بين أشجار الصنوبر والسنديان والحمضيات في منطقة مرج بسري، يشق مئات المواطنين طريقهم وهم يهتفون بصوت واحد ضد مشروع إقامة سد على أراض زراعية غنية، مدعومين من حراك شعبي عارم يجتاح لبنان منذ أكثر من شهر احتجاجا على الطبقة السياسية الحاكمة. ونفخ الحراك الشعبي الذي يعم جميع المناطق اللبنانية منذ 17 نوفمبر، روحا جديدة في كثير من الحملات الوطنية الحقوقية والاجتماعية والبيئية في البلاد، وبينها الحملة ضد مشروع يموله البنك الدولي لبناء سد هدفه توفير مياه الشفة لبيروت في منطقة مرج بسري جنوب شرق العاصمة. ومنذ التاسع من نوفمبر، باشر ناشطون بيئيون وأهالي المنطقة سلسلة تحركات ضد المشروع الذي يعود عمره لسنوات، رافعين احتجاجات اقتصادية وبيئية عليه، وجرى هذا العام إغلاق المنطقة أمام المواطنين قبل أن تبدأ عمليات قطع الأشجار، وفق ناشطين. خيم المعتصمين وبعد سلسلة اعتصامات وتظاهرات فتحت القوى الأمنية المدخل إلى المنطقة المزمع بناء السد فيها، حيث تم نصب خيمتين للمعتصمين. وتزامنا مع حلول عيد الاستقلال، عمت تظاهرات كافة المناطق اللبنانية، نظم الناشطون مسيرة ضخمة في مرج بسري، سار خلالها مئات المواطنين نحو 20 كلم في أراض مزروعة بالفاصوليا وأشجار الحمضيات والزيتون والرمان والصنوبر. وعلى وقع موسيقى أغنية "بيلا تشاو" الإيطالية الشهيرة، علت أصوات المشاركين باللغة العامية "بدنا الطبيعة، ما بدنا نبيعها، بدنا سهول، بدنا أحراش، بدنا حقول، ما بدنا سد بمرج بسري، بدنا محمية طبيعية". وعلى هامش مشاركته في المسيرة، يقول رولاند نصور، المنسق العام لـ"الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري"، لوكالة فرانس برس "نعد حملتنا جزءا أساسيا لا يتجزأ من الثورة في لبنان"، مشيرا إلى أنه نتيجة تحركاتهم خلال الأسابيع الماضية "بات المرج مفتوحا أمام اللبنانيين للمرة الأولى منذ أشهر، وهذا إنجاز للثورة". وعلى وقع الأناشيد الوطنية من حوله، يهتف المشاركون في المسيرة بشعارات علت خلال شهر في كافة المناطق اللبنانية مثل "كلهم يعني كلهم" في إشارة إلى أن التحرك يستهدف جميع المسؤولين دون استثناء، و"نحن ندفع ضرائب وهم جيوبهم مليئة". لم يبق سوى الشجر ويقول نصور "لا يمكن أن نفصل أبدا الهم البيئي عن هموم الثورة بالإجمال". ونصور (27 عاما) واحد من تسعة ناشطين جرى استدعاؤهم للحضور يوم الاثنين المقبل أمام القوى الأمنية للتحقيق معهم بعد شكوى تقدمت بها شركة مسؤولة عن تنفيذ المشروع. وفي طريقهم، يفاجأ المتظاهرون بشجرتين مقطوعتين ثم بمشغل لصناعة الاسمنت. وفي مكان قريب، أربع جرافات متوقفة جانبا. وجرى قبل أسابيع قطع مجموعة من أشجار الصنوبر والسنديان وغيرها، وفق ناشطين يقولون إنهم سجلوا انتصارا قبل أيام بمغادرة آليات عدة المكان. وعلى غرار مئات الآلاف الذين يتظاهرون في لبنان، يتهم بسام زين الدين من حملة "أنقذوا مرج بسري" المسؤولين بالسرقة والفساد. اتركوا المرج لكن إشكالية تلقي بظلها على المشروع، وهي الآثار الموجودة في مرج بسري، إذ يتطلب بناء السد تدمير كنيسة مار موسى الأثرية، على أن يعاد بناؤها في منطقة أخرى. وفي أحد وديان بسري، ترتفع فوق الأرض أعمدة أثرية يعتقد أنها "رومانية"، فيما من الممكن رؤية عمود آخر سقط في مجرى نهر الأولي إلى جانبها. انضم لوسيان (30 عاما) إلى مسيرة مرج بسري أمس الأول، ويقول الشاب الملتحي "نمشي في مرج بسري اليوم لنقول لا لمشروع يفسد البيئة، ولنقول في يوم الاستقلال "اتركوا مرج بسري مستقلا". ويضيف "نحن بحاجة إلى خطط واضحة ليكون لدينا محميات أكثر" لكن بشرط أن تتمكن السلطات من حمايتها، وقبل أيام قليلة من بدء الحراك الشعبي في لبنان، والذي بات يطلق عليه "ثورة 17 تشرين"، التهمت الحرائق مساحات حرجية شاسعة، وحاصرت مدنيين في منازلهم.
مشاركة :