تشارك ثقافات مختلفة في مهرجان زايد بوصفه ملتقى حضارات الشعوب، فمن يزور المهرجان يعيش تجربة جميلة، يستمع ببانوراما ثقافية حقيقية، ليبقى توالي دورات المهرجان بمثابة تأكيد سنوي بأن العالم حاضر في قلب المهرجان. ولا يقتصر الحضور على مشاهدة الفعاليات والمنتجات المقدمة فقط، بل يتوزع الحرفيون في الأجنحة لينقلوا صورة حية لهذه المهارات من خلال تقديم منتجاتهم التقليدية، التي تعبر عن هذه الثقافات، ومن يتجول في أرجاء المهرجان يتوقف كثيراً عند العديد من الحرفيين، المتمسكين بالحرف اليدوية، المتوارثة حتى اليوم. ونلاحظ الكثير من العدسات، لا تتوقف عن التقاط أدق تفاصيل الحرف، خاصة صناعة الفضيات في الجناح اليمني عند دكان رقم 6، ينبهر بمهارة زهير أحمد الهمداني، الذي يعمل بصمت في صناعة الفضيات والمسابح والخواتم، ومن يقترب منه يجده يحرص على تنعيم وصقل وتنظيف الحجر الروماني، ويقول عن ذلك: تحظى فضيات اليمن بشهرة عربية وعالمية واسعة، نظراً لجمالها ودقة صناعتها وتعدد فنون صياغتها، محتفظة بعطر التاريخ ورائحة الأصالة، كما تعتبر من الصناعات الحرفية الأصيلة التي تعكس الوجه الحضاري للبلاد، وتؤكد تمسك الإنسان اليمني بجذوره العريقة. تاريخ عريق ويضيف: عرفت اليمن منذ ظهور الحضارة اليمنية القديمة بصناعة الفضيات اليمنية، كصناعة الخناجر والسيوف والحلي التقليدية والأواني الفضية والعديد من المشغولات الفضية، وهذا التاريخ العريق للفضة اليمنية يشير بشكل واضح إلى الحرفية اليدوية الدقيقة والمتقنة للأكسسوار اليمني، إذ ترصع وتزين الفضة اليمنية بالعديد من المواد المعروفة والنادرة، كالعقيق اليمني والمرجان الياقوت والعنبر واللؤلؤ والكهرمان، موضحاً أنه يمكن لزوار المهرجان مشاهدة القيام بعمل خاتم من الفضة، بحسب اختيار الزبون الذي يجد أمامه العديد من الأحجار التي يمكن أن تشكل وتوضع في الخاتم، حيث تتنوع الأحجار ما بين الروماني والكرزي والمصدر الأسود والسليماني، الذي يتكون من عدة أنواع، ومن يعشق الفضيات يمكن خلال نصف ساعة أن يحصل على خاتم بشكل جميل. وحول مشاركة الهمداني في مهرجان الشيخ زايد، أشار إلى أن المهرجان جمع كل الدول المشاركة تحت سقف واحد، وبرز العديد من العادات والتقاليد للشعوب، بالإضافة إلى الفلكلور العالمي والأهازيج الشعبية لمختلف الدول والحضارات على مسارح المهرجان، التي تتوزع في الأحياء الشعبية. الزي الليبي ومن اليمن السعيد إلى أرض جناح ليبيا الذي ما زال متمسكاً بالزي التقليدي المعروف باسم «الجرد»، الذي يرتدى في الأعياد والمناسبات، أو خارج البلاد، في إطار الاعتزاز بالتراث، حيث يستقبل مصطفى محمد المصراني من ليبيا الزوار بابتسامته، فخوراً بالملابس التقليدية التي يعرضها ويبيعها لجمهور المهرجان. ويقول: من يقبل على زيارة جناح ليبيا أول ما يلفت الانتباه، الزي التقليدي التي نفتخر به، ويبقى الزي الرجالي، الذي يتكون من 3 قطع هو الأجمل، حيث يتكون الطقم من 3 قطع أساسية، وهي الجاكت يسمى «زبون»، تحته الصديري ويسمى «فرملة»، والسروال العربي الواسع الفضفاض، بالإضافة لجزء فوق الجاكت لمزيد من الأناقة والرسمية، وهو عبارة عن عباءة «جبة» مفتوحة من الأمام، أو مغلقة وتسمى في هذه الحالة «جبة مسكرة»، وقد يفضل البعض ارتداءها مع الزي التقليدي المشنة «الطاقية». ويتابع: نصنع الزي الليبي إما من الصوف الإنجليزي السميك ويطلبه في الغالب المتقدمون في العمر، وكانوا يفضلونه في الشتاء والصيف لأناقته، ويتمسكون به كجزء من إرث آبائهم، والآن بعد تغير أحوال الطقس، فإنهم يطلبونه، لكنهم قد يكتفون بالجاكت أو الصديري في الصيف مع السروال، أما أمام المسجد فدائما ما يفضل ارتداء «لبس الجبة» وتكون ذات نقوش جميلة عليه. ولفت إلى اختلاف الأقمشة الصيفية عن الشتوية، ففي الشتاء تكون أقمشة منا هي السائدة، بينما في الصيف يفضل الكثير أقمشة «سكراتا» لكن يبقى اللبس اليومي لدى الجميع هو «الفراملا»، الذي يناسب الصغار والكبار، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بجوهر الزي وهويته، وحتى تكتمل أناقة اللبس لا بد من ارتداء «الطاقية» التي تكون إما بلون أسود أو أحمر، أما من يقبل على الزواح، ففي الغالب الزي التقليدي الذي يرتدى في هذه المناسبة فهو «بسكل». غزل الصوف مهن وحرف منوعة امتازت بها الأسر المنتجة في الاتحاد النسائي العام، حيث تتنوع الكثير من الحرف التقليدية التي اشتهرت بها النساء، لكن من يشاهد شما القبيسي التي تعمل على صناعة الصوف الأصلي المستخرج من الماعز، يشاهد أدق التفاصيل والخبرة التي تملكها، حيث تعكف على غزل الصوف من خلال مبرومة المغزل، التي تعتبر أداة الحياكة الرئيسة، وتقول عنها شما: هي قطعة مصنوعة من أعواد الشجر المشذب الأملس، في أعلاها قطعة حديدية تسمى «السنارة»، حيث تكون وظيفة المغزل الأساسية برم الصوف والقطن وشعر الماعز. وبينما تعكف شما على غزل الصوف بكل حرفية، تؤكد أن الصوف، أساس مكونات بيت الشعر، الذي يسكنه أهل البادية، خصوصاً في شبه الجزيرة العربية، حيث تأقلم الإنسان مع البيئة القاسية وانتفع بما تجود به البيئة المحيطة به، فبيت الشعر مسكن الصحراء المتنقل مصنوع من شعر الماعز وصوف الأغنام، ويتمتع في المنسوجات الزاهية بألوانها ونقوشها الجميلة. وعن الطريقة التقليدية لحياكة الصوف تقول: تربي النساء المواشي والخرفان، ويقصصن صوفها من فترة إلى أخرى باستخدام أدوات خاصة، وهذا ما أقوم به حيث أملك الكثير من المواشي، وتسمى هذه العملية بـ«الجز»، وبعد ذلك نعمل على غزل هذا الصوف واستخدامه بطرق مختلفة، وتمر عملية غزل الصوف بمجموعة من المراحل، حتى يصبح بشكله النهائي، وهذه المراحل هي قص الصوف من الخرفان، وتنظيفه يدوياً من بعض المواد العالقة فيه، ثم غسله أكثر من مرة بالماء حتى يصبح نظيفاً، وبعد ذلك نشره في الشمس لعدة أيام، حتى يجف تماماً، ويسهل استخدامه وتتابع: يتم بعد ذلك تجفيف الصوف، ثم تنفيشه يدوياً، وبذلك يزيد حجمه، بالإضافة إلى تفكيك كافة العقد منه، وذلك ليسهل غزله، ويتم غزل الصوف جيداً من خلال لفه يدوياً، وذلك من خلال الضغط عليه، حتى يصبح على شكل حبال طويلة ورفيعة، ثم يتم وضع كل حبلين رفيعين من الصوف معاً، ثم برمهما معاً، لتصبح على شكل خيط مبروم وطويل من الصوف. وتضيف: نقوم هنا بتجميع مجموعة كبيرة من خيطان الصوف التي على شكل رزم كبيرة، ووضعها جانباً للتمهيد لصبغها بألوان متعددة ومميزة، وعند غزل الصوف تكون الخيوط الناتجة باللون الأبيض، لذلك فمن الأفضل صبغ هذه الخيوط بألوان عديدة، حتى نحصل على منتجات صوفية مميزة، والصبغ يكون من خلال تحضير أحواض كبيرة ومليئة بالماء الساخن، وإضافة كل لون من الصبغات في حوض، ثم وضع الخيوط في هذه الأحواض، وتقليبها جيداً حتى تصبغ الخيوط جيداً بالألوان المختلفة. الجلود الفاخرة وبزيارة إلى جناح طاجكستان الذي يمتاز بالكثير من المنتجات المحلية، فمن يزور الجناح يكتشف الكثير من الملابس المصنوعة من شعر الغزال والثعالب والأرانب، حيث يشارك محمد نسيم في مهرجان الشيخ زايد هذه المرة بالكثير من المنتجات الطاجكستانية، التي يقول عنها: تشتهر طاجكستان بروائع السجاد الفاخر المصنوع يدوياً، الذي يتسم بجماليات النقش وأسعارها الغالية، نظراً لمواد الخام المصنوعة في صناعة السجاد اليدوي، منها الصوف والقطن والشعر والصوف المهيري والحرير. وما يميز الجناح الطاجكستاني، خاصة عند نسيم، هو توفر الكثير من المعاطف التقليدية التي يطلق عليها «خريد» وهو ذو بطانة صوفية ثقيلة، مناسب للوقاية من برد الشتاء، أيضاً تتنوع المعروضات ما بين الطاقية التي تتميز بأنها صنعت من شعر الغزال أو الخروف، موضحاً أن مشاركته في المهرجان ليست الأولى، بل في كل مرة يشارك من أجل إبراز الهوية والموروث الوطني لطاجكستان، من أجل إظهاره بصورة تعكس روح البلاد وأصالة وعراقة شعبها. الزعفران وعندما تفوح رائحة الزعفران فتأكد أنك بين ربوع جناح أفغانستان، التي تشتهر بهذه الصناعة المحلية والتي غالباً ما تكون من أهم الحرف الأساسية فيها، حيث استطاع سعيد مهديانا أن يجذب زواره برائحة الزعفران الذي يعد الأجود عالمياً والأغلى في أفغانستان، ويزداد الإقبال على شرائه، لما يمتاز به من جودته ويدخل ضمن التوابل، مشيراً إلى أماكن تواجده في منطقة هيرات، حيث يعمل الجميع على استخراجه، وبيعه بأسعار مرتفعة، لما يمتاز به من المذاق والرائحة الفواحة، والذي يستخدم عادة في وضعه بالقهوة أو الأطعمة. «الشالات النسائية» فاطمة إبراهيم البلوشي التي كانت برفقة عائلتها خلال الأسبوع تقوم بزيارة عدة أجنحة، لفت انتباهها الجناح الأفغاني الذي يمتاز بالشالات النسائية، وتقول: ما يميز مهرجان الشيخ زايد أنه يضم الكثير من الفعاليات والمنتجات لمختلف الدول، وكل دولة لها طابع وعادات وتقاليد مختلفة، وتضيف: حبي للشالات الشتوية دفع بي لزيارة جناح أفغانستان للاطلاع على أجمل الشالات التي تمتاز بالنقوش الجميلة والأقمشة ذات النسيج الناعم والألوان الزاهية. صناعة الخناجر أشاد زوار المهرجان ومنهم سلطان حميد المعمري بالجناح اليمني، الذي يضم صناعة الخناجر والفضيات، فقد وجد مطلبه باقتناء عدد من الفضيات والمسابيح وخنجر تقليدي يمني. ويقول عن ذلك: أنتظر مهرجان الشيخ زايد بفارغ الصبر، حيث أجد مبتغاي في هذا المكان، الذي يجمع الكثير من الدول والحرف التقليدية والمنتجات من مختلف الدول والحضارات، وبما أنني أعشق جمع الفضيات، فقد اشتريت مجموعة جميلة من الجناح اليمني، الذي يمتاز بتنوع مقتنياته ومنتوجاته.
مشاركة :