احتجاجات العراق ولبنان واحتمالية نهاية النفوذ الإيراني.. وجهة نظر غربية

  • 11/29/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بدت الاحتجاجات العراقية واللبنانية المندلعة في الأسابيع الأخيرة متوهجة في عنفوانها ومتسعة في حواضرها؛ حيث جاءت كنتيجة لتدهور المناخ الاقتصادي والنسيج الاجتماعي في البلدين، ومع هذه المعطيات السياسية والحراكية الجديدة في كلا البلدين تحول غضب المتظاهرين من النفس الثوري المتعاظم إلى محاولات لفرض السيطرة وتنفيذ مطالب الشعب السياسية والأساسية، وتلقي الدكتورة «بسمة المومني»- أستاذة العلوم السياسية في جامعة واترلو- الضوء على هذا الأمر، مشيرة إلى أن: «المحتجين في لبنان والعراق يريدون إصلاحا شاملا للنظام السياسي؛ الذي يستخدم الطائفية، ويعتمد على المحسوبية، والتي أدت إلى تشجيع النزاع السياسي، مما أدَّى إلى سياسات مذبذبة». والواضح أن هذه الثورات المستشرية توجه جم غضبها ضد اللاعب الأساسي المتغلغل في كلتا الدولتين وهو إيران؛ حيث يعتبرها المحتجون سببا في هذه المظالم الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية، والدافع لثورتهم العارمة، نظرًا إلى أنها بسطت نفوذها على السياسة والاقتصاد في المجتمع العراقي واللبناني، من خلال سياسة استقطاب السياسيين والأحزاب والمليشيات، خدمة لمصالحها الآيديولوجية والاستراتيجية، وبخاصة في ظل الدعم اللا محدود لحزب الله في لبنان ووحدات الحشد الشعبي في العراق. والآن ولأول مرة يتحدى النفوذ الإيراني، وتُرفض السيطرة الإيرانية، من خلال الاحتجاج الشعبي، وتشير «رشا العقيدي» – من معهد أبحاث السياسة الخارجية في مقابلة لها مع مركز كارنيجي للشرق الأوسط- إلى حيثيات هذا الانفجار الجماهيري المتوقد، قائلة بأن الاحتجاجات: «لم تبدأ في البداية ضد النفوذ الإيراني ولكن تعبيرات الغضب الجريئة ضد طهران أصبحت سمة أساسية للانتفاضات»، وتراءت هذه الانتفاضات في اقتحام المحتجين للسفارة الإيرانية امتعاضا وغضبا في مدينة كربلاء، وظهر جانب منها في مدينة النجف العراقية؛ حيث قام المتظاهرون بتغيير اسم طريق الإمام الخميني إلى «شهداء ثورة أكتوبر»، تكريما للذين قُتلوا أثناء المظاهرات الأخيرة على يد الميلشيات الإيرانية، كما أحرق المتظاهرون ملصقات المرشد الأعلى - آية الله الخميني- في جميع أنحاء البلاد، وفي لبنان وجهت الاتهامات لـ «حزب الله» وأمينه العام - حسن نصر الله - باعتباره عميلا لإيران، من خلال الشعارات والهتافات. لقد حاولت إيران بشتى الطرق منع تطور هذه الاحتجاجات، لمنع سقوط الحكومة الموالية لها في العراق أو في لبنان، خوفا على فقدان نفوذها وتغلغلها، والذي عملت على غرسه- منذ عقود- في هذين النظامين؛ حيث تعتبرهما وكلاءها الرئيسيين في المنطقة، واللذين تعتمد عليهما في منع تطويقها من قبل القوى المعادية لها، فضلا عن ذلك، فإنها تخشى فقدان مشروعها الكبير (الهلال الشيعي)؛ والذي استثمرت مليارات الدولارات في بنائه على مدار العقود الماضية، والذي يوفر لها موقعًا لتهديد خصومها في المنطقة؛ علاوة على خشيتها من انتقال أثر هذه الاحتجاجات إلى الداخل الإيراني، مما يهدد نظامها السياسي نفسه، ويوضح ذلك «ريناد منصور» – من المعهد الملكي للشؤون الدولية - بقوله أنه: «من الواضح جدا أن إيران تريد حماية النظام، وعدم السماح له بالانهيار في كل من لبنان والعراق»، لاعتبارها مطالب المتظاهرين مُزعزعة للاستقرار. وفي ضوء ما سبق انبرى المحللون لبحث مدى إمكانية انتهاء النفوذ الإيراني بفعل هذه الاحتجاجات؛ حيث يرى البعض أن الانتفاضات الدائرة حاليا ستطيح بإيران من لبنان والعراق، تماشيا مع مطالب المتظاهرين؛ بينما بدا البعض الآخر أكثر متشائما إزاء هذا التصور ورافضا له، بحجة أن إيران ستلجأ عاجلا إلى العنف، على غرار ما شوهد في الحرب الأهلية السورية، بدلا من السماح بتقليل نفوذها في هذه البلدان. أصحاب الاتجاه الأول يرون أن الواقع يشير إلى أن هناك مجالا لنجاح المتظاهرين في تأمين مطالبهم بتقرير المصير والسيادة دون عوائق من إيران، وأن الإطاحة بها وإنهاء نفوذها متوقف كليا على قدرة المحتجين على الإطاحة بالحكومات الحالية وتشكيل حكومات جديدة، لا يكون للسياسيين فيها سوى علاقات ضعيفة أو منعدمة مع طهران، وفي سياق دعم هذا الاتجاه تشير المحللة الإقليمية «فرناز فصيحي» - في صحيفة نيويورك تايمز- إلى تبعات ذلك على إيران قائلة: «إذا نجح المحتجون اللبنانيون والعراقيون في الإطاحة بحكومتهم وإضعاف الأحزاب السياسية الراسخة ذات العلاقات العميقة مع القادة الإيرانيين، فإن إيران ستخسر عقودا من الاستثمارات المالية والسياسية والعسكرية التي حولتها إلى واحدة من أكبر القوى في الشرق الأوسط». ويؤكد هذا الفريق وجهة نظره بالاعتماد على أن العنف غير المباشر الإيراني- عبر وكلاء إيران في البلدين- سوف يؤدي إلى اشتعال جذوة المحتجين وشرارة الاحتجاج، وليس في الأفق ما يشير إلى تراجعهم مع أعمال العنف والقمع التي تُشن ضدهم، مما يحفزهم على عدم الخضوع، ومواصلة إسقاط النظم السياسية في كلا البلدين، وهو ما يؤكد عليه المحلل العراقي أزهر الربيعي- في تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- إذ يقول: «إن استخدام... التدابير الوحشية على رأس المضايقات الإعلامية، قد أكد للكثيرين أن الحكومة تواصل التصرف بطريقة الدولة البوليسية، وتدعم السياسات التي تفيد طموحات الأطراف المرتبطة بالنظام الإيراني، مما يحفزهم على الاستمرار في التظاهر حتى يتم تحقيق مطالبهم». وأنصار هذا الفريق يرون أن التدخل العسكري المباشر من إيران في هذين البلدين، سوف يؤدي لانتفاضة المجتمع الدولي من أجل درء العدوان الإيراني، ليس هذا فحسب، بل إن مؤيدي الاتفاق النووي من الدول الأوروبية سوف يقفون مع الولايات المتحدة في انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، مما يثمر عن مزيد من التعقيد لهذا الملف، واستمرار سياسة ترامب «أقصى ضغط» تجاه إيران بصورة أكثر كثافة؛ فالدول الأوروبية- وفقا لاستراتيجية الجوار الأوروبية- أكدت على أن هدفها هو استقرار دول الجنوب بغض النظر عن طبيعة الحكم القائم، وهم يدركون أن الحروب سوف تؤدي الى ويلات أهمها: زيادة عدد اللاجئين، وفتح الباب لزيادة البؤر الإرهابية؛ وهو ما تؤكده «حنين غدار» – زميلة زائرة في زمالة «فريدمان» في مقال افتتاحي لمجلة فورين بوليسي- على أنه قد: «أصبح من الواضح أنه لم يعد من الممكن التسامح مع النفوذ الإيراني، وأن الاحتجاجات إذا استمرت كما هو متوقع، فقد يؤدي هذا إلى قيام المجتمع الدولي بدعم تغيير الحكومة، كما كان الحال في مصر وتونس في عام 2011 خلال الربيع العربي»، وتؤكد وتضيف في نفس السياق أنه: «عندما لم يعد الشعب في البلاد يقبل إيران كحاكم له، يتعين على المجتمع الدولي أن يحيط علما»، فقد يسعى الرئيس الأمريكي ترامب إلى فرض تغيير النظام في كلا البلدين، لصالح حكومة ترفض التدخل الإيراني. على الجانب الآخر؛ يرى أنصار الفريق الآخر: أن فرص هذه التظاهرات في النجاح بالإطاحة بحكومتي العراق ولبنان تبدو ضئيلة، ومحكوم عليها بالفشل، وذلك لعدة أسباب؛ أولها: افتقار هذه الاحتجاجات للطابع المؤسسي؛ فالمتظاهرون- الذين يفتقرون إلى التنظيم والبرنامج المُحدد- ليس لديهم فرصة تُذكر لتغيير الهياكل السياسية في كلا البلدين، وثانيها: تتميز المؤسسات الطائفية الحاكمة في كلا البلدين بالتنظيم ووضوح الرؤية، مما يجعلهم مؤهلين للإجهاز على التظاهرات، والقضاء على أي تنازلات يقتنصها المتظاهرون من مراكز السلطة في بيروت وبغداد، وثالثها: بناء على ذلك ستنجح إيران في الحفاظ على نفوذها وهيمنتها، بالنظر إلى مدى نفوذها بين النخب السياسية والعسكرية والاجتماعية في البلدين؛ وعلى أقل تقدير ربما تدعم عروض الحكومتين بإجراء إصلاحات متواضعة لقوانين الانتخابات ومنظومة الضرائب وكُلفة الخدمات وغيرها من السياسات الاقتصادية، مع تشجيع هؤلاء الحلفاء على عدم القبول بتغييرات كبيرة في الهيكل السياسي، للحفاظ على هذين النظامين، وتقليل الأضرار التي قد تلحق بمصالح إيران واستمرارية تبعيتهم وتلقي المشورة منها. وأنصار هذا الاتجاه يتوقعون أنه إذا تعرض نظاما الحكم العراقي واللبناني للخطر بسبب المظاهرات، فإن إيران ستتدخل مباشرة من أجل دعم أتباعها، لمنع أفول تأثيرها في أرض الرافدين وبلاد الشام، ويؤكد ذلك سابقةُ تدخلها في سوريا، فقد أرسلت «فيلق القدس»، ومستشارين عسكريين، وعددا من القوات لدعم الرئيس السوري، منذ عام 2013 وحتى الآن؛ ويؤكد ذلك فواز جرجس- أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية - إذ يقول بأن: «إيران تحاول أن تبقى بمنأى عن التوترات والاضطرابات المتصاعدة في كلا البلدين، لكن مقدرتها على القيام بذلك محدودة كون حُلفائها المحليين- الجماعات المسلحة- هدفا للمحتجين». لكن حتى الآن، تحاول إيران أن تقمع الاحتجاجات بشكل غير مباشر؛ ففي العراق قام وكلاؤها باستخدام قناصة لقتل المحتجين، واستخدمت وسائل أخرى من القوة في محاولة لتخويف المتظاهرين، وفي لبنان قام عناصر حزب الله بضرب المتظاهرين بالعصي، وتفكيك الخيام التي يقيمون فيها، وأرسلت إيران قاسم سليماني - قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني- إلى كل من العراق ولبنان، لتقديم المشورة لحلفائها عن كيفية الاستجابة بقوة، كما لجأ آية الله خامنئي إلى إدانة الاحتجاجات بنفسه؛ حيث كتب في تغريدة له على تويتر يوم الأربعاء 30 أكتوبر: «أوصي الذين يهتمون بالعراق ولبنان بمعالجة حالة الفوضى والاضطرابات التي نشأت في البلاد من قبل أمريكا والنظام الصهيوني وبعض الدول الغربية وأموال بعض الدول الرجعية». وبغض النظر عن احتمالات استعداد طهران للتدخل العسكري المباشر لإجهاض أية تحركات ثورية في كلا البلدين، فإن إيران لديها القدرة على القيام بما هو أكثر من ذلك، فمن المتوقع أن تنشر إيران-كما هو الحال في سوريا- مجموعة من العملاء المدنيين السريين، وعددا كبيرا من الوكلاء الطائفيين، وذلك لهزيمة أي حركة احتجاجية وقمع المواطنين، وبدوره يلقي «جون تشيبمان» - المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)- الضوء على الاستراتيجيات الإيرانية، مشيرًا إلى أن: «إيران أصبحت بارعة الآن في القيام بإجهاض الاحتجاجات القائمة، فلقد تلاعبت بميزان القوى في الشرق الأوسط لصالحها، من خلال تطوير قدرتها على إدارة الصراعات المختلفة، من خلال أطراف ثالثة تعمل بالوكالة». وهو ما شوهد في العراق ولبنان وغير ذلك من البلدان. وختامًا يمكن القول: أنه بات من الواضح امتلاك إيران كلا من الإرادة والقدرة على التدخل في العراق ولبنان، دون معارضة من المجتمع الدولي، وذلك إذا واجهت تحديًا كبيرًا لمصالحها هناك، كمحاولات المتظاهرين تغيير الأنظمة السياسية فيهما، وفي الوقت الحالي، يبدو من المحتمل أن تستمر طهران في محاولة إدارة وتوجيه الاحتجاجات ونتائجها، من خلال تشجيع الحكومتين العراقية واللبنانية على تقديم أدنى التنازلات، فضلاً عن نشر وكلائها لترهيب المتظاهرين، عبر نشر المعلومات الخاطئة والأكاذيب، ورغم عدم وجود مؤشرات حالية على تراجع المظاهرات، إلا أنه من غير المحتمل نجاحها في الإطاحة بالحكومتين العراقية واللبنانية، ولأن المصالح الخاصة للجهات الموالية للنظام الإيراني بإمكانها تسليم السلطة بطريقة سلمية ووفق شروطها، لكنها سوف تتحدى الاحتجاجات الحالية ضد النفوذ الإيراني، ومن غير المحتمل أن تنجح في وضع حد لتدخل إيران في شؤون دولها الداخلية.

مشاركة :