تحاول مسرحية “المبروك” لفرقة سيتكوم المغربية، وهي تطرح قضية الأمل في الوصول إلى منجم الذهب، إيجاد الحل المثالي لمشكل الاستقرار عند الجميع، كل ذلك في قالب فني جعل المسرحية تغوص في الفرجة بشكلها الشعبي، زادها اعتماد الآلتين الموسيقيتين الإيقاعيتين المعروفتين في المغرب بـ“الطَّعْرِيجَه” و”لَقْرَاقَبْ”، بالإضافة إلى آلة القيثارة الكهربائية، اهتماما لدى الجمهور الذي ما انفك يتابع المسرحية بشغف كبير في كل عرض جديد لها. هذا، وكان للممثل المسرحي عبدالله ديدان دور كبير في الرفع من مستوى الفرجة في عرض “المبروك”، الذي مزج بين الكلمة الهادفة في بعديها الرمزي والمباشر، إضافة إلى الإيقاع الموسيقي الشعبي المغربي الذي أحدثت به المسرحية انسجاما متناغما مع الإيقاع الموسيقي لآلة القيثارة الكهربائية، حيث جعلها الفنان ياسر الترجماني آلة وترية ترسل أنغاما مغربية تفيض طربا. ويقول الكاتب المسرحي الحسين الشعبي لـ“العرب”، “ما ميّز مسرحية المبروك أنها مزجت فصولها المضغوطة في فصل واحد طويل يمتدّ لساعة ونصف، تفصل بينها لعبة الظلام والضوء الخافت والضباب، الأمر الذي شدّ انتباه الجمهور إليها بجدها وهزلها، بالطرب والرقص، بالفرح والحزن، حتى غَدَا العرض فضاء يملأه الممثلون بفنية أدائهم المحبوك والمنسجم في إطار ما يعرف عند رواد المسرح المغربي بأسلوب “لَبْسَاطْ”. و“لَبْسَاطْ” هو الهزل الموزون الذي يُضمر رسائل النصح والحكمة في قوالب “أَلْبَسْطْ”، والكلمة تعني في الدارجة المغربية: الضحك والفكاهة، وهو أسلوب فرجوي تميز به مسرح الطيب الصديقي وعبدالله شقرون وأحمد الطيب لعلج. وترصد المسرحية رغبات وآمال أفراد وجماعات من المجتمع المغربي، خاصة البدوي منه، كالرحيل والحلم بتحقيق الثراء وتملك الأراضي والزواج، وهي تعتمد الحكي بلغة سهلة أساسها الفرجة والسخرية من واقع اجتماعي مهزوز ومثقل بالإكراهات، كما أن المخرج أمين ناسور وظّف في العمل المسرحي الموسيقى والتراث الشعبي والقول المأثور الغني بالحكمة والتجارب الإنسانية التي تنهل من تربة المكان المغربي. وجعل عبدالله ديدان شركاءه في التمثيل في عرض “المبروك”، بمثابة محيط دائرة مسرح “الحلقة”، الذي عرفه المسرح المغربي منذ عقود، وما يزال له حضوره الفني، إلى اليوم، وسط ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، وعبر هذا الأسلوب المسرحي المغربي الخالص تمكن ديدان من أن يجعل من مسرحية “المبروك” نقطة مركز وسطى يلتقي عندها جميع الممثلين ليقول كل واحد منهم كلمته، كما توفّق في جعل الممثل فريد الركراكي والممثلات الثلاث: هاجر الشركي ووسيلة صابحي ونجوم الزهرة، ينخرطون جميعا في أداء مسرحي منسجم نال إعجاب الجمهور. ويؤكد الفنان عبدالله ديدان في تصريح خصّ به “العرب” أن فرقة سيتكوم، ومن خلالها مسرحية “المبروك”، تجعل العمق الفني في العرض يمتح شروطه من المشي على أثر رائد أسلوب فن “لَبْسَاط” الفنان المغربي الراحل الطيب الصديقي، وكأن أعضاء الفرقة أضحوا بذلك صديقيين جدد. وتطرح مسرحية “المبروك” قضية سوسيو- اقتصادية للنقاش، معلنة أن الهدف من طرح موضوع “الأمل في الوصول إلى منجم الذهب”، هو البحث عن حلول ناجعة من خلال السفر وقطع البحار إلى حيث الكنز الموعود الذي كان طيلة العرض المسرحي، بمثابة ضالة الأبطال الخمسة، وضمنهم عبدالله ديدان نفسه، باعتباره الممثل المحوري في “المبروك”. وبدورها أكدت الممثلة هاجر الشركي أن المسرحية اعتمدت أغاني التراث الشعبي المغربي لإيصال رسائل بعينها إلى جمهور المتلقين، الذي تمكّن بفطنته وتعوّده على هذا الأسلوب المسرحي المخصوص للمغرب من فك شفرات تلك الرسائل الاجتماعية- الاقتصادية. كل ذلك من خلال اعتماد الفكاهة والأهازيج وأنغام فرق الكناوة وآلة القرقاب الإيقاعية، حيث استدلت الشركي بأغنية “أَلْوَادْ” الشعبية، التي تحذّر من فيضان الوادي وجرفه للأخضر واليابس. وهي الأغنية التي تقول كلماتها “أَلْوَاْد أَلْواد أَوَا/ أَلْوَاد لْوَادْ خَايْفَه مَنْ حَمْلَاتُو”، أي؛ “أخاف من فيضان الوادي وسيله الجارف”. فأتت المسرحية مستساغة للجمهور المغربي ووفية لمسرح “لَبْسَاطْ” التقليدي.
مشاركة :