لا أظن أن أزمة «حجاب» الفنانة صابرين تستحق كل هذا الصخب.. فهي ليست قضية أمن قومي تستوجب كل هذه الضجة الكبيرة التي انتشرت على صفحات السوشيال ميديا.. ولا هي كارثة ستخلف وراءها خسائر لا حصر لها.. «صابرين» كأي إنسان مسئول عن قراراته طالما لا تؤثر بالسلب على غيره.. هي حرة في تصرفاتها إن لم تؤذ الآخرين.. وتعلم جيدا طريقي الصواب و الخطأ. مسألة الحجاب تحديدا شخصية.. بل علاقة خاصة بين الإنسان وربه لا إكراه فيها.. وهنا علينا أن نضع في اعتبارنا أننا لسنا حكاما علي الأرض لنحاسب المخطئين في حق الدين .. علينا أن نعي جيدا أن الله هو الحكم العدل الخبير بذات الصدور .. وما نحن إلا بشر نخطئ ونصيب، منا معذبون، ومنا منعمون أيضا. ديننا الحنيف كان وما زال وسطيا.. لا يعرف التوبيخ ولا ينتهج التشويه، ولا يبرر الخوض في أعراض حتى من يختلفون معه.. وهنا عندما أتحدث عن «المختلفين» أقصد من لا يعترفون لا بالقرآن الكريم ولا بالمنهج النبوي الشريف.. ويعتنقون دينا غير الدين ومنهجا غير منهج إسلامنا الحنيف.. فما بالنا من أن يكون هذا التشويه من المسلم لأخيه، لمجرد فقط تقصيره أو إخلاله بالعبادات. ليس صحيحا أن نختزل الدين في «حجاب صابرين».. فهي ليست رمزا دينيا ربما يثير فتنة.. ولا حدثا جللا سيغير مجرى الأمور رأسا على عقب.. خاصة وإنها - وفقا لما أكدته في مداخلة بأحد البرامج التليفزيونية - لم تكن محجبة من الأساس، بل كانت ترتدي «تربونة» علي رأسها، وقد اتخذت قرارها بالتخلى عنها بعد معايرة البعض لها بارتدائها «باروكة»، أثناء مشاركتها أحد الأعمال الدرامية.دعونا نعترف أننا أصبحنا نعيش في واقع أخلاقي مخيف.. أصبحنا ضحايا لحروب غزو العقول على تكنولوجيا الشبكات، مؤهلين لاستقبال قاذورات لا حصر لها، جاهزين لأن نتناقلها في الساعة ألف مرة دون وعي أو تركيز، مستعدين لأن نصنع من التفاهات موضوعا يكون حديث الجميع، حتى وإن كان على حساب الأولويات والقضايا الأجدر بالمناقشة والاهتمام .. لا نعي خطورة هذه التقنيات في تغير ثقافاتنا وعاداتنا والانقلاب إلى الضد.شاهدت تعليقات ومنشورات على صفحات السوشيال ميديا لا حصر لها علي خلفية أزمة حجاب الفنانة صابرين.. رأيت تعليقات تتهمها بالفسوق وأخرى بالانحلال والفجر.. قرأت أحكاما «فيسبوكية» رادعة خرجت من محاكم السوشيال ميديا ضد الفنانة صابرين.. وقرأت لأشخاص نصبوا أنفسهم قضاة وجلادين في نفس الوقت لمحاكمة صابرين عما فعلته.. رأيت بعيني كيف تحول حجاب الفنانة في يوم وليلة إلى قضية رأي عام على الفيس بوك دون أدنى عائد على المجتمع، وكأننا أدمنا تبني التفاهات.قرأت بإحدى الصحف موضوعا يستحق الوقوف أمامه طويلا.. في دولة كينيا إحدى الدول الإفريقية الفقيرة بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة تدشين حملة كبرى لمواجهة التدخين في البلاد، لحث المدخنين على مخاطره وآثاره القاتلة .. وبالفعل استجابت الحكومة لهذه المبادرة وقامت بتخصيص أماكن في الشوارع للمدخنين فقط، ليكونوا في عزلة عن غير المدخنين.. كما جرمت فكرة التدخين في الأماكن العامة والفنادق والشوارع الرئيسية ووضعت غرامات كبيرة للمخالفين .ربما نحتاج أخيرا الاستفادة من هذه التجارب عند استخدامنا للسوشيال ميديا.. باعتبارها وسيلة مهمة وخطيرة في نفس الوقت لتشكيل الوعي وتغيير الثقافات.. علينا أن لا نهتم بالتفاهات، وأن نتوقف فورا عن الخوض في الأعراض ربما لأنها هي التعري نفسه، بل الذنب الأكبر الذي يستوجب التوبة والتضرع إلى الله..
مشاركة :