الانتخابات الجزائرية تفرز واقعا جديدا

  • 12/16/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عبرتْ القافلة السياسية الجزائرية أولى محطاتها السياسية بإسدال الستار على أول انتخابات رئاسيةٍ تجري في خضم الجدل السياسي العميق الذي تشهده الساحةُ الجزائرية منذ شهر فبراير الماضي ولم يتوقف حتى الآن؛ إذ رفضت المعارضة الجزائرية المشاركةَ في هذه الانتخابات التي انتهت الأسبوع الماضي بفوز المرشح عبدالمجيد تبون بالمنصب الرئاسي بعد مشاركة وصلت إلى حافة الأربعين في المائة (39.93 بحسب «السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات»)، ذلك لأن المعارضة شككت في نزاهة هذه الانتخابات قبل أن تبدأ، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، فالمعارضة تطالب بتغيير جذري للنظام السياسي في الجزائر الأمر الذي من الصعب بلوغه بالتمنيات والأماني. في جميع الأحوال فإن إتمام الانتخابات الرئاسية في الجزائر يعدُّ في حد ذاته انتصارا لجميع الجزائريين، المشاركين في الانتخابات والرافضين لها، ذلك أن الخلافات السياسية رغم عمقها بين مختلف الأطراف الجزائرية، لم تؤد إلى انزلاق البلد نحو المحظور الذي انزلقت إليه دول عربية أخرى، ذلك أن الشعب الجزائري بكل قواه الوطنية على درجة من الوعي بحيث وضع مصلحة الوطن والشعب فوق جميع المصالح والحسابات السياسية الحزبية الضيقة، وهذا يعطي أملا كبيرا وثقة في أن جزائر جديدة تنمو في رحم وطن المليون شهيد. نظرًا إلى الظروف والأوضاع السياسية التي جرت خلالها الانتخابات الرئاسية الجزائرية، فإن مشاركة ما يقارب الأربعين في المائة من الناخبين في هذه العملية، تعدُّ نسبة عالية، صحيح أنها أضعف مشاركة في تاريخ الانتخابات الجزائرية، إلا أنها تعدُّ نسبة غير ضعيفة ومقبولة، بل إن المشاركة الانتخابية في دول عريقة في العملية الديمقراطية، تصل فيها المشاركة إلى دون هذه النسبة، فالعبرة بنجاح العملية في حد ذاتها وفي المناخ الذي جرت فيه هذه الانتخابات. حتى الآن لم تصدر أي ملاحظات تتحدث عن وقوع حالات تزوير أو تدخل للسلطات الجزائرية في سير العملية الانتخابية، فالأخبار التي تداولتها الوسائط الإعلامية الجزائرية قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية تحدثت عن أن حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية البرلمانية، دعا أتباعه إلى دعم مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي في انتخابات الرئاسة عز الدين ميهوبي، لكن الفوز لم يكن حليف هذا المرشح المدعوم من الحزب الحاكم، وهذا مؤشر قوي على عدم تدخل السلطات في سير العملية الانتخابية. الجزائر بحاجة ماسة إلى حلحلة الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد حاليا، فليس أمام جميع الفرقاء سوى خيار واحد وهو النأي بالبلاد عن أي شكلٍ من أشكال التصعيد الذي قد يقود إلى ما هو أسوأ، وسواء اختلفت المعارضة مع السلطة الجزائرية فيما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية، فإن العملية قد أُنجزت وتم انتخاب رئيس جديد للبلاد بطريقة شرعية ووفقا للدستور الجزائري، أضف إلى ذلك فإن إجراء الانتخابات في حد ذاتها خطوة إيجابية على طريقة حلحلة هذه الأوضاع، فمعالجة المطالب المشروعة التي تنادي بها قوى المعارضة أمر لا يختلف عليه أحد، حتى السلطة الجزائرية لم تصد الأبواب أمام هذه المطالب ولكنها تصر على احترام الدستور وخيار الناخبين الجزائريين. فالنهوض بالجزائر وتطوير نظامها السياسي مسؤولية وطنية يجب أن يأخذها الجزائريون جميعهم على عواتقهم، فالعناد السياسي لن يقود إلى تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل، بل على العكس من ذلك فإن من شأن مثل هذا العناد أن يعقِّد المشهد السياسي في البلاد ويلحق الضرر بالعملية السياسية برمتها، وهذا ليس في صالح جميع الأطراف، وليس في صالح الوطن الجزائري قبل كل شيء، فالجزائر تمتلك من الإمكانيات السياسية ما يؤهلها ويمكِّنها من تجاوز هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، وهذه الظروف لم ولن تكون أصعب من تلك التي مرت بها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي ورغم ذلك استطاعت تجاوزها بإرادة أبنائها. الرئيس الجزائري المنتخب وفي أول ظهور رسمي له بعد إعلان فوزه أكد عزمه تحقيق المطالب المشروعة للشعب الجزائري والعمل على تعديل الدستور ومكافحة الفساد واجتثاث جذوره، وهذه الوعود التي أطلقها الرئيس الجزائري تتماشى تماما مع المطالب التي ظلت لصيقة بالحراك الجماهيري وبالتالي، فإن الرئيس يتفق تماما مع هذه المطالب ويدعمها، وعليه يجب أن يحظى الرئيس الجديد بالدعم وليس العكس، فالرئيس منتخب من ما يقارب الأربعين في المائة من الجزائريين الذين يحق لهم التصويت، وهو دستوريا يعدُّ رئيسا شرعيا وبالتالي فإن التمسك برفض النتائج التي جاءت بها الانتخابات إنما هو شكلٌ من أشكال التطرف السياسي الذي لن يضع القاطرة الجزائرية على السكة الصحيحة.

مشاركة :