معرض أبو ظبي للكتاب فسحة للأدب العالمي

  • 5/16/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قد تنطبق الصفة العالمية على معرض أبو ظبي للكتاب أكثر مما تنطبق على سواه من المعارض العربية التي تصر على حمل هذه الصفة. هذه السنة وفي الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه رسخ معرض أبو ظبي الصفة العالمية ليس فقط عبر استضافته دوراً عالمية ومراكز ثقافية من أوروبا والأميركتين الشمالية والجنوبية وآسيا، بل في احتفائه بالأدب الآيسلندي من خلال استضافته اثني عشر كاتباً وكاتبة من حقول شتى كالرواية والشعر والنقد وأدب الأطفال. وقد تمكنت هذه التظاهرة من تقديم صورة بانورامية عن هذا الأدب شبه المجهول عربياً مثله مثل الآداب الاسكندينافية عموماً. وعطفاً على هذه التظاهرة استضاف المعرض كتّاباً ومفكرين من اليابان والولايات المتحدة والهند والصين وروسيا وإسبانيا والمكسيك واسكتلندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا وتركيا ناهيك عن الدول العربية التي لا يحصى عدد كتابها المدعوين إلى المعرض. أما اللافت فهو اتخاذ مشروع «كلمة» الهادف إلى «إحياء حركة الترجمة في العالم العربي» من معرض كتاب أبو ظبي منطلقاً له ولأعماله ولترسيخ علاقته بدور النشر الأجنبية ثم العربية التي يسعى إلى دعمها في حقل الترجمة. وأضحى «كلمة» من أهم المراكز العربية التي تعنى بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وقد أرسى القواعد العالمية للترجمة ورسخ معاييرها العلمية. وعطفاً على نقله الكتب والموسوعات إلى العربية إحياء لحركة الترجمة، عمد إلى إقامة ورش يشارك فيها مترجمون من أجيال شتى ولغات أو ثقافات متعددة في سياق مبادرته «تمكين المترجمين» ولكن بعيداً من أي ادعاء أو اصطناع. وهذه الورش تستمر بعد انتهاء المعرض وتواصل تبادل الخبرات والمعارف من خلال مشروع «كلمة». وقد يسأل زائر المعرض الذي قرر متابعة الندوات واللقاءات الأدبية والشعرية والفكرية التي حفل بها المعرض وبلغت الرقم ستمئة (600) كيف عليه أن يلم بها وكيف كان لها أن تلتئم خلال سبعة أيام (وليال) التي هي فترة المعرض؟ أما السؤال الآخر فهو: كيف تمكن المعرض من دعوة كل هؤلاء الضيوف الذين جعلوا من فسحة المعرض «برج بابل» حقيقياً، ولكن عوض أن تختلط فيه اللغات وتتصادم، تآلفت وانصهرت لتصنع مشهداً ثقافياً رهيباً بتعدده وضخامته. ولئن لم تمتلئ معظم قاعات الندوات والخيم بجمهور من المستمعين فهي لم تخل البتة من جمهور مهتم ومتابع يطرح الأسئلة ويشارك في الحوار. وهذه ظاهرة لافتة. فالجمهور مهما تضاءل يجد ضالته في المعرض والقضايا التي يبحث عنها. لقد أصبح معرض أبو ظبي حيزاً عربياً فريداً للقاءات الأدبية والثقافية، العالمية والعربية، علاوة على انفتاحه أمام ثقافة النشر الحديث وإتاحته الفرصة للناشرين العرب للتعرف إلى خبرات النشر العالمي العصري والالكتروني. أتاح مهرجان أبو ظبي هذا العام فرصة مهمة أمام جمهوره للتعرف إلى الأدب الآيسلندي العريق في معظم تجلياته الحديثة لا سيما الروائية والشعرية، واستضاف المعرض نخبة من المؤلفين والناشرين الآيسلنديين ومنهم غاوتي هيرمانسون، أستاذ دراسات الترجمة في جامعة آيسلندا؛ إضافة إلى اثنين من أبرز الشخصيات الروائية وهما كالمان ستيفانسون، وراغنار جونسون، مؤلف سلسلة روايات الجريمة «آيسلندا المظلمة» التي حققت أعلى نسبة مبيعات في آيسلندا. وتضمن المعرض جناحاً خاصاً بجمهورية آيسلندا يسلط الضوء على باقة متنوعة من الكتب والمطبوعات لأبرز المؤلفين في البلاد في مجالات الشعر، والمسرح، والرواية، وأدب الجـريمة، وكتب الأطفال، والكتب المصورة . وقدم المعرض سلسلة من المحاضرات والحوارات التي تناولت مجموعة متنوعة من المواضيع، ومنها محاضرة بعنوان «العرب والفايكينغ في العصور الوسطى» ألقاها ثورير هراوندال جونسون، الأستاذ المتخصص بدراسات القرون الوسطى. وأقام المعرض جلسة نقاش مع كاتبة الروايات البوليسية الآيسلندية الشهيرة يرسا سيغورداردوتير، وهي انضمت إلى جونسون في جلسة حوار مشتركة بعنوان «دماء على الجليد» لاستكشاف أساليب كتابة روايات الجريمة في بلد يخلو من الجرائم. وتم أيضاً تسليط الضوء على الشعر الآيسلندي بمشاركة الشاعر المعروف أدلستين أسبرج سيغوردسون والشاعر والمترجم الآيسلندي من أصل فلسطيني مازن معروف. وعقدت جلسة حوار خاصة بعنوان «التعرف إلى هالتور لاكسنس»، وهو أول أديب آيسلندي يفوز بجائزة نوبل لسنة 1955، وحاز جائزة أفضل كتاب عن روايته المتميزة «النسّاج العظيم من كشمير»، وأعماله تتمحور بمعظمها حول بلده الأم آيسلندا. وأقيمت في المعرض جلسة حوارية بعنوان «الملاحم الآيسلندية» بمشاركة غاوتي هيرمانسون والكاتب جودموندور أندري ثورسون، وتناولت النماذج الأولى لأدب الملاحم الاسكندنافية. وأقيم لقاء مع الروائي الشهير كالمان ستيفانسون والذي أبدع عوالم خيالية ساحرة وقد وقع روايته «جحيم وسماء» في ترجمتها العربية الصادرة حديثاً عن دار المنى. مؤتمر الترجمة مؤتمر أبو ظبي الرابع للترجمة الذي ينظمه مشروع «كلمة» حمل هذه السنة شعار «الترجمة الروائية: الصعوبات والتحديات» وشارك فيه عدد كبير من المختصين والخبراء من مختلف أنحاء العالم ودام أربعة أيام. وسلط المشاركون في المؤتمر الضوء على واقع حركة الترجمة الروائية من اللغة العربية وإليها، والصعوبات والتحديات التي تواجهه، واقترحوا حلولاً للمعوقات التي تواجه مترجمي الرواية للنهوض بحركة ترجمتها. وناقش المتخصصون في ورشات عمل تدريبية متعددة نصوصاً باللغة الإنكليزية والإسبانية واليابانية، بهدف استخلاص – وغرس- مهارات فنية معينة تتعلق بنقل النص إلى اللغة المستهدفة، وتولى قيادة ورش العمل مجموعة من المديرين، وهم أكاديميون ومتخصصون ومحترفون في مجال الترجمة. وعُقدت خلال المؤتمر أربع ورش عمل تدريبية متوازية حول الترجمة الروائية من اللغات الإنكليزية والإسبانية واليابانية إلى اللغة العربية، ومن الإنكليزية إلى العربية، وأشرف على ورشة الترجمة من اليابانية المؤمن عبدالله أستاذ اللغة اليابانية وعلومها في جامعة طوكاي في اليابان، وورشة الترجمة من الإسبانية أشرفت عليها زينب بنياية الحاصلة على الدكتوراه من جامعة غرناطة -إسبانيا، وأشرف الأكاديمي محمد عصفور على ورشة الترجمة من الإنكليزية إلى العربية وأشرف صديق جوهر رئيس قسم الأدب الإنكليزي- جامعة الإمارات على ورشة الترجمة من العربية إلى الإنكليزية. وشاركت في الورش مجموعة من الطلاب المتدربين من الجامعات العربية والأجنبية وعملوا خلالها على ترجمة نصوص متخصصة من الإنكليزية واليابانية والإسبانية، إضافة إلى جلسات عامة ناقشت قضايا نظرية تتعلق بالترجمة وإشكالاتها مع التركيز على النصوص الروائية باعتبارها فناً أدبياً خصباً يتسع لطرح قضايا متباينة. ترجمة 100 كتاب وأعلن مشروع «كلمة» عن انتهائه من التكليف بترجمة مئة كتاب من لغات متنوعة، تتضمن 20 كتاباً من الكلاسيكيات التي سقطت عنها حقوق الملكية الفكرية، و80 كتاباً من الإصدارات الحديثة التي لا تزال حقوقها سارية. وفي هذا الصدد قال جمعة القبيسي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب في هيئة أبو ظبي للثقافة: «تقوم الخطة العامة لمشروع «كلمة» على ترجمة مئة كتاب في العام، ولكن بفضل الخطط المدروسة والخطوات الدقيقة والعلاقات الناجحة مع دور النشر العالمية والمعاهد والجامعات الأجنبية، نجح المشروع في تجاوز المئة كتاب في بضع سنوات. وفي ظل الإنجازات المتتالية لمشروع «كلمة» والخطط المنهجية للمشروع، من المتوقع أن يرتفع عدد إصداراته خلال الأعوام القليلة المقبلة إلى أكثر من 1000 كتاب». وأوضح علي بن تميم، مدير إدارة البرامج في المكتبة الوطنية في الهيئة: «إن التكليف بترجمة مئة كتاب يتضمن القيام بعمليات متتالية، تبدأ أولاً بوضع قائمة بالعناوين المرشحة للترجمة، وهناك عدة قنوات يعتمدها المشروع لاختيار الكتب، نذكر منها قوائم الكتب العالمية والكتب التي نالت جوائز عالمية، ومقترحات المترجمين والناشرين الأجانب. ومن ثم يتم عرض العناوين المختارة على لجنة التحكيم لتجنب العناوين التي سبقت ترجمتها واختيار العناوين التي تغطي مجالات النقص في المكتبة العربية وتتفق مع احتياجات القارئ العربي». وأكد بن تميم: «تقديراً منه والتزاماً باحترام حقوق الملكية الفكرية للكتاب، لا يقدم مشروع «كلمة» على ترجمة أي كتاب من الإصدارات الحديثة إلا بعد الحصول على موافقة الناشر بموجب عقد حقوق يتضمن الموافقة على منح مشروع «كلمة» حقوق الترجمة العربية للكتاب، علماً أن الحصول على حقوق الكتاب الواحد يتطلب مراسلات قد تمتد بضعة شهور». «مطبخ زرياب» لفاروق مردم بك ونظم مشروع «كلمة» لقاءً مع المؤرّخ والناشر (دار سندباد- اكت سود) السوريّ المقيم في فرنسا فاروق مردم بك، حول الترجمة العربيّة لكتابه «مطبخ زرياب» وأدار الحوار الشاعر والأكاديميّ العراقي كاظم جهاد. و «مطبخ زرياب» ترجمه عن الفرنسيّة الكاتب اللبناني جان جبّور، وكان حظي الكتاب فور صدوره بشهرة في فرنسا وتُرجم إلى لغات أوروبيّة. واختار المؤلّف لكتابه العنوان المذكور تيمّناً بزرياب، «الطائر الأسود» الذي غادر العراق موطنه عام 820 ليستقرّ في قرطبة، والذي يوحي اسمه على الفور بالكياسة والأناقة، وكذلك بالتجدّد الدائم. يُنسب إلى هذا الموسيقيّ العبقريّ تأسيس المدرسة الأندلسية وإضافة الوتر الخامس إلى العود. إلّا أنّ هذا الشاعر الذي كان يحفظ عن ظهر قلبٍ كلمات عشرة آلاف أغنية وألحانها، اهتمّ أيضا بالجغرافيا وعلم الفلك. وربّما هي المرّة الأولى التي يتطرّق فيها كاتبٌ إلى ثقافة الطعام العربية بمجملها، في المشرق والمغرب على السواء، من خلال مراجع علميّة، وشواهد أدبيّة، ونوادر تاريخية، وانطباعات سفر ووصفات مطبخيّة، تساهم كلّها في تسليط الضوء على التلاقح الثقافيّ الذي كان الإسلام مُسوّغه الأبرز في حوض البحر المتوسّط طَوال عشرة قرون على الأقلّ.

مشاركة :