لا يجوب الروائي والقاص الإماراتي ناصر الظاهري المدن والمناطق العيدة والأماكن المأهولة أو الأثرية عبر نصوصه ومقالاته فقط بل هو يحمل ايضاً كاميراه يلتقط بها مشاهد ومناظر وصوراً تفيض حياة وتعابير ورموزاً. تكمّل الكاميرا مهمة القلم لديه وتتوازى معه ابداعياً حتى ليشعر قارئه عندما ينظر الى صوره انها تخفي قصة او رأياً وموقفاً شاء ان يعبر عنها بالكاميرا وليس بالقلم والكلمات. ولا غرابة في أن تخفي الصور الملتقطة برهافة وإحساس تعبيري، واقعي وشعري، قصصاً وحكايات ترويها الوجوه (البورتريهات) التي ينتقيها بدقة، أو الأمكنة على اختلافها، من آثار ومنازل وشوارع وساحات وبشر يعيشون حياتهم اليومية. لعل معرضه الذي اختار له عنواناً جميلاً هو «خلف ظلالهم البيضاء» والذي سيجول به على مدن عدة، عربية وغربية، انطلاقاً من معرض أبو ظبي للكتاب الذي احتل احدى زواياه، يفاجئ قراء أعماله السردية وقراء زاويته اليومية في جريدة «الاتحاد» معرّفاً إياهم على حرفة أخرى يتقنها هذا القاص والروائي والمعلّق الصحافي بمقالاته المتعددة الآفاق. وليست المفاجأة في كون الظاهري يهوى فن التصوير مثل الكثيرين من الكتّاب ويمارسه على هامش الكتابة بل في احترافيته العالية وخبرته التقنية ومراسه. وبدا من خلال «جداريته» التي ضمّت صوراً لروائيين وشعراء وصحافيين أنه ليس طارئاً على هذا الفن، فهو يقدم في هذه «الجدارية» صوراً غير حديثة لئلا أقول قديمة لكتاب كثر، ما يدل على عراقته في هذا الحقل. بعض الكتاب التقط لهم صوراً في أوج شبابهم وبعض آخر منهم رحل مثل محمود درويش وسعدالله ونوس والطيب صالح ورجاء النقاش وشكري عياد وسميح القاسم... عطفاً على الكتّاب الأحياء ومنهم أدونيس وجهاد الخازن. ولم ينسَ رفاقه الشباب الذين ساهموا في خلق تيار القصة القصيرة الجديدة في الإمارت وفي مقدمهم عبد الحميد أحمد. واللافت في المعرض وكما يوحي العنوان مسعى الظاهري خلف «ظلالهم البيضاء»، ظلال الرجال المتقدمين في الأعمار أو الشيوخ الذين أرخوا لحاهم البيضاء وبانت على وجوههم شآبيب العمر. رجال «محليون» من الإمارات وآخرون من العالم العربي والآسيوي، بحّارة أو فلاحون أو رجال حكمة، التقط الظاهري صورهم ليؤكد أن اللحى يمكن أن تكون رمزاً للجمال المشوب بالشيخوخة، كما للسلام الداخلي والإلفة والحكمة الدينية والتأمل ورهبة الزمن... وأرفق هذه الوجوه واللحى بصورة طاووس نافضاً ريشه الأبيض، الشديد البياض. لكنّ وجوه النسوة والرجال العاديين لم تغبْ عن المعرض، وهي مشبعة بدلالاتها ومعانيها المعلنة أم الخفية. ومن أجمل تلك الصور رجل عجوز يدخّن ما تبقى من سيكاره في أحد شوارع أمستردام. وفي المعرض صور جميلة توثّق حياة أهل الريف الإماراتي في القرى البعيدة والعالية وتمنح فكرةً عن منطقة جبليةٍ ما زال يعيش فيها سكان إماراتيون على الطريقة الطبيعية ببيوتهم الحجر ذات الأبواب الضيّقة. وتحيّة لفلسطين المحتلة عمد الظاهري إلى إنجاز لوحة تجمع بين الفن الفوتوغرافي والكولاج وتقدّم خريطة فلسطين ملفوفةً بالكوفية الفلسطينية وهي تضمّ طفلاً يرفع إصبعيه، كعلامة نصر لا بد أن يأتي يوماً مهما طال الانتظار. ناصر الظاهري مصوّر محترف، وشاء هذا الفن موازياً لإبداعه الأدبي ولكتابته الصحافية. وعينه التي يراقب بها حركة الحياة والبشر والشخصيات التي يكتب عنها أو يستوحيها في نصوصه السردية ومقالاته، هي نفسها عينه التي يلتقط بها الصور والمشاهد مجسداً اللحظة الزمنية العابرة أجمل تجسيد.
مشاركة :