نجح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في نزع فتيل الانفجار الذي يلوح في الأفق الحكومي، عبر سلسلة إجراءات “غير مسبوقة”، تهدف لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الصراع بين الشيوخ الذي طفا على السطح بشكل علني في الآونة الأخيرة. وفي أول قراراته، أصدر الشيخ صباح الأحمد، مرسوما أميريا بإعفاء نجله، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية خالد الجراح من تصريف الأعمال في الحكومة المستقيلة. وبهذا القرار الذي وصفه مراقبون بـ “الحكيم” أبعد أمير الكويت الوزيرين عن المشهد السياسي وقطع الطريق أمام عودتهما إلى الحكومة الجديدة، لا سيما أن الشيخ ناصر (وهو ابنه) ارتكب “أخطاء كبرى”، برأي كثيرين، كان آخرها تسريبه، عبر حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وثائق ومستندات عن ضلوع وزير الداخلية، ومعه ضمنا رئيس الوزراء، بصفتهما وزيرين سابقين للدفاع (الثاني بالأصالة والأول بالوكالة في سنوات سابقة)، بملفات فساد، في ما بات يعرف في الكويت بـ”قضية صندوق الجيش”. وقضى القرار الثاني بتكليف رئيس الوزراء المستقيل جابر المبارك بتشكيل الحكومة الجديدة، رغم إدراكه أن المبارك سيعتذر لأسباب جوهرية وموضوعية، وهو ما حصل فعلاً بعد دقائق من التكليف. وكان واضحا أن قرار الأمير بالتكليف هدفه حفظ ماء وجه جابر المبارك الذي لم يكن قادرا على الاستمرار في منصبه، لأنه سيكون هدفاً لعدد من النواب، وهو ما ظهر جلياً من خلال مواقفهم المسبقة في الأيام القليلة الماضية عن نيتهم استجوابه وصولا إلى سحب الثقة عنه. وتنتهي ولاية مجلس الأمة الحالي العام المقبل، وعادة ما تشهد هذه الفترة تصعيداً من بعض النواب من خلال طرح اقتراحات شعبوية يُدركون أنها غير قابلة للإقرار، يهدفون من خلالها إلى إحراج الحكومة وزيادة شعبيتهم قبيل الانتخابات. لكن أوساطا سياسية تقول إن اعتذار المبارك لا تقتصر أسبابه على عدم قدرته على إدارة الحكومة في ظل وصول الصراع السياسي إلى مستويات غير مسبوقة، وإنما ينطلق أيضا من حرصه على الاستقرار وإدراكه أن الحملة التي قادها الشيخ ناصر الصباح ضده وضد وزير الداخلية، وراءها شيوخ آخرون ونافذون سبق أن خرجوا من المشهد السياسي قبل سنوات، ويحاولون العودة الآن من بوابة ما يسمونه “مكافحة الفساد”. وكان الشيخ جابر المبارك حازما في رفض تولي المسؤولية قبل تبرئته من القضاء، في ظل الاتهامات التي وجهت إليه، وهو ما ظهر جلياً في كتاب اعتذاره الذي رفعه إلى أمير الكويت. وشدد على ضرورة أن يُثبت أولا براءة ذمته أمام القضاء، مندداً بـ “ما عجت به وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من افتراءات وادعاءات بها شبهة مساس بذمتي وإخلالي بالقسم العظيم الذي أقسمته مراراً أمام الله ثم أمام أمير الكويت وأمام مجلس الأمة وأهل الكويت جميعاً”. ووصف الاتهامات الموجهة إليه بأنها “أكاذيب لا صلة لها بالحقيقة صادرة بكل أسف من زميل وأخ تربطني به زمالة ورابطة أخوة وصداقة امتدت لأكثر من أربعين عاماً ناهيك عما ينطوي عليه تصرفه من تداعيات بالغة الخطورة على مختلف الأصعدة ولا سيما أننا في دولة القانون والمؤسسات”، في إشارة إلى الوثائق التي سربها الشيخ ناصر الصباح نجل أمير الكويت. ويتوقع أن تكون الخطوة اللاحقة من الأمير تكليف وزير الخارجية الحالي الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو رجل دبلوماسي معروف بهدوئه ورصانته وبعده عن الصراعات والصدامات. وتأتي هذه الخطوات من قبل أمير الكويت انطلاقاً من معرفته بأن هناك مخططات تستهدف الاستقرار في البلاد، وهي أكبر من الشعارات المرفوعة بمكافحة الفساد، وكان التمهيد لها واضحاً في التظاهرة الأخيرة بساحة الإرادة التي شارك بها الآلاف، ورفعت خلالها مطالبات متنوعة غير متسقة، من قضية “البدون” إلى حل المجلس إلى انتقاد الحكومة ورئيس مجلس الأمة وصولاً إلى الشعارات الكلاسيكية المطالبة بمكافحة الفساد. وفضلا عن تحقيق الاستقرار في الداخل، ينطلق أمير الكويت من خلال تكليف صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة، من إدراكها بأن اللحظة الاقليمية الراهنة تتطلب هذا النوع من المسؤولين القادرين على إدارة الأمور بروية وحكمة، لا سيما أن الكويت مقبلة على مصالحات خليجية وتطورات إيجابية في ملف الخلاف بين شقيقاتها الخليجيات، الذي تعمل على حله منذ أكثر من سنتين، اضافة الى عمل دؤوب يقوم به صباح الخالد بعيدا عن الاضواء لتهدئة الأمور مع إيران واقناعها بأن الحوار أفضل من التصعيد. وتعليقاً على التطورات، أعرب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم عن تفهمه لاعتذار المبارك عن تشكيل الحكومة، مشيداً بـ”اعتذار مسؤول عن منصبه لحين إبراء ساحته أمام القضاء”.
مشاركة :