اختتمت في قاعة الأوبرا، بمدينة الثقافة وسط العاصمة تونس، فعاليات الدورة الـ21 من مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتتويج العرض المسرحي المصري “الطوق والإسورة” لفرقة مسرح الطليعة بجائزة أفضل عمل مسرحي متكامل. وسبق أن حاز العرض، أيضا، على جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في الدورة الـ11 من مهرجان المسرح العربي في القاهرة، الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح في بداية العام الحالي. وكيّف نص العرض الكاتب والمخرج المسرحي سامح مهران عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الراحل يحيى الطاهر عبدالله، وأخرجه ناصر عبدالمنعم، وشارك في تمثيله فاطمة محمد علي، مارتينا عادل، أشرف شكري، أحمد طارق، محمود الزيات، شريف القزاز، شبراوي محمد، سارة عادل ومحمد حسيب. وكان العرض قد أعيد بعد مرور 22 عاما على تقديمه أول مرة. المرأة الصعيدية المستلَبة يجسد العرض شخصية المرأة المصرية الصعيدية المستلَبة حقوقها، ويثير قضية الاضطهاد المزدوج الذي تعانيه من السلطة الذكورية، ويصوّر معاناة الأسرة الفقيرة التي تكابد الحرمان والفقر، وتصبح ضحية للخرافات والخيالات الشعبية، ليطرح تساؤلات ما بين الماضي والحاضر، ويكشف السلبيات المطمورة في الموروث الشعبي ومجتمع يرى أن عقل المرأة ناقص! وقد حاول المخرج ناصر عبدالمنعم دمج المتلقي مع العرض وجعله جزءا منه ومن بيئته وتاريخه عبر السينوغرافيا؛ مستخدما معبرا خشبيا جسرا بين خشبة المسرح وخلفية الصالة التي بنى فيها خشبة ثانية لتظهر إحداهما البيت الريفي بكل تفاصيله البسيطة المتواضعة من جهة، والمعابد الفرعونية وفخامة المعمار المهيب من جهة أخرى. وتتناوب الأحداث على هاتين البقعتين، إضافة إلى الحركة على المعبر. وبرزت في العرض شخصية “فهيمة” كبطلة تراجيدية، تلقى حتفها بسبب الجهل والخرافة، بعد أن واجهت حياة قاسية وتحملت أوجاع أسرتها، كما فشلت في زواجها وحملها من حارس المعبد، وغدر الشيخ “هارون” (رجل الدين) بها، ما جعلها ضحية تواجه نظرة المجتمع الدونية، الذي عدّها رمزا للعهر، وتسبّب ذلك في تدهور حالتها النفسية، حتى أصبحت أكثر بؤسا وحزنا. يذكر أن رواية “الطوق والإسورة” جرى تكييفها للسينما، أيضا، عام 1986، في فيلم أخرجه خيري بشارة، ومثله عزت العلايلي، فردوس عبدالحميد، شريهان، عبدالله محمود، أحمد عبدالعزيز، أحمد بدير ومحمد منير. إلى جانب جائزة العرض المتكامل، حصد المخرج المغربي محمد الحر جائزة أفضل إخراج عن عرض “سماء أخرى”، وذهبت جائزة أفضل نص مسرحي للكاتب العراقي عبدالنبي الزيدي عن مسرحية “كلب الست”، التي قدمتها فلسطين، وكانت جائزة أفضل أداء نسائي من نصيب الممثلة التونسية نادية بوستة عن دورها في عرض “سيكاتريس” (ندب)، أما جائزة أفضل أداء رجالي فقد نالها الممثل العراقي رائد محسن عن دوره في عرض “أمكنة إسماعيل” إخراج إبراهيم حنون. فيما نال عرض “مدق الحناء” من سلطنة عمان جائزة أفضل سينوغرافيا. وتتميز حكاية “مدق الحناء” منذ البداية بالغرابة الساحرة، فكأنها حكاية من حكايات الجدات القديمة، حكاية تُهدهد جمهورا يشاهد العرض بأعين مفتوحة وعقول حائرة، لكأنها حكاية قريبة بعيدة، جديدة غريبة، فهذه سفينة “نوح” وهؤلاء البشر حولها قد جاؤوا من عصور بائدة. وفي تلك المدينة “غير الفاضلة” يمارس ربان السفينة “رسلان” بطشه وظلمه على سكان حقل الحناء، وهناك أيضا رجل عميل اسمه “هجرس” (قام بالدور عبدالحكيم الصالحي) يتآمر مع الطاغية ويبيع ضميره ويقتل صديقه طمعا في رضا الربان، وتحاول أمه (قامت بالدور زينب البلوشي) التي تدق الحناء بواسطة مدق تقليدي عملاق في أغلب فصول المسرحية، وكأنها في حركة نضال متواصل ومنتظم للحفاظ على خصوصية هوية مزارعي الحناء وتقاليدهم، تحاول لومه، لكن هجرس لا يتراجع ويكون فناؤه بيده حينما يستسلم للرحي داخل مدق الحناء، فتكون لحظات الوداع بين الأم والابن الضال وداعا مرا يليق بمأساة هجرس الخائن على وقع أنغام شعبية تنشدها الجوقة الموسيقية. وفي المسرحية أتقن المخرج يوسف البلوشي توظيف الموروث التقليدي العماني والإنساني عموما توظيفا فنيا مُتماسكا، باعتماد تقنيات المسرح الحديث، سواء على صعيد تأمين تناسق الإضاءة والسينوغرافيا والمشاهد والأزياء، أو على صعيد انسجام الأحداث الحركية والأحداث النفسية التي عاشها الشخوص طوال العرض. المهرجان كرّم في حفلة الختام مجموعة من المسرحيين العرب لإسهاماتهم الكبيرة في الارتقاء بأبي الفنون وكانت أيام قرطاج المسرحية قد انطلقت في 8 ديسمبر، تحت شعار “عيش الفن”، بمشاركة أكثر من 100 عرض مسرحي من جميع أنحاء العالم، منها عروض مسرحية في الفرجة الحديثة من بلدان أوروبية كفرنسا، إيطاليا، سويسرا وبريطانيا. وشارك في المسابقة الرسمية 14 عرضا تونسيا وعربيا وأفريقيا هي “سيكاتريس” لغازي الزغباني و“تطهير” لمعز حمزة (تونس) “الطوق والإسورة” (مصر)، “الوحش” لجاك مارون (لبنان) “أمكنة إسماعيل” لإبراهيم حنون (العراق)، “كيميا” لسليم عجاج (سوريا)، “قلادة الدم” لمجد القصص (الأردن)، “إلى ريا” لجمال صقر (البحرين)، “بذور الشر” لمهند كريم (الإمارات)، “سماء أخرى” لمحمد الحر (المغرب)، “أبوكمونة/ كلب الست” لطارق القبطي (فلسطين) و”مدق الحناء” ليوسف البلوشي (سلطنة عمان). واقتصر الحضور الأفريقي في المسابقة على دولتيْ ساحل العاج والسنغال من خلال عرضي “فتاة الحانة” للويس مارك وسوو سليمان، و”من أين تذهب؟” للمخرج برونجار بروك. وتكونت لجنة التحكيم من المسرحي التونسي رؤوف بن عمر (رئيسا)، وعضوية صالح القصب (العراق)، جمال ياقوت (مصر)، كوفي كوالي (ساحل العاج)، عبدالواحد بن ياسر (المغرب) وكمال العلاوي (تونس). احتفال بالجمال شهدة حفلة الختام تكريم مجموعة من المسرحيين العرب هم المخرج المصري سمير العصفوري، المخرج اللبناني روجي عساف، الكاتب التونسي عزالدين المدني، الناقد التونسي محمد مومن، الممثلة المغربية ثريا جبران والمخرج والحكواتي التونسي محمد رجاء فرحات. كما منح المهرجان مجموعة جوائز في إطار المسابقة غير الرسمية للأيام، منها جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي التي نالها الناقد والكاتب المسرحي وأستاذ الجماليات التونسي عبدالحليم المسعودي، وجائزة أفضل تقنية من إهداء الاتحاد العام التونسي للشغل للمسرحي التونسي زين عبدالكافي عن مسرحية “قمرة الدم”، وحصد عرض “زوم” للمسرحي التونسي الهادي عباس جائزة “نجيبة الحمروني” لنقابة الصحافيين التونسيين، وفاز عرض “سوق سوداء” للمسرحي التونسي علي اليحياوي بجائزة التنوع الثقافي للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، فيما فاز عرض “رسائل الحرية” للمخرج التونسي حافظ خليفة، وكاتب السيناريو عزالدين المدني بجائزة أفضل عمل ناطق باللغة العربية الفصحى من إهداء المنظمة العربية للتربية والثقافة (الألكسو). وقال مدير المهرجان حاتم دربال إن هذه الدورة نجحت نجاحا قياسيا بفضل تميز عروضها المسرحية وجودة مضامينها، مضيفا أن جمهور الفن الرابع في هذه الدورة كان في لقاء مع أكبر الفنانين المسرحيين والنقاد العرب والأفارقة. وأشار دربال إلى أن المهرجان حافظ على هويته، التي تأسّس من أجلها عام 1983، بوصفه مهرجان “جنوب جنوب” الذي يهتم بالمسرح العربي والأفريقي والأميركي اللاتيني والجنوب آسيوي. وأكد أن اختيار هذا التوجه يهدف إلى الانفتاح على التجارب المسرحية المجددة والفرجة العالمية الحديثة. ومن جانبه، قال رئيس لجنة التحكيم رؤوف بن عمر إنه “رغم الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي، حاولنا أن نتنفس جرعات من الفن المسرحي في محاولة لنسيان هذا الواقع المتشنج”. وأضاف “احتفلنا بالجمال خلال هذه الدورة بفضل اجتهاد كل المبدعين والحضور الجماهيري الكثيف والرائع، إضافة إلى الزخم الفكري والثقافي الكبير“.
مشاركة :