شراكة كامب ديفيد الاستراتيجية بين الخليج وأميركا

  • 5/21/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أكتب هذا الأسبوع من واشنطن، حيث عُقدت أول قمة بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، يومي 13 و14 مايو 2015. تناول اجتماع اليوم الأول الذي عُقد في البيت الأبيض، التزام أميركا بأمن دول مجلس التعاون ومنطقة الخليج. وركزت اجتماعات اليوم الثاني التي عُقدت في "كامب ديفيد"، المنتجع الرئاسي قُرب العاصمة الأميركية، على مواضيع محددة عكسها البيان الختامي، تشمل تفاصيل الالتزام الأميركي بأمن دول المجلس، ومكافحة الإرهاب، والصراعات الإقليمية، ودور إيران في زعزعة استقرار المنطقة، إضافة إلى ملفها النووي. الهدف الأساس الذي انتظم كل هذه المواضيع هو سُبل تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، من خلال التعاون الجماعي بين منظومة مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية. نجحت القمة أكثر مما كان متوقعا، إذ ناقشت بصراحة مصادر القلق التي سبق أن أثيرت في المنطقة بشأن الاتفاق النووي مع إيران، والتزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، والتعاون الخليجي الأميركي، خصوصا في المجالات الأمنية والعسكرية، فضلا عن مناقشة وتنسيق الموقف من الصراعات الإقليمية. كان من أهم علامات نجاح القمة اتفاق الجانبين على رفع مستوى علاقتهما إلى "شراكة استراتيجية"، لأول مرة في تاريخ العلاقات الخليجية-الأميركية. وحتى لا يبقى ذلك مجرد شعار، اتفقا على تفاصيل تلك الشراكة في الوثائق التي اعتمدها القادة في هذه القمة. ومع أن تركيز الإعلام قبل القمة كان على الملف النووي الإيراني، إلا أن الاجتماع في حقيقته كان أعم من ذلك. وقد بدأ التفكير في عقد القمة منذ فترة، في إطار مناقشات "منتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة" الذي انطلق في مارس 2012، وفي ضوء عدم الاستقرار الذي عمّ المنطقة العربية منذ 2011. في العام الماضي بدأت الاستعدادات لعقد القمة بشكل حثيث، وعقدت اجتماعات وزارية وفنية عدة للتحضير لها، كان آخرها اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين مع نظيرهم الأميركي جون كيري في باريس 8 مايو 2015، وكان لهذه التحضيرات المعمقة دور في عمق قرارات القمة وشموليتها لمواضيع كثيرة. كان الجانب الأميركي، خصوصا في الاجتماعات التحضيرية، حريصا على شرح تفاصيل الاتفاق النووي كافة، ولذلك اقتصرت نقاشات القمة على مناقشة الموضوع بصفة عامة. وأقرّ الجانب الأميركي بأنه ما زالت هناك فجوات في الاتفاق الإطاري، وأكد مرة أخرى استعداده للانسحاب من المفاوضات وعدم استكمالها، في حل ظلت تلك الفجوات دون الاتفاق عليها. وفي نهاية المطاف، اتفق الجانبان على موافقة مشروطة للاتفاق النووي، كما جاء في البيان الختامي: "إن اتفاقا شاملا يتيح الرقابة والتحقق ويبدد كافة المخاوف الإقليمية والدولية بشأن برنامج إيران النووي سيخدم المصالح الأمنية لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة والمجتمع الدولي على حد سواء"، وأضافا إضافة ذات مغزى لهذا الاتفاق: "تعارض الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وستعملان معا للتصدي لأي أنشطة إيرانية تزعزع الاستقرار في المنطقة، وتشدد على ضرورة أن تتعاون إيران في المنطقة وفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سلامة الأراضي بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة أن تقوم إيران باتخاذ خطوات فعلية وعملية لبناء الثقة وحل النزاعات مع جيرانها بالطرق السلمية". وفي شأن الموضوع الأساس، وهو التزام أميركا بأمن دول المجلس، كانت هناك بعض الشكوك قبل القمة، وتم تناولها في القمة بشكل مفصل. وأوضح الجانب الأميركي التزامه بالسياسية التي اتبعتها أميركا منذ عهد الرئيس روزفلت، بل تعدّت ذلك بشكل ملموس، حين وضحت بالتفصيل عناصر تلك السياسة التي لا تقتصر على دعم استقلال وسلامة أراضي دول المجلس، بل تشمل تعهدا "لا تردد فيه" بالتعاون معها لصد أي عدوان خارجي أو تهديد به، باستخدام جميع وسائل القوة المتوافرة لديه، بما فيها التدخل العسكري، على نحو ما حدث في حرب تحرير الكويت. وأوضح الجانب الأميركي أنه ليس هناك أي صفقة مع إيران، عدا عن الاتفاق النووي، بشأن دورها في المنطقة، مؤكدا عزمه على العمل مع دول المجلس للتعامل مع تدخلات إيران في المنطقة. وطالبت إيران بأن تتخذ "خطوات عملية وفعلية" لبناء الثقة مع جيرانها وحل خلافاتهما بالطرق السلمية. ناقش الجانبان كذلك التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة إرهاب تنظيمي داعش والقاعدة، ووضعا أسسا لمعالجة الصراعات الإقليمية في سورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان، بما في ذلك: "الإدراك المشترك بأنه ليس هناك حلّ عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة التي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة الدول كافة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحاجة إلى وجود حكومات في تلك الدول تشمل المكونات كافة في المجتمعات التي تعاني مثل هذه الصراعات، وكذلك حماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان". وتوضح وثائق القمة تفاصيل الالتزام الأميركي بأمن دول المجلس، ولضمان استمرارية العمل مستقبلا، وسرعة تنفيذ قرارات كامب ديفيد، اتفق الجانبان على تعزيز آليات العمل في "منتدى التعاون الاستراتيجي" الخليجي الأميركي، وأن تُعقد قمة أخرى للقادة في 2016، إضافة إلى تكثيف الاجتماعات الوزارية، لتشمل بالإضافة إلى وزراء الخارجية والدفاع، وزراء الداخلية والاقتصاد وغيرها من مجالات عمل المنتدى، إضافة إلى اجتماعات فنية لذوي الاختصاص من الجانبين، وذلك "بهدف تعزيز وتقوية الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة التي أعلن عن انطلاقها اليوم"، حسب نص البيان الصادر في يوم 14 مايو 2015.

مشاركة :