مارلين سلوم كل ما مر في حياة الشعوب من حروب ومآسٍ وكوارث وأزمات كبيرة، يُدرج في سجل الدول، وتتعلم منه الأجيال ونعود إليه باستمرار كجزء مهم من التاريخ. «بيرل هاربر» من تلك المحطات المهمة في تاريخي الولايات المتحدة الأمريكية و«الإمبراطورية اليابانية» في ذلك الوقت، والتي تركت أثرها في العالم. هي نقطة سوداء تخفي في طياتها الكثير من المآسي والأسرار العسكرية والحربية، وتناولتها السينما الأمريكية مراراً وتكراراً، إنما في كل مرة تقدم وجهاً من أوجه الحرب، وغالباً ما تستند إلى وقائع حقيقية. لكن لا تأتي الأفلام دائماً بنفس المستوى ولا تحصد النجاح نفسه، وهو ما يحصل مع فيلم «ميدواي» الذي قدم معالجة باردة لواحدة من أسخن معارك الحرب الثانية، ويعجز، وهو يعرض في الصالات، عن حصد إعجاب الجمهور وإقباله الشديد عليه. جيد أن تجد من يواصل البحث في ملفات الحرب بين أمريكا واليابان، ونبش قصص تقدم كارثة «بيرل هاربر» من زوايا مختلفة. ولافت أن تشاهد خلال شهرين فيلمين عن معركة «ميدواي»، وكلاهما أقل من أن يترك بصمة في السينما وفي الجمهور. «ميدواي» المعروض بلغت تكلفته الإنتاجية 100 مليون دولار، بينما جاءت إيرادات الأيام الأولى عالمياً صادمة، إذ لم تتجاوز ال 17 مليوناً ونصف المليون دولار. ويبدو أن تذييل أي عمل بعبارة «مأخوذ عن قصة حقيقية»، لم يعد يملك نفس التأثير في المشاهدين، بسبب كثرة تكرارها في السينما العالمية، وقلة حرفية صناعها وكاتبها، أو عدم حرصهم على الحبكة الدرامية المؤثرة والتفاصيل التاريخية المقنعة. أما الفيلم السابق والذي عرض في سبتمبر/ أيلول بعنوان: «شجاع: معركة ميدواي»، فقد جاء ورحل دون أن يأسف الجمهور عليه. إنها الحرب العالمية الثانية، تدور الأحداث حول المعركة الجوية والبحرية المحورية بين أمريكا واليابان، في العام 1942 وهي معركة «ميدواي». المخرج رولاند إميريش (مخرج «يوم الاستقلال»، و«ذا داي أفتر تومورو» و«جودزيلا» وغيرها الكثير) يعيد تقديم هذه المعركة بمجموعة من الأبطال القادرين على تحمل مسؤولية هذه النوعية من أفلام الحرب و»الأكشن»، منهم: إد سكرين، لوك إيفانز، وودي هارلسون، باتريك ويلسون ونيك جوناس.. ورغم الدقة المعروف بها إميريش، إلا أنه في هذا الفيلم لم يقدم ما يبهر المشاهد، ويجعله علامة فارقة في سلسلة الأفلام الطويلة التي تناولت «بيرل هاربر» و«ميدواي». المؤلف ويس توك منح الشخصيات اليابانية بعض الملامح الإنسانية، وهو ما لم نعتده في أفلام المعارك بين أمريكا وأي من أعدائها سواء الحقيقيين أم «الوهميين» والافتراضيين. أراد توك أن يبدو منطقياً في كتابته، وهو محق في ذلك، فرفع من شأن عدوه، كي يرفع بالتالي من شأن القوات الأمريكية، لتكون خسارتها «مشرّفة» أمام عدو قوي، بدل أن تكون هزيمة مهينة أمام عدو ضعيف. والجانب الإنساني لدى اليابانيين ظهر جلياً في فيلم «يو إس إس إنديانابولس: الرجال البواسل» الذي عرض عام 2016 للمخرج ماريو فان بيبلز، بطولة نيكولاس كيج. إميريش يقدم مشاهد معارك قوية، بجانب القصص الإنسانية التي تثير مشاعر المشاهدين فيتأثرون ويتعاطفون مع الجنود الأمريكيين، وقد تعمد إيصال رسالة واضحة، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مجهزة عسكرياً لمثل هذه الحرب، ولكن مصدر قوتها الوحيد كان رجالها، وأنهم دافعوا بكل ما يملكون من «شجاعة» وحب للوطن وولاء، ربما لا يتوفر لدى قادة لديهم. وهذه النقطة تحديداً، تذكرنا بفيلم «شجاع: معركة ميدواي»، حيث أراد المؤلف آدم كلاين والمخرج مايك فيليبس إبراز ضعف الجانب الأمريكي، وعدم جهوزيته، والصراع داخل القيادة في اتخاذ قرار الهجوم أم التراجع، خصوصاً أنه تناول جزئية واحدة من معركة «ميدواي» في العام 1942، حيث أرادت القوات الأمريكية نصب فخ للقوات اليابانية في ميدواي، فأغارت بسرب مؤلف من 32 طائرة، لم يعد منها سوى 6 طائرات، بسبب سوء تقدير قوة العدو. ولم ينج من الجنود الذين سقطوا في المحيط سوى القليل القليل. من عيوب هذا الفيلم أنه لا يريك الجانب الياباني أبداً، إنما هو مجسد فقط بطائراته التي تهاجم بشراسة، وبأسطوله البحري. مع عيب آخر في إطالة الحوارات والثرثرة، ما أبطأ إيقاع المعارك، التي صارت في الخلفية فقط. في الفيلمين، تركيز على أن الجنود الذين تم استدعاؤهم لهذه المعركة، هم من المثقفين ومحبي الفن ويغلب على حياتهم الترفيه وأحياناً الثراء، بينما على الجانب الياباني، رجال مجندون ومستعدون وواثقون من خططهم ومن كيفية تنفيذها. وهو إسقاط واضح على فشل السياسة الأمريكية الخارجية، ودخولها في حروب لا جدوى منها ولا تعود عليها بالفائدة، لتخسر خيرة رجالها، ثم تبرر الفشل بقرارات أكثر فشلاً، أو أكثر ضرراً على أبنائها وعلى العالم. مع شدة تطور التكنولوجيا، ومعرفة المشاهدين بها وبوسائلها وكيفية استخدامها، صار من الصعب إرضاؤهم بمشاهد مركبة أو حروب مفبركة «إلكترونياً»، لذا من الضروري أن يكون الاعتماد على حبكة قوية وأداء مميز ومقنع للممثلين. وإذا كان «ميدواي» قد فشل في تقديم أي جديد، وما يترك بصمة في تاريخ السينما، إلا أن الممثل البريطاني إد سكرين تألق بدور الطيار ديك بست، ويمكن اعتباره أفضل النجوم في هذا العمل. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :