أحمد شيخو يكتب: حرب الوجود

  • 11/19/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

توافدت القبائل ذات الاصول التركية بكثرة في عام 1000م الى شرق الخلافة العباسية ووسطها ودخلوا الاسلام واصبحوا جنودًا عند الطلب لدى العباسيين ،وعاشوا تناقضات وحروبا وتزاحموا مع الفرس والعرب في اماكنهم نظرًا لكثرة العدد وقلة الموارد وتطلع الاتراك للسلطة.كان الشعب الكردي حينها متواجدًا على ارضه التاريخية ميزوبوتاميا على حواف سلسلة جبال زاغروس وطوروس و ضمن حدود الخلافة العباسية وعلى شكل امارات كردية تعدادها يتجاوز الخمسين ولها خصوصياتها وشكلها الذاتي كجزء من الشعوب المتعددة في الاسلام . ونتيجة للصراعات المختلفة بين الكرد والبيزنطة في الحدود الشمالية الغربية ، قَبِلَ بعض الكرد بتواجد القبائل التركية ومنها السلاجقة والاتابكة وغيرهم بشرط ان يكونوا مساعدين للكرد في حماية الثغور .وبعد الحروب المختلفة دخل الكرد والترك الى الاناضول بعد معركة ملازكرد عام 1071، والتي وقعت بعد ان تم عقد تحالف بين الدولة المروانية الكردية و السلاجقة الاتراك ونظرا لطلب الترك لمكان للتواجد قَبِل الكرد بتواجده في الاماكن الجديدة المفتوحة وتوافد القبائل التركية الجديدة ايضًا الى هذه المناطق. بعد سنوات وقرون ونظرًا لكون الغالبية من الكرد كانوا من المذهب السني استَغَل العثمانيون والصفويون الكرد تحت اسم الخلافة الاسلامية في حروبهم السلطوية .وأهم مثال معركة جالديران عام1514 حيث تم عقد بروتوكول بين سليم الاول و 32 بيكا كرديا لوقف التوسع الصفوي . حيث ضمَ بعض الكرد مناطقهم للامبراطورية العثمانية في حين تم ابقاء البعض تحت حكم الصفويين نتيجة للحرب. لكن بعد تحقيق العثمانيين والصفويين لغاياتهم تم توجيه اول ضربة للكرد باتفاقية قصر شيرين عام 1639 وتم تقسيم اراضي تواجد الكرد بينهم.  وبعد ان توطدت القبائل التركية احس الترك انهم اصبحوا قوة وادركوا انهم لن يستطيعوا التفرد بالحكم وخلق سيادة وعنجهية العنصر التركي اذا لم يضعفوا الكرد.عندها تم الهجوم على الامارات الكردية بعد ان قام الكرد باستقبالهم و تأمينهم ومساعدتهم ، ومنها امارة رواندوز وامارة بابان والبدرخانيين في جزيرة بوطان بجنوب شرق تركيا .وفي الجانب الآخر حاول الصفويون تغيير التركيبة السكانية بجلب التركمان الشيعة لمناطق الكرد وكانت مقاومة قلعة مدم اقوى مقاومة ضد الشاه عباس عام 1608م .   هنا أدرك جزء من الكرد انهم لم يتخلصوا من البيزنطيين بل اصبح هناك بيزنطيون من نوع آخر.. ولا يخفى على أحد حقيقة العثمانيين كيف دخلوا مصر وتعاملوا مع اهلها حيث أن أحد المؤرخين وهو ابن إياس روى ظلمهم وجورهم ويؤكد ان العثمانيين قتلوا العوام وحتى ان القتلى تجاوزا 10 آلاف باليوم الواحد وان قادتهم كانوا يقولون الشيء ويفعلون غيره و يسرقون خيرات مصر وتراثها الى الاستانة وحتى وصف ابن إلياس العثمانيين بانهم "قوم همج".لكن اهل مصر لم يرضخوا لافعالهم وظلوا يقاومون للحفاظ على انفسهم واستقلاليتهم ومن عهد محمد علي باشا ومابعدها كانت مصر مستقلة وغير خاضعة ومرتبطة شكليا بالعثمانية وحتى ان ابراهيم باشا اقترب من اسطنبول وكاد أن يسيطر عليها لولا تدخل ببريطانيا وفرنسا بعد تدخل روسيا.وأيضا اهل اليمن وجبالها كان لهم كلمتهم القوية وكانوا شوكة بعيون الغزاة العثمانية ومقبرةً لهم. وأهل الحجاز والسعوديون عانوا أيضا من العثمانيين وتحريضهم الاخرين على حربهم وخلق الفتن بين أبناء الجزيرة العربية لكن الملك عبد العزيز استطاع في النهاية طرد العثمانيين وتوحيد المناطق تحت اسم المملكة العربية السعودية.وأوضح مثال كان إعدام العثمانيين في ٦ ايار عام ١٩١٦ ببيروت ودمشق العديد من المثقفين العرب من سوريا ولبنان وفلسطين. وسلم العثمانيون ليبيا للايطاليين باتفاقية اوشي لوزان عام 1912م دون اية احترام لارادة الشعب الليبي.وتفاوت فترات الحرب والسلم لشعوب المنطقة من عرب وكرد مع العثمانيين مع سعي تلك الشعوب الى الاحتفاظ باستقلاليتهم الذاتية في مناطقهم أغلب الأحيان. ومع ضعف الإمبراطورية العثمانية تم ظهور العثمانيين الجدد عام 1890 كفرع للماسونية العالمية وبعد زمن اصبحوا تحت اسم الاتحاد والترقي وكانت رغبتهم في خلق دولة قوموية نمطية ومتجانسة تعتمد على قومية واحدة هي التركية ، عندها بدأت حرب الابادة ضد الشعوب الباقية بجوارهم من السريان والارمن والروم بدًءا من عام 1914م.ولتحييد الشعب الكردي وتاخير الحرب عليه وللاستفادة منه تحت اسم الاسلام ريثما تنضج الظروف قاموا بالتشارك معه في حرب مايسمى"حرب الاستقلال1919_1922" بعد عقد مؤتمر ارزروم الذي حضره العشائر الكردية مع الضابط العثماني مصطفى كمال و الذي اقر الميثاق الملي الذي يجمع الكرد والترك بدولة للشعبين وأقر قانون الحكم الذاتي المؤرخ بيوم 10شباط. 1921 .لكن بعد انسحاب الروس من شمال غرب تركيا بعد الثورة البلشفية عام 1917م و اقامة التركياتية البيضاء العلاقات مع الانكليز والفرنسيين وبعد تحقيق مصالح الانكليز باتفاق القاهرة وانقرة عام 1921 والتي تخلى بموجبها مصطفى كمال عن ولاية الموصل والتي كانت تشمل كل اماكن تواجد الكرد في العراق الحالي. وبعد سايكس بيكو ولوزان وازالة اتفاقية سيفر ، اعلنت الجمهورية التركية بدستور جديد عام 1924 يقول كل الذين يعيشون على ارضها ترك.ويبدأ هنا التحول الى انكار التحالف الكردي والتركي التاريخي ايام الحروب بل يبدؤون بانكار وجود الشعب الكردي والبدء بمرحلة ازالته من الوجود ويصدرون قانون "اصلاح الشرق" قانون انكار وامحاء الكرد و الذي يعاقب ويغرم حتى من يتكلم بلغته الكردية، هنا تبدا مرحلة الثورات الكردية للدفاع عن وجودها وهويتها وارضها وثقافتها، يخوض المجتمع الكردي حوالي 28 ثورة من 1923 حتى1938 ويرتكب المجازر بحق الكرد وبتواطؤ النظام العالمي.وللاسف وجد الكرد وعلى ارضهم التاريخية يتعرضون للابادة الجسدية والثقافية وحتى ان شيوخ الكرد ومنهم الشيخ سعيد بيران تم اعدامه مع 47من رفاقه، وسيد رزا الذي اعدم ايضا مع رفاقه ، بالاضافة الى وضع الالاف من الكرد في كهوف وصب الاسمنت على ابوابها مثل ديرسم واكري وقتل حوالي 70 الف في ديرسم وحدها وقتلهم بالطائرات مثل مجزرة وادي زيلان التي راح ضحيتها 20 الف وتهجير ملايين الكرد من مدنهم وقراهم واسكان الترك مكانهم وتغيير اسماء الكردية للمدن فديرسم اصبحت تونجلي مثلًا . في اعوام الثمانينات خاض الكرد نضالهم للحفاظ على وجودهم ولكن دخول تركيا الى حلف الناتو قبل ذلك واعتماد تركيا كوكيل للنظام العالمي في المنطقة، جعلها تتوغل في حربها ضد المدنيين الكرد بدون اي حسيب بل حتى رضخوا لضغط تركيا وصنفوا الحركات الكردية المطالبة بحقوقها المشروعة بالعيش وفق خصوصياتها وادارة مجتمعها بالارهاب .ان تاسيس تركيا القومية الواحدة كان على اساس انكار الكرد وهذا هو مركز كل سياسات السلطات التركية و التركياتية الخضراء بحلتها الاردوغانية الاسلاموية التي زادت في رغباتها التسلطية وتوغلها في التدخل بشؤون المنطقة وما تبنيها لداعش والنصرة والاخوان الا امتداد لحربها ضد الشعب الكرد. فكما استخدم السلاطين العثمانيون الجيش الانكشاري والالوية الحميدية وحماة القرى يستخدم اردوغان نفس الاسلوب مع الاخوان والداعش.وان مايفعله إردوغان من التدخل بالمنطقة ومحاولته النيل من الدول العربية وعلى رأسهم من مصر والسعودية جناحا الأمة العربية والإسلامية وذلك عن طريق الإخوان والقاعدة ومحاولته خلق العراقيل والتشهير بالدولتين في المحافل الدولية هو امتداد للسياسة العثمانية القديمة بحلة جديدة .يعلم اردوغان وحاشيته ان صعود نجم الكرد وعلاقتهم مع شعوب المنطقة وخاصة العربية والعالم يجعله غير قادر على تطبيق سياسات توسع العثمانية الجديدة وعليه هاجم اردوغان الكرد بتركيا وشمالي العراق وشمالي سوريا لكسر الحلقة العائقة لمخططاته ومن يريد ايقاف التدخلات الاردوغانية الاخوانية والايرانية في المنطقة عليه الوقوف مع الحلقة الاساسية لهزيمتهم وهو مقاومة و نضال الشعب الكردي في تركيا وسوريا وايران.

مشاركة :