التعليم الجامعي وعلاقته باقتصاد المعرفة (2)

  • 12/4/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الندوة التي أقامتها غرفة تجارة وصناعة البحرين تحدث المنتدون عن أهمية الابتكار والإبداع والتحول نحو اقتصاد المعرفة فيما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة. وعند السؤال عن ما أهم شيء ستقوم به لو أعطيت القرار لإسراع التحول نحو اقتصاد المعرفة وتلبية متطلبات الثورة الرابعة قال المهندس عبدالله الزامل الرئيس التنفيذي لمجموعة الزامل الصناعية في السعودية: «إصلاح التعليم». وحسب أحد المشاركين في المنتدى، خلال السنوات القليلة القادمة «12 سنة» فإن التقدم في الطاقة البديلة سوف يحقق انتشارا في العالم ويغطي احتياجات العالم من الطاقة بأسعار تجارية وتنافسية بالإضافة إلى ميزته البيئية ما يضع مستقبل النفط في موضع تساؤل كبير. لذلك فإن إصلاح التعليم وتنويع الاقتصاد هو قضية مصيرية بالنسبة لدول الخليج لا يجب أن تؤخذ بخفة. وحتى لو لم تكن هذه التنبؤات دقيقة فإن التعليم في حد ذاته قضية مهمة لتطور الشعوب أيا كانت مواردها أو تطورها الاقتصادي. في مقالات سابقة تطرقنا إلى قضية التعليم، وفي المقال الأخير «أخبار الخليج 27 نوفمبر 2019» تحدثنا عن التعليم العالي في ضوء ما ورد في تقرير هيئة الجودة ونستكمل ما بدأناه في ذلك المقال. يركز التقرير على مؤشرين هما الجودة المؤسسية ومراجعة البرامج الأكاديمية. فيما يتعلق ببرامج البكالوريوس والماجستير «33 برنامجا مقدما من 12 كلية لعام 2011-2012»، حصل ثلث البرامج على تقدير «غير جدير بالثقة» وهذا عدد كبير من البرامج. وفي عام 2014 تم مراجعة 10 برامج حصل 4 منها على تقدير «غير جدير بالثقة». هذا يعني أنه في الحالتين ثلث الخرجين تخرجوا في برامج غير جديرة بالثقة فكيف سيكون أداؤهم في سوق العمل؟ وهل يمكن الاعتماد عليهم في دولة تتطلع إلى المشاركة في الثورة الصناعية الرابعة؟ هذا من ناحية البرامج الأكاديمية، أما من حيث الجودة المؤسسية يقول التقرير إن هناك مخاوف من ضعف القيادة الأكاديمية بسبب تحميل الكثير من أعباء المسؤوليات الإدارية من قبل القادة الأكاديميين وبذلك فهم غير قادرين على تقديم الدعم والمساندة لأعضاء هيئة التدريس في البرامج الأكاديمية المسؤولين عنها. وهذا يؤثر، وفق التقرير، على نجاح عملية التدريس إذ إنه لا يترك مجالا للأبحاث ولا يتوافر الوقت الكافي لأعضاء هيئة التدريس لتطوير طرق التدريس المختلفة وإكساب الطلاب مهارة التفكير النقدي والتحليل. ناهيك عن تأثيرها السلبي على مستوى المخرجات. وأخيرا يوصي التقرير بالاهتمام بكل هذه القضايا «لاكتساب ثقة البحرينيين في جودة البرامج الأكاديمية المقدمة والدرجات العلمية الحاصلين عليها» لتمكنهم من المنافسة في سوق العمل المحلي والدولي. في التقرير النهائي لعام 2018 كذلك يكرر التقرير الإشارة إلى تدني الأداء في المهارات العليا مثل التفكير النقدي والتحليل وحل المشكلات، كما أن عدم وجود آليات متابعة تنفيذ سياسة التقييم أدت إلى عدم مواءمة درجة صعوبة الامتحان مع المخرجات والمقرر، كما أدت إلى تضخم الدرجات في بعض الحالات. ومما يثير القلق حسب التقرير هو وجود نقص في المختبرات والأجهزة والبرمجيات في البرامج المهمة مثل الهندسة وتقنية المعلومات بالإضافة إلى عدم استقرار أعضاء الهيئة الأكاديمية بسبب نقص أعدادهم وعدم وجود خطط علاجية لرفع مستوى الطلبة المعرضين لخطر الإخفاق الأكاديمي. وهذا، وفق التقرير، أحد أسباب زيادة التسرب من البرنامج الأكاديمي الذي تحدث عنه ديوان الرقابة المالية والذي بلغ 20% ما يشكل هدرا في الموارد البشرية والمالية. من هذا التقرير نتساءل أولا: لماذا لا يتم التقيد بتوصيات الهيئة مثل ضرورة وجود اختبارات خاصة لقبول الطلاب على الرغم من وجود حاجة ملحة لذلك الأمر الذي أثر سلبا على مستوى أداء الطلبة الخريجين. ثانيا: ما سبب عدم وجود توازن بين أعداد أعضاء هيئة التدريس وأعداد الطلبة المسجلين. اختلال هذا التوازن يلقي عبئا كبيرا على هيئة التدريس تؤثر على مستوى الخريجين وتحد من قدرة المدرسين على الترقي والتقدم والبحث العلمي. فيما يتعلق بالمعايير الأكاديمية للخريجين فإن أهم ما ورد فيها هو عدم تمكن القائمين على هذه البرامج من تنفيذ الآليات الواجبة في التعليم القائم على المخرجات، وإن أدوات التقييم المستخدمة غير مناسبة لإبراز القصور في مهارات اقتصاد المعرفة مثل التفكير والتحليل وحل المشاكل. كذلك لا يتم مناقشة نتائج الامتحانات للاستفادة من الدروس الممكنة لتحسين المستوى. مازالت هناك حاجة لتطوير آليات تقييم المخرجات المطلوبة لكل من البرامج والمقررات الدراسية. وهذا يتطلب تحديد المواصفات المطلوبة للخريجين ومدى تحقق هذه المواصفات في المخرجات. يخلص التقرير إلى أنه «يسود في البحرين حالة من الفهم البسيط لطريقة تنفيذ ممارسات المقايسة المرجعية الخارجية الرسمية» أي المقارنة (benchmarking) مع مستويات خارجية بشكل رسمي يساعد على اتخاذ قرارات أفضل في تطوير وتحسين مؤسسات التعليم. ويواصل التقرير القول بأن مستوى الامتحانات لا يتناسب مع الدرجة العلمية الممنوحة وأن أسلوب الحفظ وتذكر المعلومات هو الأسلوب الأكثر شيوعا بين الطلبة على حساب اكتساب مهارات التحليل وحل المشكلات. وهذا يقلل من قيمة الدرجة العلمية وعدم التوافق بين المؤهلات وبين المهارات والكفاءات لدى الخريجين ما يضعف قدرتهم في الحصول على فرص عمل. وتقول الهيئة إن الغالبية العظمى من الكليات لم تقم بتنفيذ آلية رسمية لاستقراء حاجات سوق العمل سواء عند تدوير برامجها أو عند طرح برامج جديدة ولم تأخذ برأي أصحاب الأعمال أو مشاركتهم. أدى ذلك إلى تباين كبير بين مواصفات الخريجين ومتطلبات سوق العمل وخاصة في التخصصات العملية مثل تقنية المعلومات. النتيجة أن أصحاب العمل يفضلون الأجانب على البحرينيين أو البحرينيين الحاصلين على درجات علمية من خارج البحرين. وهذا يتناقض تماما مع مهمة المنظومة التعليمية التي من المفترض أن تخدم رؤية البحرين في خلق فرص عمل وتأهيل الشباب لها.

مشاركة :