أعلن صحافيون تونسيون عزمهم التوجه إلى القضاء، على خلفية تصريحات لنواب عن حزب ائتلاف الكرامة ضد الصحافة ووسائل الإعلام في تونس، الأمر الذي اعتبروه تحريضا يهدد سلامتهم بالإضافة إلى تهديد حرية الصحافة والتعبير في تونس. ونشر النائب يسري الدالي تدوينة على موقع فيسبوك ذكر فيها بعض الصحافيين بالاسم، موجها إليهم اتهامات بالفساد والعمل لصالح سفارات أجنبية ورجال أعمال ونقابات -منها الأمنية- وسياسيين، إضافة إلى استعمال ألفاظ نابية ضد قناة تلفزيونية. وتصاعدت ردود الفعل المستنكرة لتصريحات الدالي الذي لوّح بـ”حرب تكسير عظام” بين المجلس والصحافيين. وقال الإعلامي محمد اليوسفي وعضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين، على صفحته في فيسبوك، إنه قرر مقاضاة الدالي، “بعد تعمده للمرة الثانية التحريض ضده وتجييش الرأي العام بشكل يهدد سلامته الجسدية”، مضيفا أنه كلّف محامية بالشروع في الإجراءات القانونية لتقديم الشكوى الجزائية. من جهته، أعلن مُقدم البرنامج حمزة البلومي الخميس أنه سيقاضي النائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف إثر التصريحات التي أدلى بها الأربعاء والتي وصفه فيها بالمرتزق متهما إياه بتقاضي أموال، وذلك على خلفية قضية “فيديو الرئيس الأسبق منصف المرزوقي”. وقال البلومي إنه لم يصدر أي قرار قضائي في القضية، مُذكرا أن الفيديو الذي بثه في برنامجه (واتضح لاحقا أنه مفبرك) تم أخذه من الإنترنت ولم يقم بإنتاجه في برنامجه على قناة الحوار التونسي. كما أنه أقر بالخطأ مُذكرا بأنه اعتذر عن ذلك. وطالب البلومي النائب سيف الدين مخلوف بأن يقدم للقضاء الدليل الذي يُثبت أنه مرتزق وحصل على أموال، داعيا إياه إلى التحلي بالشجاعة وقبول رفع الحصانة عنه عند دعوته من قبل القضاء. من جهتها، أصدرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بياناً ضد ما اعتبرته تهديداً للصحافيين وسعياً لضرب حرية الإعلام والتعبير بعد التهجم الذي قام به النائب عن ائتلاف الكرامة، يسري الدالي، ضد صحافيين وقنوات إعلامية. الهايكا: الأخطر في هذا الأمر أن هذه الخطابات تصدر عن بعض الأشخاص الذين لهم صفة نائب وقالت النقابة إنّ مناقشة الشأن الإعلامي ليست مقتصرة على الصحافيين وهياكلهم وإنما هي مسؤولية الجمهور صاحب المصلحة الرئيسي في إعلام مهني وحر ومتنوع وتعددي، لكنها أكدت أن أفضل المقاربات لتقويم الاختلالات المهنية هي آليات التعديل والتعديل الذاتي أو الالتجاء إلى القضاء في آخر المطاف بعيدا عن المقاربات الزجرية والتهديدية والترهيبية. واعتبرت أن ما قام به النائب يسري الدالي من تهجم وتهديد للصحافيين يذكر التونسيين بأجواء عامي 2012 و2013، معبرة عن تخوفها من المنحى الإقصائي الذي تميز به خطاب بعض النواب الجدد وتعتبر التلويح بـ”حرب تكسير عظام” بين المجلس والصحافيين مؤشراً سلبياً على مستقبل علاقة مجلس نواب الشعب الجديد مع حرية الصحافة والرأي والتعبير. وأدانت بشدة التحريض الصريح والمباشر على العنف ضد الصحافيين من قبل النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي، وأشارت إلى أنها ستدعم مجهود التقاضي من قبل الصحافيين الضحايا لضمان تتبعه في قضايا يعاقب عليها القانون. كما انضمت النقابة الأساسية للإذاعة التونسية (المنضوية تحت لواء النقابة العامة للإعلام)، إلى نقابة الصحافيين، وعبرت أيضا عن رفضها وإدانتها لما قام به النائب يسري الدالي من تحريض على الصحافيين، مؤكدةً أن حرية الإعلام خط أحمر لا يمكن لأي كان المسّ به. ورد النائب يسري الدالي على بيان النقابة بطريقة ساخرة وهجومية في صفحته على فيسبوك، قائلا “هذه أول مرة أعرف أن عبارة ‘استعدّوا لحرب كسر عظام’ فيها تحريض على العنف! بصراحة كنت أظنّها عبارة رومنسيّة عاطفيّة ملائكيّة، بعد أن استعملها الطّبّوبي قدّس الله سرّه (نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل)، ولم تستوقف أحدا ولم تلفت نظر نقابة الصّحافيّين ولا أيّ صحافيّ حسّاس وعاطفيّ ومرهف المشاعر! من جهتها، دعت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، “الهايكا”، رئاسة الجمهورية وأعضاء مجلس نواب الشعب إلى احترام قيم ممارسة مهنة الصحافة الحرة والنزيهة وقواعدها والالتزام بحماية الصحافيين، وإعلان الإدانة الصريحة لكل خطابات التحريض على العنف والكراهية. وقالت الهايكا في بيان الأربعاء، إن هذه الدعوة تأتي إثر ما عاينته بعد الانتخابات التشريعية من “حملات تحريضية” استهدفت مختلف مكونات المشهد الإعلامي السمعي البصري في تونس. وأوضحت الهايكا أن هذه الحملات تواترت وتكثّفت لتتحول إلى خطابات كراهية وتحريض على العنف ضد الصحافيين ومؤسساتهم ومختلف الهياكل المنظمة للقطاع، مؤكدة أن الأخطر في هذا الأمر أن هذه الخطابات تصدر عن بعض الأشخاص الذين لهم صفة نائب في مجلس نواب الشعب. وأدانت الهيئة بشدّة هذه الحملات، التي وصفتها بـ”التحريضية الممنهجة”، مستنكرة التلويح من قبل بعض النواب بأن المدة النيابية 2019 – 2024 ستكون “حرب كسر عظام” بين مجلس نواب الشعب ووسائل الإعلام. كما اعتبرت أن ذلك يشكل انحرافا عن المهام الأساسية الموكولة لمجلس نواب الشعب والمتمثلة خاصة في تكريس قيم الجمهورية المدنية الديمقراطية وعلى رأسها حرية الإعلام وتركيز الهيئات الدستورية. ودعت كافة الصحافيين والعاملين بالقطاع الإعلامي إلى التضامن والتصدي لكل “محاولات الترهيب”، والتمسك بأخلاقيات المهنة الصحافية وقواعدها. وأكدت أن التداول في الشأن الإعلامي وتقييمه أمر مطلوب في مجتمع ديمقراطي تعددي، مشددة على أن ذلك لا يكون إلا في إطار نقد بنّاء يهدف إلى الارتقاء بتجربة الإعلام الحر في تونس. ونبهت الهايكا، في جانب آخر، إلى أن مختلف قراراتها ومواقفها نابعة عن إرادة مجلسها الجماعية ومستندة إلى القوانين الجاري بها العمل، معتبرة أن نشر صور بعض أعضاء مجلسها على شاشات بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي والتحريض ضدهم بالاسم لن يكونا سوى دافع إضافي للتضامن فيما بينهم. وذكرت أن الممارسات لن تزيد الهيئة إلا إصرارا على مواصلة العمل في سبيل تكريس حرية الصحافة باعتبارها أحد المرتكزات الأساسية لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي. كما دعت، في هذا السياق، إلى ضرورة الإسراع في إقرار قانون أساسي جديد وبديل عن المرسوم عدد 116 يضمن حرية الإعلام واستقلاليته طبقا للمعايير التي تضمنها الدستور والقوانين المنظمة للقطاع.
مشاركة :