المعرفة في أبسط معانيها هي أنك تعرف إمكانياتك وماذا تستطيع أن تفعل وبالتالي تعرف كيف تختار أهدافك وتعرف كيف ومتى تحققها، فالمعرفة هي وسيلة أو أداة تسهيلية للأستفادة من استخدامها وليست مخزوناً للزينة والتباهي أو للفرجة عليها. فتحولنا لما يسمى الاقتصاد المعرفي يجب ألا يلهينا عن أهدافنا الأساسية التي لا زلنا نلهث لتحقيقها طوال أربع وأربعين سنة من غير طائل حتى نسيناها واستبدلناها بشعارات براقة لا تسمن ولا تغني من جوع. تتكوّن استراجيتنا الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة (بما فيها الملاحق) من 109 صفحات، وهي صناعة كورية (قام بإعدادها أكثر من أربعين خبيراً من معهد التنمية الكوري) فأول سؤال يتبادر للذهن هو هل ما يصلح للاقتصاد الكوري يصلح لاقتصاد المملكة الريعي؟ فعلى سبيل المثال: تقول الاستراتيجية (صفحة 12) بأنها ستحقّق: "التحول الى اقتصاد متنوع... يقوده القطاع الخاص". السؤال هو كيف نأمل من قطاعنا الخاص أن يقودنا إلى التنوع الاقتصادي في الوقت الذي لا زال هذا القطاع (حتى بعد مضي مايقارب السنتين على الاستراتيجية) يحارب توطين قوتنا العاملة إلى حد أنه أقنع بعض أعضاء مجلس الشورى أن العامل السعودي لم يخلق للعمل في القطاع الخاص وبأنه لا يقبل العمل. بينما يغرق القطاع الخاص – تحت سمع وبصر وزارة التخطيط –سوق العمل بعمالة أميّة (خالية رؤوسها من المعرفة المكتسبة) فهل يا ترى استراتيجيتنا تقصد أن يقود قطاعنا الخاص الدول النامية الى الاقتصاد المعرفي. أمر استراتيجيتنا للتحول إلى ما يسمى الاقتصاد المعرفي أمر عجيب وغريب فهي تضع العربة أمام الحصان وتريد من العربة أن تجر الحصان لا أن يجر الحصان العربة. فنحن لو نظرنا إلى قطاعنا الخاص بوضعه الحالي نجده أنه يشبه العربة الكرو(عربات منقرضة بأربع عجلات لتحميل أكياس الفحم من المخازن الى السفن في ميناء ينبع القديم) يجرها حصان الإنفاق الحكومي فهل من الممكن أن يتحوّل القطاع الخاص فجأة إلى الحصان الذي يجر عربة اقتصادنا الريعي فيحولها إلى اقتصاد مستدام يوظّف القوة العاملة الوطنية ويموّل ميزانية الحكومة بالإيرادات. المعرفة هي القدرة (أو البصيرة) على السير في الطريق الصحيح، فبواسطتها تستطيع أن تعرف أن ما تفعله اليوم (الآن) سينتج عنه ما ستكون عليه في الغد(المستقبل). فعندما نقول إننا سنتحول إلى اقتصاد معرفي بعد عقدين يقوده القطاع الخاص، فبالتأكيد نحن نعرف أن التحول لن يحدث فجأة فنغمض عيوننا ثم نفتحها بعد عشرين سنة فتجد التحول تم إنجازه، بل لابد أن يأخذ التحول طريقه إلى الهدف تدريجياً بشكل واضح نستطيع أن نلاحظه في الواقع فإذا لم يحدث التغير التدريجي فسنعرف أننا نسير في الطريق الغلط، ويجب علينا أن نصحح مسارنا. لقد مضى على بداية الاستراتيجية وقت كاف بينما الواضح للعيان أننا نسير عكس الهدف فبدلاً من أن يبدأ القطاع الخاص في القيادة أصبح أكثر احتياجاً لأن يقوده الإنفاق الحكومي. نختم بملاحظتين صغيرتين: أولاً وجود مخزون (عنصر) المعرفة لا يعني أنك ستستغني عن - أو التقليل من أهمية - العناصر الإنتاجية الأساسية كاليد العاملة والأرض (الموارد الطبيعية). ثانياً يجب أن لا يؤخذ ما يكتبه بعض الكتاب على أنه انتقاد بل رغبة صادقة بألا يلدغنا شعار اقتصاد المعرفة كما سبق أن لدغتنا شعارات خطط التنمية. موضوع زاوية الأحد القادم -إن شاء الله - بعنوان: اقتصاديات السياحة في المملكة.
مشاركة :