حاكموه عسكريا بعد وفاته.. حكاية ابن عمة ملكة إنجلترا مع فدائى بورسعيد

  • 12/13/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يظل تاريخ محافظة بورسعيد مليئا بالكثير من البطولات التي تتجلى فيها معاني الفداء من أهالي المحافظة، التي تحدت غطرسة و إعتداء ثلاث دول غاشمة ؛ لينجح أهالي الباسلة بدفاعهم عنها و اتحادهم سويًا في الانتصار على دول العدوان الثلاثي .وتأتى عملية خطف الضابط الإنجليزي "مورهاوس" إبن عمة ملك إنجلترا ، وهي الأشهر والتي تحولت فيما بعد الى سياق درامى خصب في أشهر الأفلام التي تحدثت عن بطولة بورسعيد في العدوان الثلاثي ومن بينها فيلم "بورسعيد" للفنان الكبير فريد شوقي ، والفنانة الكبيرة هدى سلطان ، والفنان شكري سرحان ، والفنانة ليلى فوزي.وترجع أسباب تنفيذ تلك العملية عقب تحول بورسعيد بأكملها إلى ثكنة عسكرية، و رائحة الدم في كل مكان، والحزن يخيم على المدينة.فكان 11 ديسمبر عام 1956، من أكثر الأيام بؤسًا و مرارًا التي شهدتها بورسعيد فى سبيل الدفاع عن مصر أرضًا و عرضًا ، فقام ضباط و جنود العدوان الثلاثي بعمل غارات مسلحة وإطلاق رصاص عشوائي بشوارع بورسعيد، وهدموا المنازل بإستخدام القذائف ، و قتلوا النساء و الأطفال ضاربين بالقوانين الدولية عرض الحائط .جاء قرار مجموعة الفدائيين " محمد حمدالله ، محمد سليمان ‏، أحمد هلال‏ ، حسين عثمان ، طاهر مسعد ، و على زنجير " قائد السيارة رقم "57" بالرد على هذه الأفعال ، بعمل كبير يثأرون به لأنفسهم ، بجانب ضرورة أسر ضباط إنجليز ؛ لإستبدالهم بضباط و فدائين مصريين أسرى .اجتمع الفدائيون واتفقوا على خطف "الضابط الإنجليزي مور هاوس" الذي كان معروفًا عنه الغرور و التكبر وكراهية المصريين ؛ ليردوا اعتبار المصريين من جهة ، و لتوجيه ضربة موجعة لملكة و قادة بريطانيا من جهة أخرى .ورصدت مجموعة الفدائيين تحركاته اليومية بالفعل ، و في تمام السابعة صباحًا ، أنتظر الفدائيون مرور الضابط "مورهاوس" بسيارته في شارع رمسيس داخل سيارة سوداء كان رقمها (57 قنال) ، وكلفوا أحد الأبطال من الأطفال كان يقود دراجة باستدراج الضابط الإنجليزي عن طريق سبّه واستفزازه ، عند تقاطع شارعي رمسيس مع صفية زغلول.وبدأ الضابط الإنجليزي في محاولة مطاردة الطفل ؛ ليوقفه و يقتله؛ لأن في ذلك الوقت كان الإنجليز قد منعوا ركوب الدراجات ، بعد أن ‏أستخدمها الفدائيون ‏في رمي القنابل على قوات الإحتلال ، فجرى الضابط وراء الطفل ، محاولًا الإمساك به .وعقب ذلك وصل الطفل إلى أسفل أحد المنازل بشارع جانبي، فنزل الضابط محاولًا الإمساك به و ضربه ، و في وقت سريع ظهر الفدائيون ، حسب الخطة الموضوعة ، و نجحوا في إقناع الضابط الإنجليزي بأنهم ضباط مصريون ، و سيأتون بالطفل له في مكان تجمع معسكر الإحتلال ، ويجب على الضابط أن يرحل حتى لا يتجمع الأهالي حوله و يفتكوا به .و لأن الضابط الإنجليزي كان مغرورًا و بسبب ثقته الزائدة ، قذف ‏الطبنجة الخاصة به في تابلوه السيارة ، فخطفها أحد أبطال المقاومة ، و هي مازالت في الهواء ، ثم قام أبطال المقاومة الشعبية بتقييد حركته.وضع الفدائيون "مورهاوس" داخل السيارة السوداء الخاصة بهم ، وكانت سيارة خدمة المياه ، و كان مسموح لها بالمرور في حظر التجوال المفروض في الشوارع في ذلك الوقت ، وكمموا فم "مورهاوس".و بعد ذلك أنطلق الفدائيون مسرعين إلى شارع النهضة ، ثم شارع عرابي، وأثناء سيرهم قابلتهم دورية إنجليزية ، فاضطروا إلى الدخول إلى بلوكات النظام من الباب الخلفي ، وأحضروا صندوقا حديديًا ، ووضعوه بداخله ، حتى يتمكنوا من الهروب به دون أن يعترضهم أحد .واتجهوا به إلى منزل الدكتور أحمد هلالي ، و هو منزل مواجه لأحد مراكز القيادة البريطانية ، و كان من المستبعد أن يفكر البريطانيون أن ضابطهم موجود داخل هذا المنزل .و بمجرد إختفاء الضابط الإنجليزي "مورهاوس" فرضت القوات البريطانية حصارًا مشددًا على المنطقة ، وقرروا حظر التجوال في الشوارع ، ما جعل الفدائيون لا يستطيعون الوصول إلى صندوق "مورهاوس"، الذي كان موجودًا فيه.وبسبب عدم قدرة الضباط الإنجليز في الوصول لمكان مخبأ "مورهاوس" جن جنونهم ، و قاموا بعمل دوريات تفتيش في كل مكان ببورسعيد، و عمل حصار إبتداء من شارع كسرى حتى طرح البحر ، ومن شارع الأمين حتى شارع محمد على ، و هي منطقة كبيرة جدًا ، و وضعوا الأسلاك الشائكة لمدة ثلاثة أيام.حاولت قوات الاحتلال إرغام البورسعيدية على الإفصاح عن مكان مورهاوس بشتى الطرق ، فعذبوهم بكل وحشية ، و علقوا المشانق ، و فتحوا خراطيم المياه الباردة على المواطنين، وجعلوا المواطنين يحفرون حفرًا بأنفسهم ليُدفنوا فيها ، و لكنهم لم يصلوا إلى شيء أمام صمودهم و عنادهم ، فاضطروا إلى الانسحاب من حي المناخ والعرب إلى حي الإفرنج . عندما وصل الفدائيون إلى المنزل المخبأ فيه مورهاوس ، و فتحوا الصندوق وجدوه ميتًا ، فلم يجدوا مفرًا من أن يقرروا دفنه أسفل سلم المنزل ، و لفظ "مورهاوس" أنفاسه الأخيرة ؛ بسبب شدة الحصار ، وعدم قدرة الفدائيين لدخول العقار المخبأ به ، بجانب وجوده داخل الصندوق بدون أكل أو شرب ثلاثة أيام ، كما أن الصندوق كان مقلوبًا _و بعد مداولات قررت مجموعة الفدائيين تسليم جثة "مورهاوس"، بعد أن قررت القوات المعتدية وقف إطلاق النيران و الإنسحاب من بورسعيد بلا عودة ، مقابل إستلام الأسرى المصريين مقابل جثمان أبن عمة ملكة بريطانيا .وبالفعل تم تسليم الجثة للقوات الدولية ، و للجنة التي شكلها مجلس الأمن ، و كان هناك مجلة تُصدر من بورسعيد بأسم " المقاومة الشعبية " أصدرت أخر عدد لها بعنوان " هدية مصر لبريطانيا الطفل المدلل مورهاوس " ، و وضعها الفدائيون داخل صندوق الجثمان فى رسالة موجعة من البورسعيدية لبريطانيا .وعقب ذلك تم محاكمة مورهاوس عسكريًا في إنجلترا حتى بعد وفاته ؛ بسبب تخاذله و ترك سلاحه و وحدته دون أوامر .لم تقتصر البطولات و التضحيات علي مجموعة خطف مورهاوس ، فمن قبلهم زينب الكفراوى ، و الممرضة فاطمة الأخرس ، و الطفل نبيل منصور ، و السيد عسران ، و البطل محمد مهران ، و عصمت خفاجة ، و فاطمة السيد عمر، و غيرهم من أبناء الباسلة في الدفاع عن تراب مصر و مواجهة قوى العدوان .فهناك العديد من الأبطال الذي قدموا التضحيات ستظل بطولاتهم عالقة في أذهان المصريين ، و ملهمة لإشعال روح الانتماء و الوطنية ، فلو لم تكن بطولاتهم و تضحياتهم ما نعمنا بالعيش علي تراب تلك الوطن

مشاركة :