الانتفاضة في العراق ولبنان.. وجهة نظر سعودية!

  • 11/11/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما تحدث الإيرانيون وحلفاؤهم بإدمان وشغف عن المؤامرات في الشرق الأوسط، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشكلاتهم الداخلية أو في مناطق نفوذهم الإقليمية، لكنهم أبدًا لم ينبسوا ببنت شفة عن أخطائهم في الداخل أو أخطاء حلفائهم داخل الأوطان العربية أو حتى يحاولوا التخفيف من الطبيعة الفاقعة الكولونيالية لإدارة المصالح الإيرانية في المنطقة العربية، أو يحرصوا بالحد الأدنى على مراعاة حقوق المواطنين العرب. ويتركز اتهام حلفاء إيران في دعم الانتفاضات العربية في العراق ولبنان مؤخرًا على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة خاصة السعودية، والأخيرة دولة محافظة ميالة في العادة إلى الاستقرار، لكنها لا تخفي على كل حال الاهتمام بمصالحها العربية. في الغالب لم يجر مناقشة علاقة السعودية بهاتين الانتفاضتين بشكل جاد، لأن مطلقي الاتهامات بشأنهما هم في الأساس العنصر الرئيس المتسبب في الأزمتين، من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الإيرانيين تعودوا اتهام خصومهم بالوقوف وراء أزماتهم الحادة. لكن السؤال الجوهري اليوم وبصرف النظر عن الاتهامات والاتهامات المضادة ودوافعها: ما موقف السعوديين من انتفاضتي العراق ولبنان؟ وما يمكن أن يعترف به السعوديون أو الخليجيون عامة من يد لهم في ذلك؟ لنأخذ الأزمة اللبنانية الراهنة فهي في الحقيقة ذات طابع معيشي صرف عبرت الحدود الطائفية الافتراضية من جهة، وتوحدت بعقيدة وطنية مشتركة مما ينفي عنها أي طابع سياسي ضيق. ومن جهة أخرى، فإن الدور الخليجي في لبنان ظل مشهود له بطول اليد والعون المباشر، ولم ينزلق لما يسميه اللبنانيون «زواريب السياسة الداخلية»، ولكن يجوز القول إن المساعدات الخليجية السابقة ربما هي التي أخفت فساد الساسة اللبنانيين، وإن ترشيد هذه المساعدات في الآونة الأخيرة قد يكون سحب غطاء الأمان عن هذه الطبقة الحاكمة وليس عن لبنان كما يعتقد البعض. أما الموقف من انتفاضة «كلهن يعني كلهن» فيمكن فهمه وبسهولة من مشاعر التأييد الشعبية السعودية والخليجية لهذه الانتفاضة من قطاعات واسعة من السعوديين، بالتحديد وبالدرجة الأولى عند الكتاب والمدونين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعوز المرء الربط بين التشابه في التفكير السياسي في بلد مثل السعودية بين الشعب وقيادته، لأنه لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي لا بالتلميح ولا بالتصريح من الحكومة السعودية حول ما يجري في لبنان والعراق. أما عن الدوافع في ذلك، فعدا الموقف المبدئي مثل تضامن الإنسان مع الإنسان والعربي مع أخيه العربي، لا يشك أحد في وجود حافز سياسي بامتياز، وهو أن العراق ولبنان كلاهما منطقة سيطرة إيرانية وأكثر من ذلك أن هذه السيطرة لها تمظهرات عنيفة وبالقوة المسلحة لا بالقوة الناعمة، وبالمعلن والظاهر والمتبجح، لا المستتر والمبرر والمتواري. وإن السعودية يتهددها هذا التحدي الإيراني السافر الذي يقود العراق ولبنان لمصيرهما، لو لم تقف في وجهه وتواجهه بقوة وهذه عقيدة سياسية سعودية راسخة وتزداد رسوخًا. لكن هذا الخطر الإيراني الذي ضرب عمقها الشمالي لا يعني أبدًا أن الدولة السعودية لديها نزعة لدعم هذه الانتفاضة أو تلك، لأن جموح الثورات ربما يأخذ بألباب هواة الأيديولوجية من شعبها، كما أن نتائج دعم الثورة السورية ماثلة للعيان، لذا فإن لسان حال السعودية عن الانتفاضتين الراهنتين يقول: لم أمر بها ولم تسؤني! واقتصر الاهتمام بهما على الإبراز الإعلامي، لكن هذا لا يعني عدم الاكتراث السياسي. فإذا ما حاولت الطبقة السياسية في البلدين الاستجابة لمطالب شعبيهما ونتج عن ذلك نشوء حكومة وطنية نظيفة فلن تتوانى الرياض عن دعمها سياسيًا واقتصاديًا. لكن السعودية على كل حال لن تتبرع، وليس من مسؤوليتها حل مشكلات أعدائها، خاصة إذا ما قامت في العاصمتين كلاهما «بيروت وبغداد» إدارة موالية بالكامل لطهران بل العكس هو الصحيح. بمعنى لو حاول «حزب الله» وحلفاؤه مثلا تجاهل مطالب الثوار بحكومة كفاءات، وقام بتشكيل حكومة سياسية موالية، فلن تجد من خصوم إيران مثل السعودية وجل أشقائها الخليجيين وربما أيضًا حلفائها الدوليين الدعم والتأييد. وعلى العموم، فإن الخليجيين لن يخسروا شيئًا بسياسة النأي بالنفس عن أزمات البلدين، لأن إيران قد فرضت هيمنتها عليهما بسياسة الأمر الواقع، وأي محاولة دعم عربي هي تغطية سياسية لإدارة هذا الأمر الواقع، وهي إدارة فاشلة من كل الوجوه السياسية والاقتصادية والاجتماعية «عقائدية وعسكرة وطائفية وتطرف سياسي وفساد مالي وبيروقراطية إدارية وعزلة دولية»، ومن الأفضل لشعبي البلدين أن يكتشفا بنفسيهما نتائج ذلك، ويسعيان للتغيير من الداخل بطريقة ذاتية.

مشاركة :