كشفت دراسة جديدة أن البشر يتعرضون لمواد كيميائية مسببة لاضطرابات الهرمونات أكثر مما كان يُعتقد سابقاً. وقالت باتريشيا هانت، الباحثة في جامعة ولاية واشنطن، والتي تعتبر أول من اكتشف أن مادة «بيسفينول A» أو «BPA» هي مادة سامة وخطيرة في البلاستيك، وقد تتسبب بالسرطان وغيره من الأمراض والاضطرابات، إنها طوّرت طريقة جديدة لقياس مستويات هذه المادة. في الدراسة التي نشرت في مجلة ذي لانسيت لأمراض السكري والغدد الصماء، كشفت الدكتورة هانت أن الأداة الجديدة تظهر أن الحد «الآمن» من مستويات ال «BPA» في منتجات البلاستيك والمنصوص عليها في معايير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، غير دقيقة، حيث إنها في الواقع أعلى ب 44 مرة مما تعتبره الدكتورة هانت آمناً. قلق متزايد وقد تزايد القلق بين العاملين في مجال الصحة عقب صدور سلسلة كبيرة من الدراسات تربط بين هذه المادة الكيميائية وبين تزايد خطر الإصابة بأمراض السرطان وأورام الخلايا والإجهاض والعيوب الخلقية. وقالت الدكتورة هانت، المسؤولة عن الورقة البحثية الجديدة: «هذه الدراسة تثير مخاوف جدية حول ما إذا كنا حريصين بما فيه الكفاية على السلامة العامة عند استخدام هذه المادة الكيميائية». وتضيف: «إن الدراسة تخلص إلى أن الاستنتاجات التي توصلت إليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية حول كيفية تنظيم استخدام مادة البيسفينول A، ربما كانت تستند إلى معايير غير دقيقة». وتختلف معايير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية حول المقدار المسموح به لاستخدام البيسفينول A استناداً إلى المنتج. وبشكل عام، يقال إن هذه المواد الكيميائية «آمنة» وأن الناس الذين يتعرضون لجرعات منخفضة منها ليسوا في خطر. ومع ذلك، في عام 2012، عدلت الإدارة الأمريكية لوائحها وحظرت استخدام ال «BPA» في زجاجات وأكواب الأطفال. وخضعت المنهجية التي تستخدمها إدارة الغذاء والدواء لتحديد ما هو «آمن» و«ضار» للفحص الدقيق من قبل عدد من العلماء، بما فيهم الدكتورة هانت التي قادت هذه المبادرة. اضطرابات هرمونية واكتشفت هانت أن مادة البيسفينول A كان لها تأثير على إنتاج الحيوانات المنوية والبويضات والكروموسومات الذكرية والأنثوية. وأشارت إلى أن المواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في المواد البلاستيكية على نطاق واسع، بما في ذلك البارابين والفثالات ومثبطات اللهب، تؤدي إلى اختلال الغدد الصماء، وقد تؤثر بشكل مماثل لتأثيرات «BPA» في الخصوبة، ما يتطلب المزيد من الدراسات بشأن هذه المواد. وأدركت هانت منذ فترة طويلة أن قياس تعرض البشر للبيسفينول A هي عملية صعبة، إلا أنها سبب إضافي لأخذ الحيطة والحذر وإجراء المزيد من الأبحاث حول ذلك. لذلك، طورت طريقة جديدة لاختبار مدى تعرض الناس للمادة الكيميائية وتحديد المخاطر حيال ذلك. ووفقاً للدكتورة هانت وفريقها البحثي، فإن معظم الدراسات تعتمد على طريقة تقليدية لقياس كمية ال «BPA» في بول الإنسان، وهي من خلال وضع مستقبلات المادة الكيميائية في محلول إنزيمي، وهو قياس غير مباشر. وبدلاً من ذلك، ابتكرت الدكتورة هانت طريقة لتقييم المستقبلات مباشرة. وقال روي جيرونا، المؤلف المشارك في الدراسة: «آمل أن تجذب هذه الدراسة الانتباه إلى المنهجية المستخدمة لقياس مستويات البيسفينول A في منتجات البلاستيك، وقيام الخبراء بإلقاء نظرة فاحصة وتقييم العملية بشكل مستقل». وتحذر هانت من أن طلبنا المتزايد على البلاستيك يمنح الشركات قوة دافعة لتجاوز التوصيات، مشيرةً إلى أنه لا يمكن للهيئات التنظيمية مواكبة وتيرة المواد الكيميائية الجديدة التي تدخل السوق، ما يسمح للشركات اعتماد بدائل لم يتم اختبارها بشكل جيد كحل سريع لمنتجاتها الحديثة. البرابين والتريكلوسان البرابين هو عبارة عن مواد كيميائية تسبب اضطراباً في الهرمونات، وتستخدم مواد حافظة لمستحضرات العناية بالبشرة ومستحضرات التجميل ومنتجات الشعر. وتحاكي هذه المواد عمل الاستروجين وقد تسبب السرطان وزيادة الوزن وتقليل كتلة العضلات. في حين أن مادة بيسفينول (BPA) الكيميائية المسماة «مثبط الهرمونات» تضاف إلى أوراق قسائم الإيصال لجعل كتابتها تبدو أغمق من دون الحاجة إلى الحبر. وتتفاعل هذه المادة مع مستقبلات هرمون الأستروجين وهرمونات الغدة الدرقية، وتم ربطها بالإصابة بالعقم والتوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه «ADHD»، والسمنة والسكري من النوع الثاني والولادة المبكرة والبلوغ المبكر. ودفعت المخاوف الصحية إلى استبدال البيسفينول A ببديل «أقل ضرراً» وهو بيسفينول S (BPS)، ومع ذلك تشير الأدلة إلى أن الأخير يعرقل نمو الجنين في الرحم. كما أن التعرض لمادة البيسفينول A والتي توجد في بطانة معلبات الأطعمة، أدى أيضاً إلى حدوث نفس الالتهابات والتغييرات البكتيرية في الأمعاء لدى الفئران المصابة بداء كرون أو التهاب القولون التقرحي. وحظرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام البيسفينول A في زجاجات الأطفال، بينما حظرت المفوضية الأوروبية إضافة المادة إلى الإيصالات بدءاً من عام 2020. من جهة أخرى، تم ربط التريكلوسان، الذي يُضاف إلى منتجات العناية الشخصية لمنع التلوث الجرثومي، بتدهور صحة القلب وانخفاض نشاط الغدة الدرقية. كما أنه يضاف إلى الصابون المضاد للبكتيريا وشامبو الجسم ومعاجين الأسنان ومستحضرات التجميل وكذلك بعض الملابس والأثاث ولعب الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تحفّز هذه المادة الكيميائية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية بشكل مباشر. وتم حظر المادة الكيميائية في الصابون في الولايات المتحدة قبل عامين، ولكن لا يوجد مثل هذا الحظر في المملكة المتحدة. وقالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إن الصابون المضاد للبكتيريا المحتوي على التريكلوسان، ليس أكثر فعالية من الماء الساخن والمنظفات العادية في قتل البكتيريا والميكروبات.
مشاركة :