هل تركت الولايات المتحدة لتقود الاقتصاد العالمي بمفردها؟

  • 12/1/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ميكاييل إيفانوفيتش * بلغ الفائض التجاري الأوروبي مع الولايات المتحدة بين يناير وأغسطس 2019 حوالي 102 مليار يورو، بينما شهدت تجارتها مع الصين عجزاً بقيمة 127 مليار يورو خلال نفس الفترة كما هي الحال دائماً، سوف يستمر أقرب حلفاء الولايات المتحدة -اليابان وألمانيا- في ركوب موجة الاقتصاد الأمريكي دون تحمل مسؤولية المساهمة في نمو الاقتصاد العالمي ولو بالحد اليسير. فقد أعلنت وزارة المالية اليابانية، بأنها لا تعتزم اتخاذ تدابير لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني ضعفاً في معدل النمو الذي لم يتجاوز 0.6% للربع الثالث من هذا العام. ولا يزال المستثمرون يراهنون على برامج تيسير كمي موعودة قد لا ترى النور مطلقاً. وتتخذ ألمانيا التي تقود اقتصاد منطقة اليورو موقفاً أكثر مناورة. فاقتصادها يوشك على الوقوع في فخ الركود، لكنه لا يزال الأقوى أوروبياً ولا يحتاج إلى دعم في المرحلة الراهنة على الأقل. ومعلوم أن حجم اقتصاد أوروبا واليابان مجتمعين يعادل ربع حجم اقتصاد العالم، ويحتاج إلى تنشيط صادرات بلغت قيمتها 1.1 تريليون دولار عام 2018، وتصب في الاقتصادين الأمريكي والصيني. ولا تخفي اليابان لعبتها بل تلعب على المكشوف.فتقاريرها الاقتصادية وتوقعاتها تؤكد دائماً الدور الحاسم الذي تلعبه الصادرات في التخطيط الاقتصادي. ولا تزال الصين توفر نافذة رئيسية لتجارة اليابان واستثماراتها ونموها الاقتصادي، على الرغم من التوترات الناجمة عن النزاعات التي تبدو مستعصية على الحل. أما في علاقاتها مع الولايات المتحدة فقد حصلت طوكيو على رضا من واشنطن فيما يتعلق بالفائض التجاري الضخم الذي بلغ 48.6 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، بزيادة قدرها 6.3٪ عن العام السابق. هذا على ما يبدو ثمن يدفع مقابل الوجود العسكري الأمريكي في اليابان ومعارضة طوكيو المتوقعة للنفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري للصين في آسيا وبقية العالم. وتستغل طوكيو الفرص المتاحة على الجبهتين وتتعامل بنشاط مع الولايات المتحدة والصين. في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، بلغت الصادرات اليابانية إلى الصين 86.4 مليار دولار، أي أقل قليلاً من صادراتها إلى الولايات المتحدة البالغة 94.6 مليار دولار. ويمثل هذان البلدان حالياً حوالي 40٪ من إجمالي مبيعات اليابان في الخارج. ربما ينبغي على واشنطن أن تلاحظ أن اليابان تمارس شروطاً ترجيحية مع شركائها التجاريين الأكبر. وتحقق طوكيو الكثير من الأرباح في تداولاتها مع الولايات المتحدة، بينما تعاني عجزاً تجارياً كبيراً مع الصين. من جهتها تسلك أوروبا نفس السلوك التجاري. فقد بلغ الفائض التجاري الأوروبي مع الولايات المتحدة بين يناير وأغسطس 2019 حوالي 102 مليار يورو، بينما شهدت تجارتها مع الصين عجزاً بقيمة 127 مليار يورو خلال نفس الفترة. فهل هناك من رؤية مشتركة حول هذا الواقع غير العادل؟ الحقيقة أن اليابانيين لا يتحدثون كثيراً عن علاقتهم مع الصين. أما الأوروبيون وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ماكرون ومعهم غرفة التجارة الأوروبية في بكين، فهم دائمو الشكوى من ممارسات الصين التجارية وتعقيدات العلاقة معها. ولا تجد الصين ما يثير قلقها في ظل غياب الاتفاقات الرسمية بين برلين وباريس. فالألمان يتبنون لهجة دبلوماسية ملطفة مع الصين، بعد أن قلصت فائض ميزانها التجاري معهم، في حين يبلغ العجز التجاري الفرنسي أربعة أضعاف مثيله الألماني، حيث تجاوز 29 مليار يورو عام 2018. من جانبها تريد بكين فعل شيء ما. هناك تحركات دبلوماسية على أعلى المستويات مع كل من فرنسا وألمانيا لمناقشة القضايا التجارية. لكن بالنظر إلى التنافس الفرنسي الألماني - حيث تريد برلين أن يكون لها اليد العليا -لا يمكن لأحد الرهان على القرارات السياسية في تعديل سياسة البنك المركزي الأوروبي بما بتناسب مع مصالح الدول التسع عشرة في منطقة اليورو. ويبدو أن هذه المهزلة لن تتوقف ما دامت ألمانيا تحرص على تعنتها في فرض الشروط على شريكاتها في الاتحاد الأوروبي ما يخلق وضعاً صعباً يعرقل النمو المستدام. ونتيجة لذلك يفرض على المركزي الأوروبي سياسات مالية فضفاضة لمواجهة التقشف الألماني. يمكن للولايات المتحدة فقط تغيير سياسات الاتحاد الأوروبي المعطلة للنمو التي تتسبب في ضعف أكبر أسواق الصادرات الأمريكية. والطريقة السهلة المتاحة تكمن في تعطيل الصادرات الألمانية إلى الولايات المتحدة، حيث لا توجد أسواق بديلة لصادرات السلع الألمانية البالغة 126 مليار دولار إلى الولايات المتحدة في عام 2018. في هذه الحالة سوف تضطر ألمانيا إلى توليد المزيد من النمو في الطلب المحلي وإعطاء بعض الأكسجين لاقتصادات منطقة اليورو المتعثرة. وفي هذا الإطار هناك أيضاً أفكار ربما تجد من يتبناها منها أن تبرم الولايات المتحدة صفقة تجارية سريعة مع الصين وتخفف حدة خطابها المعادي والمضاد للمنتج الصيني. ويتعين على الصين، من جانبها، أن تفهم أن حساباتها التجارية المتوازنة مع الولايات المتحدة هي نقطة انطلاق لعلاقة بناءة بين شعبي البلدين، وتنعكس فائدتها على بقية العالم. * «سي.إن.بي.سي»

مشاركة :