وجهات نظر مخضرمة حول البطالة والسعودة «5»

  • 5/19/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قضايا البطالة والسعودة والتوظيف تعج بالتداخلات ووجهات النظر، أواصل اليوم عرض الحلقة الرابعة من ملاحظاتٍ تلقيتها بعد أن عرضت مقالي (المطلوب حزم يعصف بالبطالة)، الذي نُشر هنا مؤخرا، على نحو مائة من أصدقاء وزملاء الدرب، من أصحاب خبرة ممتدة تتجاوز الثلاثين عاماً بعد التخرج من الجامعة، لنتابع سوياً مرئياتهم: ثالثا وعشرين -بقينا على مبدأ نسبة السعودة لسنين طويلة، لكنها للأسف لم تؤت ثمارها. وليس المملكة هي البلد الوحيد في هذا المجال؛ انظر إلى تجربتي ماليزيا وأندونسيا. في ماليزيا، هناك عدة أعراق متعايشة؛ الماليزيون من أصول صينية، ومن أصول هندية، وليست لديهم مشكلة في توفير الوظائف واشتراطات على القطاع الخاص، أهل الغابات لا يريدون العيش في المدن ولا في القرى. لكنها مشكلة التوظيف متأزمة عند الـ «بومي برتا»، وهم الماليزيون الأصليون من سكان المدن والقرى، وبالفعل لدى ماليزيا سياسة خاصة لتوظيف هؤلاء تعتمد على فرض نسبة، وهناك تشجيع لمنشآت القطاع الخاص لتوظيفهم، كالخصم من الرسوم الجمركية للشركات العاملة في مجال النفط. وتجد أن الشركات تحقق النسب المطلوبة لتوظيف الـ «بومي برتا»، ولكن في وظائف متدنية أو غير مفصلية مما لا تتطلب مهارة ومواظبة. ومع ذلك، فالاحباط لدى كل الفئات المعنية بالموضوع، وذلك نابع من السياسة ذاتها أو أسلوب تنفيذها او النتائج المحققة. والأمر قد لا يختلف كثيراً في أندونسيا، فبالرغم من استيفاء الشركات هناك لنسب التوظيف المطلوبة وحصولهم على دعم الحكومة، إلا أن النتائج غير مرضية؛ فالعمالة غير راضية، وأرباب العمل غير راضين! ما البديل؟! لعل البديل يكمن في سياسة شاملة تهتم بالنواحي التالية في آنٍ معاً: 1. التعليم، 2. توطين الوظائف، 3. استقدام العمالة، وذلك بأسلوب محفز للقطاع الخاص، بحيث تضع السياسة خطوطاً عريضة ومؤشرات كمية تَحكم التخصصات التي ينبغي تشجيعها في مجال التعليم لتغذية سوق العمل، وتحدد الخطوط والمؤشرات بناءً على دراسات تحليلية ومسوح ميدانية دائمة لسوق العمل، ويتم تشجيع القطاع الخاص على تبني طلاب الجامعات بمبادرات متنوعة منها –على سبيل المثال- بعثات داخلية، مما سيخفف العبء على الخزانة العامة للدولة، ويتم استقدام العمالة وفق تخصصات ووظائف محددة، فإن لم يتم توطين الوظيفة في الوقت المحدد، تُرفع رسوم التأشيرات على المنشأة المتخلفة، للتأشيرات الجديدة وحتى الخروج والعودة، وربما رسوم الإقامة، وكذلك الدعم من صندوق تنمية الموارد البشرية. وبالمقابل، تُمنح المنشآت التي حققت اشتراطات السعودة خصومات في الرسوم ومزايا من صندوق تنمية الموارد البشرية. وليس من شك أن الأمر ضمن اهتمامات مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وبالقطع فالأمر بحاجة لتفاصيل متنوعة، وهذه –بطبيعة الحال- تأتي من دراسات متخصصة. ومن الواضح أن موضوع السعودة لا يمكن أن يكون ساكناً، بمعنى أنه «ديناميكي» بطبيعته المرتكزة إلى الحراك في سوق العمل، ولذا فلا بد أن تُبنى الدراسات والسياسات على مرتكزي التطوير والتغيير المستمر، بما يستوجب العمل والتعاون مع الجهات كافة تحقيقاً لأسباب النجاح. رابعا وعشرين- علينا أن نتفق على مفاهيم أساسية حتى ننهي التشوهات التي نراها في سوق العمل المحلية، هل الحصول على تأشيرات لاستقدام العمالة جائزة (جزرة)؟ وهل توظيف المواطن عبء (عصا)؟ ومن هذا المنطلق هل علينا تطبيق سياسة العصا والجزرة؛ بمعنى أن يحصل صاحب العمل على «حق» الاستقدام عندما يحقق نسبة السعودة؟ لعل الخلل الأساس في سوق العمل لدينا هو تمكين الوافد الباحث عن عمل أن ينافس المواطن الباحث عن عمل، بمعنى أننا نستقدم وافدين ليس لشغل شواغر حقيقية ومحددة بل لشغل ما يتيسر من وظائف، ولذا تجد أن مئات الآلاف من العمالة الوافدة لا تلتزم بوظيفة محددة، بل يعمل في النهار سكرتيراً، وفي المساء محاسباً، ومعلم لغة انجليزية في عطلة نهاية الأسبوع، ويضع مدخراته لشراء حصة أو اثنتين في بقالة أو حتى سلسلة بقالات! وكم مرت علي حالات، لوافدين حديثي التخرج يبحثون عن عمل، وهذه منافسة مباشرة للخريجين من المواطنين، فالممارسة تقول إن صاحب العمل سيميل لتوظيف المرشح الأقل تكلفة. وهنا يأتي السؤال: كيف لا نحمي ونحصن فرص العمل التي يولدها اقتصادنا لتكون من نصيب شبابنا الداخلين الجدد لسوق العمل؟ بالتأكيد، لدينا نقص، لكن ليس ملائماً أن يستوعب النقص عشوائياً فذلك يؤدي إلى إشكالات نعايشها، بل علينا استيعاب النقص «جراحياً» حتى لا يأخذ الوافد وظائف بإمكان المواطن شغلها. متخصص في المعلوماتية والإنتاج

مشاركة :