تراثيات.. أبو حيان التوحيدي يقلل من أهمية رسائل إخوان الصفا

  • 11/25/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ذكر الفيلسوف والأديب أبو حيان التوحيدى في كتابه "الإمتاع والمؤانسة" أن الوزير أبا عبدالله العارض وزير ابن عضد الدولة البويهي، طلب في الليلة السابعة عشرة التي سامره ونادمه فيها، أن يحدثه عن زيد بن رفاعة، أحد المتكلمين والفلاسفة، فسرد له جوابًا طويلا عنه وعن رفاقه "إخوان الصفا وخلان الوفا"، فسأله الوزير مجددا عن رسائلهم التي وضعوها في الحكمة والفلسفة.وقد دارت شكوك حول انتماء أبي حيان التوحيدي لجماعة إخوان الصفا وخلان الوفا، تلك الجماعة الفلسفية التي أحدثت حركة قوية في علم الكلام والفلسفة، والمتأمل لكلام التوحيدي عن رسائله يدرك انتقاده لهم لكن ذلك لا ينفي عنه الشكوك التي تدور حوله. قال الوزير لأبي حيان: هل رأيت هذه الرسائل "يقصد رسائل إخوان الصفا"؟ قال التوحيدي: قد رأيت جملةً منها، وهي مبثوثةٌ من كل فنٍّ نُتَفًا بلا إشباعٍ ولا كفاية، وفيها خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات، وقد غرَق الصوابُ فيها لغلبة الخطأ عليها. وحملتُ عدةً منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقي السِّجِستاني "محمد بن بهرام"، وعرضتُها عليه ونظر فيها أيامًا واختبرها طويلًا، ثم ردها عليَّ وقال: تعبوا وما أغنَوا، ونَصِبوا وما أَجْدَوا، وحامُوا وما وَرَدوا، وغَنَّوا وما أَطْربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومَشَطوا ففَلفلوا، ظنوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يُستطاع، ظنوا أنهم يمكنهم أن يدسُّوا الفلسفة التي هي علم النجوم والأفلاك والِمجَسْطِيِّ والمقادير وآثار الطبيعة، والموسيقى التي هي معرفة النَّغَم والإيقاعات والنَّقَرات والأوزان، والمنطق الذي هو اعتبار الأقوال بالإضافات والكميات والكيفيات؛ في الشريعة، وأن يَضمُّوا الشريعة للفلسفة.وهذا مرامٌ دونه حَدَد. وقد توفر على هذا قبل هؤلاء قوم كانوا أحدَّ أنيابًا، وأحضر أسبابًا، وأعظم أقدارًا، وأرفع أخطارًا، وأوسع قوًى، وأوثق عُرًى، فلم يتم لهم ما أرادوه، ولا بلغوا منه ما أمَّلوه. وحصلوا على لُوثاتٍ قبيحة، ولَطَخاتٍ فاضحة، وألقابٍ موحشة، وعواقب مخزية، وأوزارٍ مُثقِلة.فقال له البخاري أبو العباس: ولمَ ذلك أيها الشيخ؟قال: إن الشريعة مأخوذةٌ عن الله - عز وجل- بوساطة السفير بينه وبين الخلق من طريق الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات، على ما يوجبه العقل تارةً، ويجوِّزه تارةً، لمصالح عامةٍ متقنة، ومراشد تامةٍ مبيَّنة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولا بدَّ من التسليم للداعي إليه، والمنبِّه عليه. وهناك يسقط "لم" ويبطل "كيف" ويزول "هلا" ويذهب "لو" و"ليت" في الرِّيح، لأن هذه المواد عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودةٌ، وارتياب المرتابين فيها ضارٌّ، وسكونَ الساكنين إليها نافع. وجملتُها مشتملةٌ على الخير، وتفصيلُها موصولٌ بها على حُسن التقبُّل، وهي متداوَلة بين متعلِّق بظاهرٍ مكشوف، ومُحْتَجٍّ بتأويلٍ معروفٍ، وناصرٍ باللغة الشائعة، وحامٍ بالجدل المبين، وذابٍّ بالعمل الصالح، وضاربٍ للمثل السائر، وراجعٍ إلى البرهان الواضح، ومتفقِّهٍ في الحلال والحرام، ومستنِدٍ إلى الأثر والخبر المشهورَين بين أهل الملة، وراجع إلى اتفاق الأمة. وأساسُها على الورع والتقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزُّلْفَى. ليس فيها حديث المُنجِّم في تأثيرات الكواكب، وحركات الأفلاك، ومقادير الأجرام، ومطالع الطوالع، ومغارب الغوارب. ولا حديثُ تشاؤمِها وتيامنِها، وهبوطِها وصعودها، ونحسها وسعدها، وظهورها واسْتِسْرارها، ورجوعها واستقامتها، وتربيعها وتثليثها، وتسديسها ومقارنتها. ولا حديثُ صاحب الطبيعة الناظر في آثارها، وأشكال الأسُْطُقُسَّات بثبوتها وافتراقها، وتصريفها في الأقاليم والمعادن والأبدان، وما يتعلق بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وما الفاعل وما المنفعل منها، وكيف تمازُجها وتزاوُجُها، وكيف تنافُرُها وتَسايُرُها، وإلى أين تسري قُواها، وعلى أي شيء يقف منتهاها. ولا فيها حديثُ المهندس الباحث عن مقادير الأشياء ونُقَطِها وخطوطها وسطوحها وأجسامها وأضلاعها وزواياها ومقاطعها، وما الكرة، وما الدائرة، وما المستقيم، وما المنحنى. ولا فيها حديثُ المنطقي الباحث عن مراتب الأقوال، ومَناسِب الأسماء والحروف والأفعال، وكيف ارتباط بعضها ببعض على موضوع رجل من يونان حتى يَصحَّ بزعمه الصدق، ويُنبذ الكذب.وصاحبُ المنطق يرى أن الطبيب والمنجِّم والمهندس وكل من فاهَ بلفظٍ وأمَّ غرضًا؛ فقراء إليه، محتاجون إلى ما في يديه.

مشاركة :