عرضت الحكومة الإيرانية موازنة العام المقبل أمس مع الكثير من شعارات الصمود في مواجهة العقوبات الأميركية، وجاءت حافة بالأوهام المتعلقة بمصادر التمويل، رغم حجم الموازنة الضئيل نسبيا مقارنة بعدد السكان، الذي يزيد على 80 مليون نسمة. وتتوقع الحكومة حجم الإنفاق في الموازنة رقما فلكيا وصل إلى 4846 تريليون ريال، لكن ذلك لا يعادل في أعلى التقديرات سوى أقل من 36 مليار دولار استنادا إلى أعلى تقديرات سعر الصرف في منصة بونباست، التي تتابع العملة الإيرانية، والتي تشير أمس إلى أن سعر الصرف بلغ نحو 135 ألف ريال للدولار. وتشير تقارير كثيرة إلى أن سعر صرف الريال في السوق السوداء في إيران يقل كثيرا عن تلك المستويات في ظل مطاردة الإيرانيين لأي عملات أجنبية خوفا على ما يملكونه من مدخرات. وتقل الموازنة الإيرانية بذلك عن ثلث حجم الموازنة العراقية رغم أن تعداد سكان إيران يزيد على ضعف سكان العراق، إضافة إلى ضخامة الجهاز الحكومي وخاصة القوات الأمنية، الأمر الذي يظهر حجم الأزمة التي تعاني منها البلاد. وبدا واضحا يأس الحكومة الإيرانية من تحقيق أي عوائد نفطية، حيث تجاهلت وضع أرقام محددة للمبيعات والإيرادات، رغم أن تحليل البينات غير المباشرة يشير إلى أنها تفترض تصدير 400 ألف برميل يوميا. وتجمع التقديرات العالمية على أن طهران لا تصدّر سوى نحو 200 ألف برميل يوميا تذهب للتهريب وتعرض خصومات كبيرة في الأسعار في ظل توقف جميع دول العالم عن شراء النفط الإيراني خشية التعرض للعقوبات الأميركية. كما تضمنت افتراضات يقول محللون إن من الصعب تحقيقها مثل محاولات إكمال قرض بقيمة 5 مليارات دولار، طلبته من روسيا من أجل مشروعات تنموية. ويشكك المحللون والمراقبون في إمكانية حصول طهران عليه. ويبدو الاختناق الإيراني في تضمين الموازنة بنودا لبيع أصول وأملاك وعقارات حكومية لترقيع الإيرادات الضئيلة، التي تضمنت فرض ضرائب جديدة وخاصة زيادة أسعار الوقود، التي فجرت احتجاجات غير مسبوقة في معظم المدن الإيرانية. ويرى محللون أن الإقدام على تلك المغامرة والإصرار عليها حتى بعد تفجّر الاحتجاجات يظهر حجم المأزق المالي والاقتصادي الذي تعاني منه طهران. وقدّم الرئيس حسن روحاني، مشروع الموازنة العامة للعام المقبل، إلى مجلس الشورى، مع شعارات سياسية قائلا إنها موازنة “الصمود والتصدي للحظر المفروض على إيران”. وأضاف أن “الولايات المتحدة وإسرائيل، فشلتا في مخطط تصعيد الحظر ضد الشعب الإيراني، وأن الإحصائيات تشير إلى أن الاقتصاد الإيراني شهد نموا إيجابيا” متجاهلا واقع الانهيار الاقتصادي الشامل. ويرجح محللون اتساع العجز في الموازنة رغم حجمها الضئيل بسبب انغلاق مصادر تغطية النفقات العامة للدولة في ظل اضطراب مواردها جراء تلاشي عوائدها من إنتاج النفط. وسبق أن ذكرت تقارير عالمية أن الاقتصاد الإيراني يتجه إلى انكماش غير مسبوق منذ الحرب الطويلة مع العراق في ثمانينات القرن الماضي بسبب الشلل الذي فرضته العقوبات الأميركية الشاملة. وتشمل الموازنة بيع أصول استثمارية بنحو 99 تريليون ريال وأصول مالية بحوالي 1.24 تريليون ريال، فيما تتوقع عوائد ضريبية وجمركية بنحو 1.95 تريليون ريال، لكن جميع تلك الأرقام الكبيرة لا تزيد على 755 مليون دولار في أقصى التقديرات. 4845 تريليون ريال حجم إيرادات الموازنة الإيرانية لكن قيمتها الفعلية تقل عن 36 مليار دولار وبحسب المشروع، فإن الحكومة ستطرح صكوكا إسلامية بنحو 800 تريليون ريال، فيما يبلغ حجم المبيعات المتوقع للنفط 980 تريليون ريال. وذهب روحاني في إعلانه الاستعراضي إلى القول إنه “بحسب التقديرات، فإن الاقتصاد دون النفط سيسجل فائضا هذه السنة التي تنتهي في 20 مارس المقبل، ومن المؤمل أن تستمر هذه الوتيرة في السنة المالية المقبلة”. وأكد أن موازنة العام الجديدة لا تعتمد تقريبا على إيرادات صادرات النفط، التي سيتم صرفها على المشاريع العمرانية فقط. وتتوقع الميزانية هبوط إيرادات النفط والغاز والمكثفات بنسبة 40 بالمئة، مما يترك ثغرة تعتزم الحكومة سدها باستخدام سندات حكومية وبيع لأملاك الدولة. ويؤكد محللون أن الفجوة أكبر من ذلك بكثير لأن إيرادات النفط تراجعت بما يصل إلى 90 بالمئة. ويتعارض ذلك مع تقديرات صندوق النقد الدولي، الذي يرجح انكماشا غير مسبوق للاقتصاد الإيراني ويؤكد أن طهران بحاجة لأن تزيد أسعار النفط بأكثر من ثلاثة أضعاف مستوياتها الحالية من أجل تحقيق توازن في الميزانية. وأفادت تقارير أولية لوكالات أنباء محلية بأن الميزانية تعتمد على ما يبدو على مبيعات للنفط تتراوح بين 500 ألف ومليون برميل يوميا، في حين تؤكد بيانات المؤسسات العالمية مثل وكالة الطاقة الدولية أنها لا تزيد حاليا على 200 ألف برميل يوميا. وقال صندوق النقد الدولي، إن إيران ستحتاج إلى سعر للنفط عند 194.6 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها للسنة المالية المقبلة التي تبدأ في مارس المقبل. وتوقع أن تسجل طهران عجزا ماليا نسبته 4.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة الحالية، وأن يرتفع العجز إلى نحو 5.1 بالمئة في الموازنة المقبلة التي عرضها روحاني أمس. ومن المستبعد أن تتمكن طهران من زيادة تصدير نفطها في ظل العقوبات الأميركية التي طالت كل من اقترب من منتجات طهران من الطاقة، مما يجعلها في مواجهة مرة أخرى مع الاحتجاجات الشعبية التي تحمّلها تبعات سياساتها في المنطقة التي أدت إلى تلك العقوبات. ويشكك محللون في مدى قدرة طهران على الالتفاف على العقوبات، والذي يبدو أنها تؤكده لتخفيف ضغط الشارع الغاضب. ويثير عدم ذكر المسؤولين لأي معلومات عن سعر النفط وكميات التصدير المستخدمة في الحسابات الشكوك بشأن قدرة إيران على تحقيق الإيرادات المفترضة ضمنيا. وكانت الولايات المتحدة قد أعادت فرض عقوبات على طهران بهدف خفض مبيعات الخام الإيراني، وهي المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، بعدما انسحبت واشنطن العام الماضي من الاتفاق النووي بين قوى عالمية وإيران. وشدد روحاني على أن ”هذه موازنة لمقاومة العقوبات مع أقل اعتماد ممكن على النفط وإعلان للعالم أنه رغم العقوبات فإن بإمكاننا إدارة الدولة”. والميزانية الجديدة أكبر بنحو 10 بالمئة من ميزانية السنة المالية الجارية بالعملة المحلية لكن قيمتها بالدولار أقل بكثير بسبب تراجع قيمة الريال الإيراني، إضافة إلى ارتفاع التضخم، الذي يقول محللون إنه يصل إلى ضعف المعدل الرسمي البالغ 35 بالمئة.
مشاركة :