل الانفتاح التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وقال عورتاني لـ”العرب”، “لم تدرك السلطة التقليدية أن أدواتها التقليدية في الحكم والسيطرة لم تجد نفعا، ولن تجدي إلا الدمار للشعوب العربية”. وأضاف، “الشباب العربي عانى ويعاني من التمييز وعدم تكافؤ الفرص ومن القمع. وفي ظل امتلاكه لأدوات حديثه مكنته من تحديد خياراته أصبح أكثر شجاعة وجرأة في التعامل مع قضاياه الاجتماعية والاقتصادية”. واعتبر عورتاني أن كل نماذج الحكم العربية التقليدية لم تعد تلبي احتياجات هذا الجيل، مشددا على أن الأحزاب التقليدية قد انكشفت أمام تحديات الواقع، ولم تعد تقنع الجيل الشباب الذي أصبح أكثر وعيا وانفتاحا على ثقافات العالم. ويرى، أن الخطاب الديني والتربوي التقليدي قد أصبح أيضا خطابا دوغمائيا لا يمتلك أدوات حديثة ولا أدلة عقلانيه تقنع جيل الشباب، مؤكدا أنها مجرد أفكار بالية لا تواكب سرعة انتقال المعلومات ولا سرعة الانفتاح على ثقافات المجتمعات كافة. وختم عورتاني حديثة بقوله، “الشباب لديهم قدرات حقيقية في التغيير، والأجدر هو السماح لهم بتحديد مصيرهم وإعطائهم أدوات تمكنهم من تحقيق التغيير بأقل خسائر ممكنه”. سلطت دراسة سابقة، أجراها المجلس النرويجي للاجئين، الضوء على تجارب أكثر من 500 شاب وشابة في الأردن ولبنان والعراق، من خلال عقد جلسات نقاشية وإجراء مقابلات متعمقة معهم. وغطت الدراسة، التي حملت عنوان “المستقبل في الميزان”، أربعة مجالات رئيسية، وهي: الحماية والتعليم والفرص الاقتصادية والمشاركة الاجتماعية. وأكدت الدراسة أن غالبية الشباب، الذين تمت مقابلتهم، يعتقدون أن الجيل الأكبر يتخذ القرارات بالنيابة عنهم، مشيرة إلى أن فرص انخراط الشباب في الأنشطة الاجتماعية والمدنية، قليلة رغم ما يتمتعون به من طاقة إيجابية وإبداع، يمكن أن يسهم في تنمية مجتمعاتهم. وعلقت لورا مارشال، مديرة برنامج الشباب والتعليم في مجلس اللاجئين النرويجي بالأردن، عن نتائج الدراسة قائلة، “الشباب العربي يواجه حواجز متزايدة في التعليم والعمل، مع فرص محدودة جدا للانخراط في الحياة الاجتماعية والمدنية. وكل هذا يدفعه إلى الشعور بفقدان السلطة وبالإحباط”. وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الشباب في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن البطالة تمثل تحديا جوهريا في أنحاء العالم العربي، وخصوصا في ظل عجز الحكومات عن إيجاد حلول ناجعة لهذا الملف، الذي يهدد الاستقرار والأمن ويعيق التنمية في المجتمعات العربية. وحذر مركز الأبحاث “كارنيجي إندومنت من أجل السلام الدولي” من خطورة ظاهرة البطالة المتزايدة في المنطقة العربية، معربا عن قلقه من الآثار السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي على الأغلب ستؤثر سلبا على الأمن في المنطقة. ويعاني الشباب العربي من أعلى نسبة للبطالة في العالم ، تصل إلى نحو 30.6 بالمئة. وهذه المشكلة تكلف الدول العربية ما يتجاوز أربعين مليار دولار سنويا، بحسب أحد التقارير الذي أصدره البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية. ولا يزال الشباب أيضا يشكلون أكبر مجموعة رديئة الوظائف، وإن كان هنالك فوارق كبيرة بين المناطق. فعلى سبيل المثال، تواصل البلدان الأفريقية (جنوب الصحراء) تسجيل أعلى معدلات العمال الشباب الفقراء في العالم، إذ تبلغ زهاء 70 بالمئة، بحسب منظمة العمل الدولية. وتمثل زيادة السكان أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية في مواجهة البطالة، خاصة الصغار والشباب منهم، حيث أن ثلث سكان المنطقة تقريبا بين سن الـ15 والـ29. وهي المشكلة التي تضع عبئا وضغطا شديدين على سوق العمل والفرص المتاحة المحدودة. ويتفاقم حجم هذه المشكلة في الدول التي تمر بمشاكل اقتصادية، كدول شمال أفريقيا. التيه الوطني لكن العامل الاقتصادي ليس هو السبب الوحيد في تأجيج غضب الشباب العربي ضد الحكومات والأنظمة، هناك ما يشبه التيه الوطني والولاءات الضيقة والأنانية السياسية دفعت جيلا كاملا للمطالبة بوطن يمثلهم، كما حصل في احتجاجات العراق المستمرة منذ أكثر من شهر، حيث رفض الشباب الناقم على الأحزاب الحاكمة اعتبار ثورتهم هي ثورة جياع، ورفعوا شعار “نريد وطن” في إشارة معبرة عما يختلج في صدورهم. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الكاتب العراقي توفيق التميمي وصفه للاحتجاجات بأنها، “مظاهرات شباب حرم من حقوقه في الوظيفة والحرية والتعبير عن أفكاره”. واتفق الآلاف من طلاب الجامعات العراقية والمدارس، الذين يرفضون العودة إلى الدراسة حتى بدء إصلاحات شاملة، على شعار “ماكو وطن، ماكو دوام”، التي تعني من دون وجود وطن يجمعنا لا يمكن مواصلة الدراسة. ونقل مراسل وكالة رويترز في بغداد عن متظاهر شاب من المعتصمين في ساحة التحرير ببغداد، “الشباب عانوا مصاعب اقتصادية وانفجارات وقمعا. نريد استئصال شأفة هذه النخبة السياسية بالكامل. نريد التخلص من هذه العصابة وربما بعدها نستطيع الراحة”. فيما شعر الشباب الناقم في لبنان أن الطبقات السياسية الحاكمة وفق المحاصصة الطائفية والدينية تداور الأمور فيما بينها من دون الإعلاء من القيم الوطنية التي تجمع الشعب. وتميزت التظاهرات في لبنان بشمولها مختلف الأراضي اللبنانية ومختلف الطوائف، في بلد صغير يقوم على المحاصصة الطائفية، ويشهد انقسامات كبيرة بين سياسييه على خلفية الانتماءات الحزبية والدينية. ووصف صحافي عراقي المحتجين بالجيل الباهر، معترفا بهزيمة أبناء جيله أمام هذا الجيل قائلا، “أولئك الفتيان جيل التوك توك يصنعون ما عجزت عنه كل التنظيرات، لأنهم تركوا الكلام تذروه الرياح كالأوراق الواهنة وتحركوا إلى الميدان. لقد صنعوا التاريخ الذي يتوقون إليه من مكان الإحباط والغضب”. ويجمع غالبية المحللين في تصريحات لـ”العرب” على فكرة المفاجأة التي يمثلها هذا الجيل الشاب في انتزاع المبادرة من أجيال سابقة، رغم أن غالبية هذا الجيل لم يحظ بحياة هانئة ولا فرص عمل جيدة ولا استقرار اجتماعي وأسري، وينطبق ذلك على الشباب العربي من المحيط إلى الخليج العربي، فهذا الجيل صنع ثقافته من شاشات الهواتف المحمولة، لكنها كانت ثقافة “الصدمة” لأجيال سياسية وحكومات فاشلة على الأغلب. وقال الصحبي بن منصور، المؤرخ التونسي، “لطالما اعتقد العالم أن الشباب العربي شباب مهمّش ومقصي ومضروب بعصا الذل، لكن الحقيقة التي يقيم الواقع الدليل عليها هي خلاف ذلك، وهو أمر يُلمس من خلال تفوق عدد لا يستهان به من الشباب في مجالات مختلفة لاسيما خارج بلدانهم الأم”. وأضاف بن منصور لـ”العرب”، “السياسات المنتهجة في الأنطمة العربية تهدف إلى جعل الشباب يصرف طاقاته وأوقاته في اللهو والمتع، بعيدا عن الانشغالات السياسية وعن خوض غمار الحياة العامة”. واستدرك، “لكن لا شك أيضا في أن الطابع الاستهلاكي للحضارة الغربية، التي عمّت العالم كله بما فيه الوطن العربي، أغرق الشباب العربي في تطبيقات مقولة هاربرت ماركيز (مزيد من اللذة مزيد من الحضارة)، إلا أن تقنية تدجين الشباب وتذويبه عن طريق محاولة اختزاله في البعد الواحد، أي في البعد الاستهلاكي، لم يكتب لها النجاح طويلا وعلى نطاق واسع في المجتمعات العربية، لأن دينها يضع للإنسان قيودا تحول دون انغماسه في الحريات المطلقة سواء في المجالين الفردي أو العام”. وواصل بن منصور حديثه موضحا، “قد نجد شبابا عربيا منغمسا في الملذات، لكن في المقابل هناك قطاعا واسعا من الشباب العربي نفسه ملتزم أخلاقيا، وهذا الالتزام تعزّز بما تشبّع به، مثلا في تونس (رائدة الثورات العربية)، من فكر نقدي في مادة الفلسفة أثناء مرحلة الدراسة الثانوية، وما انفتحت أمامه من أسئلة نقدية ومراجعات في مباحث تتعلق بالدولة ونظمها وبالحريات والعنف والجسد واللغة ورؤى العالم (الأساطير والفن والدين والعلم)، علاوة على انفتاحه على شباب العالم عبر تكنولوجيات الاتصال للتحلي بشخصية استقلالية، وقائدة وغير منقادة”. وقال، “من الطبيعي إذًا أن يفاجئ الشباب المثقف أنظمة دوله وآلتها القمعية بأفكار نقدية شجاعة وبمواقف تقطع مع الإمعية والخضوع، فبعد كسر جدار الخوف ارتفع سقف الحريات التي تخرج أحيانا بصاحبها عن اللياقة من خلال تخطي حاجز الهيبة وعدم احترام رب العمل ورب الأسرة ورب الدولة ومساعديه في كل الوزارات والإدارات، لكن ظل مثل ذلك رهين مساحات ضيقة، إذ سرعان ما يحصل التعديل الذاتي”. وأضاف، “الشباب الذي تاه بعضه يمينا من شدة الانضباط ويسارا من شدة الانفراط بقي بصورة عامة محافظا على توازنه رغم مدّ الموج العالي للعولمة وإغراءاتها ومثالا للشاب الحرّ، المتحلي بالأخلاق، والمستعد دائما للمساهمة سلميا في تغيير واقعه وإصلاح مجتمعه، لا يرهبه الوعيد ولا ينساق وراء سراب الوعود الزائفة”. وأكد بن منصور، في خاتمة حديثه، أن الشباب العربي الذي ثار على النظام القهري في أوطانه لن يسكت عن النظام العالمي الظالم أو المستغل لثروات الشعوب. ويبدو أن هذا الشباب قد أعطى للعالم بأسره أملا في غد أفضل، ولولا هذا الغضب الشبابي لما قامت ثورات وأطيح بحكومات أو سقطت أخرى في انتخابات رسمية.

مشاركة :