«شجرة الحياة» - قصيدة بالأخضر «أمزجة الأرض- النهر-الليل الطويل- هندسة الروح- دائرة الأيام السبعةـ» إنها ليست اسماء لقصائد شعرية بل منحوتات حجرية تمكنت منى السعودي من لمسها وتشكيلها تحت وضح النهار.. وبين مطرقة الروح ورنين الازميل عزفاً يولد من الحجارة لينظم نشيدها الخاص في عالم المنحوتات. منى السعودي النحاتة والشاعرة الأردنية التي استلهمت هويتها من الأثار الرومانية التي تشكل جزء كبيراً من ملامح وطنها لتكون أشهر نحاتي العالم العربي، ولدت في عمان عام 1945 وتعيش حالياً في بيروت. التقطت هوية شغفها من خلال الطرق الترابية التي اصطفتها عن الطرق المعبدة لتصل إلى مدرستها، ابنة العاشرة التي تتعربد على تلال عمان اللولبية لتقيم علاقتها بين سفوح الجبال وحقول القمح وبقايا المقالع القديمة. هذا السير الذي قربها من الطبيعة والأرض والحجر خاصة ليولد لها حلمها الذي امتلأت به فصار يقينا يجعلها تبرأ مما سواه، متحديه به تقاليد اسرتها المحافظة لتنتقل إلى بيروت تاركه خطتها الجديدة لوالديها على لسان أختها. وما أن وصلت إلى بيروت حتى اقامت أول معرض خاص برسوماتها عام ١٩٦٣ في «مقهى الصحافة» الذي كان بمثابة منتدى ثقافي بمبنى «صحيفة النهار» اللبنانية. ثم إلى باريس «عاصمة الحلم» التي قصدتها عام ١٩٦٤ لتبدأ فور وصولها إليها بالدراسة في المدرسة العليا للفنون الجميلة بعد أن ودعت الوطن العربي ووالديها من خلال رسالة كتبتها مبينه بها فلسفتها الخاصة لأبيها الذي اقتنع بفحواها لكنه طلب عودتها لإيصالها إلى المطار بنفسه إلا أن السعودي ابنة السابعة عشر كبرت كثيرا من خلال خطوتها الأولى واعتادت على شق طرقها بنفسها مهما بلغت الوعورة، هذا ما صقلتها بها طبيعة بلادها الأردنية. تصف السعودي خطوتها قائله: «كان السير بالطبيعة مسافة للحلم والتأمل. بدأت أتأمل جسد الأرض، استداراتها، تداخل الوديان والجبال، أشكال الغيم، فجوات الصخور... هذا كله ساهم في تفتّح الوعي المبكر لدي. ثم بدأت أبحث عن منابع الإبداع الإنساني عبر كتب الفن والشعر. كما بدأت أدخل هذا العالم النابض، مع بداية محاولاتي في الرسم وكتابة الشعر. وبدأ الحلم بالسفر الى العالم الكبير، من أجل أن أحيا وأتعلم وأعرف. وكانت باريس مدينة هذا الحلم، وكان لا بد لي أن أكسر تقاليد العائلة وأمضي في طريق الحلم...» أكملت دراستها في باريس واختارت الحجر من بين مواد النحت لتنجز منحوتتها الحجرية الأولى متفردةً بأسلوبها التجريدي الخاص الذي عكس فلسفتها حيال العالم المحيط بها، والذي طورته على مدى ٥٠ عاماً من الإبداع. ثم إيطاليا «موطن الرخام» حيث التقت بالفنان الهندي كرشينا ردى، واكتسبت اسرار استعمال الإزميل والمطرقة الهوائية لتبدأ رحلة الاستكشاف بتحويل الحجر إلى منحوتات حتى اكتملت التجربة ونضجت وجاءت إلينا بتعهدها المشهور بشأن المنتج الجمالي قائله: «وسأنحت لكم حبيبين، دائما اثنين: الذكر والانثى، الأم الأرض، والابن – الجسد وشكل يعانق شكلا، حوار – صمت.. وما يوجد في الحلم يوجد على الأرض والانسان نبات حلمه» تعد القصائد مصدر الهام لمنى السعودي الأول وربما الوحيد وفق ما تجسده إلينا بهيئة منحوتاتها وتؤكد ذلك بقولها «كل عملي الفني يأتي من ذاكرة شعرية» من خلال عدة أعمال فنية مستلهمه من وحي القصائد تقدم السعودي تحيتها لأصدقائها الشعراء، كـ تجسيدها لـ«مفرد بصيغة الجمع» لادونيس وقصيدة «الأرض» و«نشيد إلى الأخضر» لمحمود درويش وكذلك الشاعر العربي الجاهلي «امرؤ القيس» والفرنسي سان جون بيرس. تتميز أعمال السعودي بكونها محاكاة للطبيعة والحياة والشعر وإبراز لعلاقة الإنسان بالكون، أقامت لها معارض كثيرة متنوعة ما بين النحت والرسم بأرجاء العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا. ومن أعمالها النحتية «قمر مكتمل» من حجر الترافيرتين، وكذلك «أمزجة الأرض» و«شروق الشمس» و«كسوف القمر»، و«المتشرّد»، و«صبار»، من حجر اليشم الأردني الأخضر، و«ماء الحياة» من العقيق اليماني و«المرأة النهر» من الغرانيب الأخضر الزمردي، ومنحوتة «هندسة الروح» التي تقف أمام معهد العالم العربي في باريس. وقد انصبت في كثير من متاحف ومعاهد عالمية ابرزها: المتحف الوطني للفنون الجميلة بالأردن، والمتحف البريطاني، ومعهد الفن في شيكاغو ومعهد الفن في ديترويت. بالإضافة إلى مؤلفاتها الشعرية «رؤيا في لولي» و«محيط الحلم» وكتاب «أربعون سنة من النحت» في ٢٠٠٧. ولأن «الفن عدوى) جاءت ابنتها ضياء البطل لتلمس برسوماتها ما خفي من مشاهد الجمال وتشارك والدتها في ٢٤نوفمبر بإصدار كتاب يضم اعمالهما المستوحاة من شعر الراحل محمود درويش في غاليري دبي xva ضمن المعرض الذي تقيمه مؤسسة الشارقة للفنون، يسبقه بيومين افتتاح المعرض الخاص برسوماتها والمستمر حتى يناير ٢٠٢٠. وقالت الفنانة منى السعودي في تصريح خصت به اليمامة: «إنّ أعمالي الفنية بمجملها من نحت ورسوم، تنبع من ذاكرة شعرية، ومن إحساسي العميق أننا جميعاً ننتمي إلى الأرض/ الأم، هذه الحقائق شكّلت حياتي وأعمالي خلال أكثر من 55 عاماً من العمل.. أما بالنسبة لهذا المعرض الحالي، في غاليري XVA في دبي، فقد اخترت أن يحتوي فقط على رسوم، لا منحوتات، لكن النحت حاضر في رسومي دائماً، بدون أن تكون الرسوم مشاريع لأعمال نحتية. يحتوي المعرض على رسوم يعود تاريخها ما بين 1970 -1999، حيث قررت في ذلك العام أن أتوقف عن الرسم والتكوين وأتفرّغ فقط للنحت الذي يتطلب طاقة جسدية بالإضافة إلى الطاقة الروحية والتأملية.. لكنني بدأت مؤخراً بإعداد كتاب لرسومي، وهكذا بدأت أعمالي تخرج من الملفات القديمة.. يحتوي المعرض الحالي على 60 عملاً بأحجام مختلفة، من حبر صيني ومطبوعات بأساليب مختلفة، والأعمال إما مستوحاه بشكل مباشر من شعراء، مثل أدونيس، محمود درويش، سان جون بيرس، إيتالو كالفينو ومدنه اللآمرئية.. وأعمال أخرى تعبّر عن البعد الشاعري والذي يمجّد الحياة والأمّ/ الأرض».
مشاركة :