«حجم البضائع المغشوشة الواردة إلى السعودية مخيف وغير طبيعي»، هذه العبارة تتحدث عن حقيقة يعلمها الجميع ويتعاملون معها بشكل يومي، عندما يشتري أي مستهلك بضاعة من السوق السعودي فإن الأصل عنده أن يشك أنها غير أصلية وأن ضررها أكثر من نفعها. ولذلك تبدو العبارة أعلاه طبيعية ومتداولة وأصبحت بدهية لدرجة أنها لم تعد تقال لأنها من توضيح الواضحات، وشرح ما لا يحتاج لشرح. لكن المثير أن قائل هذه العبارة هو وزير التجارة، والحقيقة أني لفرط جهلي بالأنظمة المتبعة المتعلقة بالتجارة والاستيراد والتصدير لا أعلم من هي الجهة التي يلومها الوزير حين يتحدث عن هذه الكارثة، هل يلومني مثلا أم يلوم صاحب البقالة في حارتنا أم صاحب محل «البنشر» في ناصية حاراتنا. أم إنه يلمح إلى جدتي رحمها الله. والغش كله شر ـ كما تعلمون ـ لكن حين تصل هذه الممارسة الإجرامية إلى الأدوية فإن الأمر يعد جريمة مركبة تستحق عاصفة حزم تجاه الغشاشين والقتلة المتخفين. وأسميهم قتلة لأني لا أجد فارقا كبيرا بين مسلح يحمل مسدسا ويقتل الناس في الطرقات أو يقتحم بيتوهم الآمنة، وبين غشاش يبيع أدوية وأطعمة فاسدة للناس. كلاهما مجرمان قاتلان، إلا أن الأول واضح الأهداف يمكن مقاومته أو حتى الهرب من مواجهته، أما الآخر فإنه يقتل الناس بسلاح ثقتهم فيه وفيمن سمح له بأن يمارس القتل البطيء للمجتمع من خلال منتجاته التي «تسم» أبدان الناس. والكارثي في قضية البضائع المغشوشة أنها ليست مثل المخدرات والممنوعات، تدخل تهريبا وتباع في الظلام بعيدا عن أعين السلطات، ولكنها تدخل بطريقة نظامية وتباع في محلات مرخصة، ولذلك لا يمكن إلقاء اللوم على المستهلك، ومعاملته معاملة مدمن المخدرات ويقال له بأن عليه تحمل نتائج اختياراته فهو من اشترى بنفسه ولم يرغمه أحد على هذا الطريق. المستهلك الذي يشتري بضائع ومنتجات نظامية ومرخصة يتوقع الحد الأدنى من الحماية، وأظن أن هذه الحماية مهمة الوزارات والجهات الحكومية وإحداها ـ على حد علمي ـ وزارة التجارة التي تفاجأ وزيرها بأن الغش أكثر من الطبيعي في الأسواق السعودية. وعلى أي حال.. أكتب هذا المقال للدفاع عن نفسي إن كنت أنا المعني بتصريح معالي الوزير، فلست من سمح باستيراد البضائع المغشوشة، ولست من سمح بدخولها ولست من أصدر التصاريح لبيعها في المحلات. وإذا كان قد وصل للوزير كلام من أحد يشي بي وأني أنا من فعل ذلك أو أحد من أفراد أسرتي الأحياء أو الأموات، فإني أؤكد أني وجدتي وسائر أهلي أبرياء من هذا الأمر وهذه الكارثة التي تعبث بأرواح الناس وتقتلهم ببرود.
مشاركة :