أواصل اليوم عرض الحلقة الثالثة من ملاحظاتٍ وآراء حول السعودة، تلقيتها بعد أن عرضت مقالي (المطلوب حزم يعصف بالبطالة)، الذي نُشر هنا يوم الخميس الماضي، على نحو مائة من أصدقاء وزملاء الدرب، من أصحاب الخبرة الممتدة، التي تتجاوز الثلاثين عاماً بعد التخرج من الجامعة، لنتابع سوياً مرئياتهم: أحد عشر: نظام العمل السعودي في إصداره الأول كان ينص على حد أدنى من العمالة المواطنة في أي منشأة. ببساطة متناهية، قد يكون هذا هو الحل؛ فهو لا يتطلب تفتيت الأنشطة وأنواع الوظائف نمايز بينها فيما يتطلب بنسبة السعودة، مما مارسناه على مدى الخمس عشرة سنة الماضية. بمعنى أدق: «بسطها تنحل، وعقدها تتمشكل»! أي، أن نستهدف العودة لتحقيق ما نص عليه نظام العمل القديم لعام 1389هـ، في المادة (45) منه بأن لا تقل نسبة العمال السعوديين عن 75 بالمائة، وألا تقل رواتبهم عن 51 بالمائة من الأجور. إضافة، إلى الحد من الاستقدام جملةً وتفصيلاً، فيما عدا استقدام العمالة المنزلية. وستكون النتيجة انقطاعا لتجارة استقدام العمالة الوافدة، وسيرتفع حُكماً وبشدة الطلب على المتاح من العمالة المواطنة الباحثة عن عمل، وبالتالي سترتفع الرواتب ارتفاعاً «صاروخياً» لجذبهم، وينتج عنه ارتفاع تكاليف العقود بما في ذلك المناقصات الحكومية لتغطية الارتفاع في تكاليف العمالة، وبعدها ستوازن السوق نفسها بنفسها مع مرور الوقت. بالقطع، ستكون هناك آلام «تسنين» مُبرحة، وستنطلق صفارات الإنذار لدى الموردين والموزعين والمقاولين والمصنعين، ولكن في نهاية المطاف ستتتوازن سوق العمل وتعيد تمركز العمالة المواطنة وارتقاء الاعتمادية عليها. ثاني عشر: الكل متضرر من تشوهات سوق العمل، ورأينا هجرة رؤوس الأموال للخارج وعزوفا عن الاستثمار بالوتيرة التي تليق باقتصاد رئيس كالاقتصاد السعودي ومزاياه، وكذلك تقلص الطبقة الوسطى التي هي الأساس في انطلاقنا من التنمية إلى النمو الاقتصادي ولريادة الأعمال. ثالث عشر: يجب ألا ننسى أن المواطن لا يكلف مصاريف وأعباء استصدار تأشيرة استقدام ولا مصاريف إقامة وضمان طبي، ولا يمثل أعباءً إضافية على المرافق والخدمات العامة كالمياه والكهرباء والطرق على سبيل المثال لا الحصر، لاسيما أن جُلّ هذه الخدمات مدعومة من الحكومة الموقرة، فضلاً عما يحول سنوياً من عشرات المليارات، التي لا يستفيد منها اقتصادنا الوطني بل تحول أولاً بأول نهاية كل شهر. رابع عشر: المؤلم في موضوع السعودة أن هناك من المواطنين من أصحاب الأعمال الكبار يتبادلون فيما بينهم مقولات اعتبروها قناعات دون أن يختبروها أو يتحققوا عملياً من صحتها، منها أن المواطن متدني الإنتاجية، متجاوزين النماذج الكثيرة المضيئة من الشباب السعودي العامل بجد وتميز، الذي يستطيع أن يعمل وأن ينافس بإنتاجيته أي عامل آخر في العالم. ولعل الأمر أن العامل المواطن لا يرضي بعض أرباب الأعمال لاعتبارات خارجة عن نطاق الإنتاجية يعبر عنها إجمالاً تحت مسمى «سلوكيات». خامس عشر: لدينا أمثلة سعودية حقيقية: السعودي يعمل حفاراً في وسط الصحراء الحارقة، والفتاة السعودية تُركب ألواحاً كهربائية في مصنع به 800 فتاة، والفتاة تُشغلّ غرفة التحكم بالروافع (الكرينات) في ميناء الملك عبدالله، والسعودية تُجَمع المكيفات، والمواطن يعمل سائقا عند شركات تحترمه مهنياً. إذاً، السعودي والسعودية يعملون في كل المواقع، كل ما يبحثون عنه هو الراتب المجزي والتدريب والتطوير والأمان الوظيفي. سادس عشر: يحتاج المواطن الباحث عن عمل إلى نصح وتشجيع أولاً وقبل كل شيء، فهو قادر أن يقدم الكثير لنفسه ولوطنه، وسأعطي مثالا للدلالة على ذلك: أتاني من يبحث عن عمل، فعرضت عليه وظيفة قهوجي، فقبل. اشترطت عليه أن يكمل تعليمه ليلياً، خلال سنوات ترقى وأصبح يمارس عملاً آخر، فهو حالياً فني حاسب آلي، وآخر كانت وظيفة دخوله «سائق»، والآن أصبح كاتبا قانونيا، والأمثلة كثيرة. الخلاصة أن الشباب في وظائف الدخول بحاجة إلى دعم وتدريب وتطوير. سابع عشر: أسئلة تستحق الطرح على الاقتصاديين ورجال الأعمال والمهندسين والخبراء في مجالات كثيرة، ومن الإجابات قد تتبدى أمور: 1. هل ندرك لماذا تكلفة البناء –على سبيل المثال- لدينا عموماً أقل من نصف تكلفتها في أوروبا وأمريكا ومعظم دول العالم ذات الاقتصاد الحر؟ 2. لو افترضنا أن شركة «جنرال موتورز» بدأت تصنيع سياراتها في المملكة، وفرضنا أن سعر السيارة المصنعة محلياً 200 ألف ريال والمستوردة 120 ألف، فكيف ستكون نسبة مبيعات السيارات المحلية مقارنة بالمستوردة؟ 3. الآن، أطرح نقطتي الأساس: كيف سيكون وضع سوق العمل في حال تساوت أجور العمالة الوافدة والمواطنة، من العامل المبتدئ للرئيس، بحيث لا تسطيع أي منشأة استقدام أو توظيف أي عامل بأقل من الحد الأدنى لأجر السعودي؟ هل سيكون هناك اعتماد شبه تام على العمالة الوافدة لشرائح عديدة من الوظائف؟! قد يعني هذا ارتفاعاً هائلاً في تكلفة المعيشة، وقد تكون هذه تكلفة الحل.
مشاركة :