دعونا نتفق في البداية على أن ثلاث دقائق و47 ثانية هي وقت طويل للغاية في كرة القدم، ويمكن أن يحدث به الكثير من الأشياء. فقبل عشرين عاماً وعلى ملعب «كامب نو»، كان هذا الوقت كافيا لكي يحول مانشستر يونايتد تأخره بهدف نظيف أمام بايرن ميونيخ في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا إلى فوز بهدفين مقابل هدف وحيد. وقد شهدت هذه الدقائق الثلاث من المتعة والإثارة ما يفوق ما يحدث خلال مواسم بأكملها. وفي الملعب الجديد لنادي توتنهام هوتسبير في المرحلة الثانية عشرة لبطولة الدوري الإنجليزي، توقفت المباراة لمدة ثلاث دقائق و47 ثانية ولم تشهد هذه المدة أي تمريرة أو لمس للكرة على الإطلاق. وعند الدقيقة 60 من عمر اللقاء، وبعد دقيقتين فقط من إحراز اللاعب الكوري الجنوبي سون هيونغ مين الهدف الأول لتوتنهام هوتسبير، احتفل لاعبو شيفيلد يونايتد بالتعادل عندما نجح ديفيد ماك غولدريك في تحويل عرضية زميله، إندا ستيفنز، من الجهة اليسرى إلى داخل الشباك. لكن بعد ذلك، حول حكم اللقاء، غراهام سكوت، القرار إلى غرفة تقنية حكم الفيديو المساعد (الفار) في ستوكلي بارك. وتوقف اللعب تماما وانتظر الـ22 لاعبا في الفريقين، بينما كانت غرفة تقنية حكم الفيديو المساعد على بُعد 20 ميلاً في غرب لندن تدرس القرار، واستغرق الأمر أربع دقائق تقريباً من المداولات لكي تصل التقنية إلى استنتاج مفاده أن جون لوندسترام كان متسللاً بطول إصبع قدمه الكبيرة عندما تلقى الكرة على الجناح الأيمن قبل إرسالها إلى كرة عرضية لتصل إلى جون فليك، الذي أرسل الكرة إلى ستيفنز قبل أن يتم إرسالها مجددا إلى ماكغولدريك. وكانت هناك عدة اعتراضات على القرار. أولاً، حتى لو كان لوندسترام متسللاً، فإن ذلك لم يكن هاماً، لأن الكثير قد حدث قبل أن تصل اللعبة إلى نهايتها ويتم إحراز الهدف. ثانياً، لقد تمت الاستعانة بهذه التقنية في قرار هامشي، رغم أن اختصاصات هذه التقنية تتمثل في تحديد الأخطاء «الواضحة» من قبل الحكام على أرض الملعب. ثالثاً، كيف يمكننا التأكد من أن تقنية حكم الفيديو المساعد قادرة على حسم الخلاف فيما يتعلق بهذه الأمور الهامشية والدقيقة؟ والإجابة: لا يمكن لهذه التقنية القيام بذلك، لأن هذه مثل هذه القرارات ستظل تخضع لتفسير حكام المباريات. وقد حدث نفس الأمر، عندما تم إلغاء هدف التعادل الذي أحرزه لاعب ليفربول روبرتو فيرمينيو في مرمى أستون فيلا في المرحلة الحادية عشرة من الدوري الإنجليزي. وركزت الحجج التي تؤيد هذا القرار على أن ركبة تيرون مينغز كانت تسبق كتف فيرمينيو. هذا هو ما وصلنا إليه! وعلاوة على ذلك، فإنه من غير المنطقي أن يتم إعادة اللقطة من سبع زوايا مختلفة بالتصوير البطيء لعدة مرات، في الوقت الذي يتوقف فيه اللعب وينتظر فيه اللاعبون في هذه الأجواء الباردة! ولكي ندرك حجم الضرر الذي تحدثه تقنية حكم الفيديو المساعد في هذا الأمر، يجب أن ننظر إلى القرارات التي تتخذها تقنية «عين الصقر»، التي تحدد في لحظة ما إذا كانت الكرة قد تجاوزت خط المرمى أم لا، وكنا نتمنى أن يتم تطبيق تقنية حكم الفيديو المساعد بنفس الطريقة. لكن أي قرار ينطوي على تقدير الحكم فهو مسألة مختلفة تماما. ويجب أن ندرك الآن أن هناك بعض القرارات في كرة القدم التي ستظل دائما تخضع لرؤية العنصر البشري، وليست حقيقة واضحة ومسلم بها. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كان المدير الفني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا سيشعر بهذا الغضب الشديد يوم الأحد الماضي خلال مباراة فريقه أمام ليفربول لو كان الحكم الموجود على أرض الملعب هو الحكم الوحيد للحكم على اللعبة التي اصطدمت فيها الكرة بيد لاعب ليفربول ألكسندر أرنولد في مباراة الفريقين على ملعب «آنفيلد»؟ من المؤكد أن غضب غوارديولا قد تفاقم لأنه يعرف أن هناك تقنية تجب العودة إليها في مثل هذه الحالات. لقد تمت إزالة «الخطأ البشري» من عالم الرياضة، لكن ذلك جاء على حساب سلاسة اللعب وقتل المشاعر التلقائية التي تجعل كرة القدم تختلف عن الأوبرا، على سبيل المثال. ومن المؤكد أن بُعد عملية صنع القرار من قبل تقنية حكم الفيديو المساعد هو في حد ذاته شيء غريب. قد يرى البعض أنه يتم التغلب على هذا الأمر من خلال وضع شاشات للإعادة التلفزيونية بجوار خط التماس، لكن توقف المباراة وتحرك حكم اللقاء ذهاباً وإياباً لرؤية الحالات على الشاشة يؤدي هو الآخر إلى إيقاف المباراة وتعطلها. في الواقع، يمكن تشبيه تقنية حكم الفيديو المساعد بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمهما كانت الحجج المنطقية التي يتم تقديمها بحسن نية من كلا الجانبين، فإن الأضرار تفوق الفوائد، ناهيك عن حالة الانقسام التي خلقتها هذه التقنية، وكذلك الشكوك الكامنة في أن وجودها يخدم مصالح طرف معين (والطرف المعين في هذه الحالة هم الأشخاص الذين يقدمون هذه التكنولوجيا ومحللي البرامج التلفزيونية الذين يرحبون بوجود نقاش آخر مثير للجدل). لذلك، هناك اقتراح بناء في هذا الصدد، وهو أن ننتظر حتى انتهاء الدور الأول من الدوري الإنجليزي الممتاز ونوقف الاعتماد على تقنية حكم الفيديو المساعد بشكل مؤقت وأن تقام التسع عشرة جولة المتبقية من دون الاعتماد على هذه التقنية. ويتعين علينا في هذا الوقت أن نراقب كيف تسير الأمور من دون «الفار»، وأن نرى كم عدد القرارات الخاطئة التي اتخذها الحكام، وأن نفحص النتائج ونرى رد الفعل. وبعد ذلك، نعقد مقارنة بين ما حدث في النصف الثاني من الموسم الذي لم يشهد الاعتماد على الفار، وبين النصف الأول الذي طُبقت فيه هذه التقنية. من المؤكد أن هذه المقارنة لن تكون دقيقة تماما، لكنها قد تخبرنا بشيء نستفيد منه. والأهم من ذلك، أن هذا قد يعطي المتفرجين واللاعبين فرصة للتفكير في شكل كرة القدم التي يرغبون في رؤيتها. ربما تكون النتيجة هي أن الناس يفضلون الأجواء القديمة قبل تطبيق تقنية حكم الفيديو المساعد التي تؤثر على سلاسة اللعب، وربما يجدون أن هذه التقنية قد أصبحت أمرا واقعا وأنها باتت قريبة من النقطة التي يمكننا خلالها من التخلص من كل الشكوك المتعلقة بالقرارات المثيرة للجدل، وبالتالي تجعل اللعبة أفضل وأكثر تطورا. وفي كلتا الحالتين، ونظراً للحالة التي نحن فيها الآن، فإن الأمر ربما يستحق أن نقوم بهذه التجربة. جدير بالذكر أن الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم تعهد مؤخرا بتحسين وتسريع عملية استخدام نظام حكم الفيديو المساعد بعد الكثير من القرارات المثيرة للجدل وانتقادات واسعة من الجمهور والنقاد. وقالت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، التي تستعين بهذا النظام لأول مرة هذا الموسم، في بيان، إنه جرى نقاش طويل حول حكم الفيديو خلال اجتماع لحملة الأسهم الخميس الماضي، وقال مايك رايلي رئيس لجنة الحكام إن «التطور مطلوب». وأضافت: «يتعهد الدوري الممتاز ولجنة الحكام بتحسين القرارات وإنجاز المهام بسرعة وزيادة التواصل مع المشجعين». وأبلغ رايلي الأندية بأن السرعة والثبات عند اتخاذ القرار «أولوية في العمل وستتحسن مع اكتساب الحكام خبرة أكبر في التعامل مع التكنولوجيا والقواعد». وأشار إلى إمداد الجمهور بمعلومات أكبر مثل شرح أسباب مراجعة اللقطات.
مشاركة :