في منظور مغاير لما انتهت إليه استنتاجات الدراسات، التي أجريت على تأثير موقع "تويتر"، خلص الدكتور خالد بن فيصل الفرم في كتابه "منصة تويتر.. والرأي العام" إلى أن "تويتر" أصبح أداة قوية ومؤثرة للتغيير الاجتماعي، إذ لا يمكن النظر للمعلومات والجدالات التي تجري عبره وغيره من الشبكات الاجتماعية، باعتبارها جدالات فردية أو حتى جماعية فقط، كما لا يمكن النظر إليها فقط باعتبارها ثورة اتصالية جديدة، إنما هي في الواقع جدالات نامية تتشكل عبر الزمن لتشكل خطاباً مستقراً داخل المجتمعات، ويقوم هذا الخطاب بدور رئيسي في عمليات التغيير الاجتماعي. ويلفت "الفرم" في كتابه، إلى أن التغير الكبير الذي أحدثته ظاهرة "تويتر" في الرأي العام العربي، يشير إلى تحول مكونات الرأي العام من الخضوع لسيطرة المؤسسات الإعلامية الجماهيرية إلى مزيج إخباري يعد "تويتر" أحد عناصره الرئيسة، مضيفاً أن حالة "تويتر" تمثل بوضوح حالة فريدة من التحول على سياق الرأي العام، الأمر الذي جعل فكرة الرأي العام والقدرة على قياس توجهاته أو توجيهه مسألة مضللة، وصارت تفاعلات المستخدمين عبر "تويتر" تنذر أو تبشر بحالة جديدة من التطبيق المختلف للتعامل مع الأخبار والمعلومات. وفي سياق العنوان الثانوي الذي يحمله الكتاب ويشير إلى "استراتيجيات التوظيف والتأثير السياسي في إطار التجارب العالمية"، خلص "الفرم" إلى عدد من الاستنتاجات المهمة، مؤداها أن وجود المؤسسات الحكومية على منصة "تويتر" يتطلب مراجعة شاملة، كما يتطلب مراعاة عدة اعتبارات مهمة، منها أن وجود المؤسسات الحكومية على شبكة "تويتر" حاليًا، لا يغير من واقع المعادلة التأثيرية لـ"تويتر" تقريباً، فالجمهور لا ينتظر وجود المؤسسة الحكومية الظاهري فقط، بل يريد تفاعلاً نشطاً وحقيقياً ينعكس عليه، مع أهمية وجود إستراتيجية حقيقية وفعالة، لجهة الخطاب والمحتوى ليعبر عن اقتناع حكومي ومؤسسي بأن قناة الاتصال المفتوحة عبر "تويتر" مؤثرة لدى الجمهور، وتحمل مواصفات خاصة. ومن الاعتبارات التي يتوجب على المؤسسات الحكومية مراعاتها أيضاً، توظيف "تويتر" كأداة لإيضاح السياسات ومنصة لإدارة الأزمات وشاشة لإدارة المخاطر المتوقعة والمحتملة عبر القياسات والتعامل مع المخاطر وتهيئة الجماهير بالإرشادات اللازمة، لاسيما أن سبل التحكم في "تويتر" كما يرى "الفرم" لا تتأتى عبر إستراتيجيات الحجب والمنع التي تم تجريبها في العديد من الدول، بل بالتوظيف والاحتواء ودعم الشفافية المؤسسية، وتوظيف "تويتر" كمنصة رافعة لدعم التغيير الاجتماعي والتحول المؤسسي، مع ملاحظة أن الاستقطابات الفكرية عبر "تويتر" تبين أن الأفراد ينسجمون مع مشابهيهم وأنهم يقومون بتكرار ذات الألفاظ والحجج والبراهين والاستشهادات والدلائل على نحو واسع. ودعا "الفرم" في كتابه إلى بناء رؤية وطنية لمقاربة شبكة "تويتر"، تقوم على عنصرين رئيسيين هما: التكاملية، والحوكمة، مبينًا أن التكاملية تقوم على بناء سياسات واستراتيجيات وخطط وأهداف وقياسات وبحوث تتم بين مجموعة من المؤسسات العامة والحكومية بما يمكن أن يشكل إستراتيجية موحدة تنبثق عنها خطط عمل غير متناقضة تقوم على التفاعل الديناميكي فيما بينها على نحو يتسم بالمركزية في وضع الإستراتيجية واللامركزية في تنفيذها، لاسيما أنه لم يعد مقبولاً من المؤسسات الخدمية أن يتم التعامل مع "تويتر" عبر أساليب واجتهادات، والاستقرار على نموذج وظيفي مستقر بدءًا من القياس وحتى الخطاب والتعامل اليومي مع الجمهور. وفي السياق ذاته، يشير "الفرم" إلى أن المؤسسات الحكومية المختلفة تقوم بعمل خدمي ولكن له بعد سياسي في العلاقة مع المواطن، لذلك ينبغي أن ترتبط سياسات التعامل مع "تويتر" بالسياسات العامة للدولة المبنية على الخدمات الكبرى المتعددة والمتنوعة، التي تقدمها الحكومة للجمهور وتطوير الاتصال والتفاعل مع الجمهور بما يعزز قيم المواطنة والانتماء. وحول الإستراتيجيات الناجعة في توظيف "تويتر" لدعم التغيير الإيجابي للرأي العام، ذكر "الفرم" في كتابه أن المفهوم الإيجابي والسلبي على "تويتر"، قضية نسبية تتوقف على ماهية الجهة، وأن الإستراتيجية الناجعة في توظيف "تويتر" تصبح إيجابية بحسب دعم ومساندة الخدمات التي تقدمها المؤسسات للجمهور، وذلك يتم من خلال السيطرة على التدفق المعلوماتي عبر صنع المعلومات وإتاحتها وتطبيق استراتيجيات الاتصال المتكاملة، إذ لا يمكن بأي حال العمل على نحو يقوم على فصل "تويتر" بذاتها كشبكة اجتماعية عن غيرها من وسائل الاتصال عبر الإنترنت أو عبر الوسائط التقليدية كالصحافة والراديو والتلفزيون والاتصال الشخصي، وعليه فإن تبني إستراتيجية اتصالية تقوم على التكامل بين وسائط الإعلام ضمن أجندة ديناميكية قابلة للتغيير. وفي موضوع عمليات قياس المزاج العام عبر "تويتر"، يوضح "الفرم" أنها عمليات معقدة، وأحيانًا تكون مضللة، إذا لم يتم ضبطها عبر تكوين مجموعة من الاعتبارات والإجراءات والمراحل، ويمكن لبعض الأدوات الموجودة بالفعل قياس الرأي العام كذلك دون التوقف فقط عند حدود قياس المزاج العام، مبيناً في هذا الإطار أنه يمكن الاعتماد على الأدوات التقنية المتعلقة بقياس المزاج العام، ولكن هذا الأمر يتعلق بعنصرين في غاية الأهمية هما: تحديث مجموعة المفردات والألفاظ، وتعريب الأدوات، وهذا الأمر على وجه الخصوص يتطلب الكثير من العمل عبر بناء أدوات قياس جديدة مخصصة لجهات محددة في المملكة.
مشاركة :