لا أعلم إلى أي مدى يثق الناس بالطب النفسي، ما مدى فعاليته في بيئتنا الاجتماعية وقدرته على علاج أمراض الناس النفسية. سمعت أن عيادات الأطباء النفسيين تعج بالمرضى، أمر محزن وسار، حزين على المرضى وأتمنى شفاءهم، وسعيد لأن الناس بدأت تفهم أن المرض النفسي لا يعني الجنون ولا يعني وصمة عار، يمرض الإنسان في جسده وفي نفسه وفي عقله، لكن الشيء اللافت للنظر أن كثيراً من الناس على استعداد أن يذهب لطبيب شعبي أو راقٍ يعالج عنده مرضه النفسي ويخجل من الذهاب إلى الطبيب النفسي، كيف يمكن تفسير ذلك؟ عمد الخطاب الشعبي إلى تحريف كثير من الأمراض النفسية إلى أذى يسببه الآخرون، العين السحر على وجه الخصوص، فيرى الناس أن هذا المرض ناتج عن اعتداء قام به آخر حاقد أو كاره كالإصابة في حادث سيارة وبالتالي لا يخجل المصاب من إفشائه، لكن هذا التحريف أدى إلى تحريف أبعد وأخطر. ان صار الناس يفسرون كل ما أصابهم بهذين العاملين اما لتبريرات دينية خاطئة أو للهروب من وصمة العار فيذهبون إلى (راقٍ) يقدم لهم الحل باسم الدين أيضاً. صحيح أن الوهم يعالج بالوهم ولكن المرض الحقيقي يحتاج إلى طبيب حقيقي، حالات كثيرة تتفاقم تتعقد وتصبح حالة مستعصية بعد أن كان علاجها بسيطاً عند الطبيب النفسي المختص. في بلادنا ثمة ثلاثة أنواع من أطباء النفس، الطبيب النفسي المرخص والراقي المعروف بالراقي الشرعي والطبيب النفسي المرخص الذي يخلط بين ما تلقاه من علم وبين الأساليب الشعبية المغطاة بالدين، هذا الأخير نوعان؛ طبيب ذكي يفهم أن كثيراً من الناس لا تقبل الطب النفسي على اعتبار أنه مقصد المجانين. الذهاب إليه للتعالج أمر مخجل فيضطر أن يقدم نفسه للمرضى كراقٍ وراعٍ في نفس الوقت يؤكد على أن الرقية شيء مهم وأساسي. فيأتي إليه الناس تحت ستار الرقية فيستخدم معهم الأساليب العلمية والطبية الحديثة، لكن هناك طبيباً آخر مرخصاً له علمياً يتستر بالدين لتحقيق المكاسب على حساب دينه وعلى حساب أخلاقيات المهنة، اكتشف أن الطب النفسي (ما يوكل عيش) فيسلك مسالك الرقاة البارعين: الضرب والنفث وإخراج الجن وفك السحر وخلافه، يزيد المريض مرضاً ويحشوه بالخرافة، كارثة هذا النوع من الأطباء أكبر وأخطر من كارثة الرقاة الدجالين، يؤصل الخرافة بالعلم. لا أعلم ما دور وزارة الصحة في مراقبة ومتابعة هذا الطب الذي ييسر لممارسيه التلاعب به وتوظيفه إما لمصالح شخصية أو لمصالح إيديولوجية؟
مشاركة :