شعرة بين العقل والجنون!

  • 11/13/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من الأشياء المثيرة في علوم السلوك الإنساني هو الحصول على إجابة دقيقة عن تعريف السلوك الطبيعي للإنسان في المجتمع، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للحديث عن مختلف الأطروحات التي تقدم نمطاً محدداً للشخصية الإنسانية وترفض عداها، وقد توصل أستاذ علم النفس والقانون في جامعة تانفورد، ديفيد روزنهان، إلى نتائج مذهلة في عمله البحثي في عام 1973، فقد نشر بحثاً عن الجنون في المجلة العلمية المرموقة، Science.. وقد أحدث ضجة كبيرة عندما اكتشفت الدراسة، التي شارك فيها ثمانية متطوعين أصحاء، أفراد أصحاء أو عقلاء في 12 مستشفى للأمراض النفسية في جميع أنحاء البلاد، لكن وصمهم بالمرض النفسي وعلاجهم بالأدوية جعلهم أسرى في دائرة الجنون، وأدت الدراسة إلى غضب وطني، وقد ساعدت النتائج التي توصل إليها في تسريع الإغلاق الواسع لبعض مراكز الطب النفسي في جميع أنحاء البلاد، وتغيير مفهوم الرعاية الصحية العقلية في الولايات المتحدة إلى الأبد. الإشكالية في التشخيص النفسي أنه بمجرد وصفهم بالإصابة بالمرض عقلي، أصبح من المستحيل إثبات غير ذلك، وقد تم الإبقاء على الثمانية المتطوعين في المستشفى لمدة 19 يومًا في المتوسط، مما يعني أن الأطباء كانوا يعتقدون أنهم مرضى للغاية بحيث لا يستطيعون المغادرة. كان لورقته تأثيرًا كبيرًا، فقد أثار المزيد من الحركات في عالم الصحة العقلية، حيث ساعد على فضح التحليل النفسي لفرويد، وتطبيب الطب النفسي ودفع حقوق مرضى الصحة العقلية، وهو ما أعاد مقاييس التقييم النفسي والتريث كثيراً قبل إطلاق صفة المرض النفسي على الإنسان، وهو تلك الشعرة الرقيقة بين العقل والجنون، فقد تثبت الأيام خلاف الانطباع الأول.. يختلف المرض النفسي عن كثير من الأمراض، والسبب عدم احتوائه لعلامات جسدية أو تحليلية في السوائل مثل الدم، ويعتمد في كثير من الحالات على تقييم وتحليل الطبيب النفسي، والتي تختلف قدراتهم ووعيهم وحكمتهم من شخص إلى آخر، وهو ما يدعو إلى توخي الحذر في البدء في تناول أدوية قبل التشخيص الدقيق، فالخطورة تكمن في الوصمة التي لن تفارق الإنسان مهما طال الزمن. مسألة ما هو «الطبيعي وغير الطبيعي» شائكة، بمعنى أن الكثير من الناس يستخدم كلمة غير طبيعي لإقصاء الآخر، والنمط الطبيعي قد اختلف عبر القرون، فعلى سبيل المثال كان وضع الرجل العاقل في القيد لدعوى امتلاكه بصك ملكية أمراً طبيعيا في ذلك الوقت، بينما أصبح الآن أمراً في غاية الشذوذ. هي دعوة لتأمل عالم الطب النفسي في المملكة، فالمممارسة تتجاوز الطبيعي في بعض الأحيان، ودعوة لبدء جمعية للطب النفسي فاعلة، ومهمتها زيارة المراكز النفسية، وفحص عينات عشوائية للمرضى، فاحتمال وجود أشخاص طبيعيين في هذه المراكز موجود، لكن وضعه على بعض الأدوية يجعل منه مريضاً مزمناً، وقد يصعب إخراجه منها. الأزمة تكمن على وجه التحديد في وجود غير متخصصين في هذا المجال، وفي أيضاً الاستعمال العشوائي لأدوية الطب النفسي، وباختصار تحول العيادات الخاصة للطب النفسي غير المتخصصة أشخاصا طبيعيين إلى مرضى نفسيين بسبب الاستخدام الخاطئ للأدوية، فهل منصف لهؤلاء!، وأخيراً من يتحمل ضياع حياتهم في متاهات الطبيعي وغير الطبيعي.

مشاركة :