يمكن أن تتحقق المخاطر أيضا من خلال الاقتصاد الأوسع، ولا سيما إذا كان التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون مفاجئا "أي جاء بعد فترة لم تشهد أي إجراءات في هذا الاتجاه" أو غير مصمم بدقة أو صعب التنسيق على المخاطر المادية، أحداث الطقس المتطرفة والتغيرات المناخية التدريجية، والآثار المرتدة السلبية نتيجة تشديد الأوضاع المالية، والخسائر السوقية، "الأسهم والسندات والسلع الأولية". وتنشأ المخاوف بشأن الاستقرار المالي عندما تتغير أسعار الأصول سريعا نتيجة تحقق المخاطر الانتقالية أو المادية غير المتوقعة. ويوجد بعض الشواهد على أن الأسواق تضع في اعتبارها مخاطر تغير المناخ ولو جزئيا عند تحديد الأسعار، لكن أسعار الأصول قد لا تعكس كليا حجم الضرر المحتمل وأثر السياسات اللازمة لتخفيض الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين أو أقل. ازداد إدراك البنوك المركزية وهيئات التنظيم المالي لانعكاسات تغير المناخ على الاستقرار المالي. فعلى سبيل المثال عكفت شبكة البنوك المركزية والأجهزة الإشرافية المعنية بالنظام المالي الأخضر، وهي مجموعة متنامية تضم حاليا 42 عضوا على دمج المخاطر المرتبطة بالمناخ في نظم الإشراف ومراقبة الاستقرار المالي. ونظرا للتحولات الكبيرة في أسعار الأصول والخسائر الضخمة المرتبطة بالطقس التي قد تنشأ عن تغير المناخ، ينبغي تكييف السياسات الاحترازية لمراعاة المخاطر المناخية النظامية، من خلال إلزام المؤسسات المالية على سبيل المثال بإدراج سيناريوهات المخاطر المناخية في اختبارات القدرة على تحمل الضغوط. وفي المملكة المتحدة، قامت أجهزة التنظيم الاحترازي بإلزام شركات التأمين بدمج سيناريوهات تغير المناخ التي تغطي المخاطر المادية والانتقالية في اختبارات القدرة على تحمل الضغوط. غير أنه توجد تحديات مهمة تؤثر في جهود دمج مخاطر المناخ في الأطر التنظيمية. فالقياس الدقيق لمخاطر المناخ يتطلب تقييمها على مدى زمني طويل باستخدام أساليب منهجية جديدة حيث تعكس الأطر الاحترازية المخاطر الفعلية بدقة. ومن الضروري أن نضمن أن جهود دمج مخاطر المناخ ستؤدي إلى تعزيز النظم الاحترازية وليس إلى تقويضها. فسياسات مثل السماح للمؤسسات المالية بالاحتفاظ برأسمال أقل مقابل الديون بسبب تصنيفها ديونا خضراء قد يؤدي إلى آثار سلبية مرتدة، من خلال ارتفاع نسبة الرفع المالي وعدم الاستقرار المالي في حال لم تكن المخاطر الأساسية لهذه الديون قد تم تحليلها وقياسها بدقة. وسيؤثر تغير المناخ على السياسة النقدية أيضا من خلال إبطاء نمو الإنتاجية "عن طريق إلحاق الضرر بالصحة والبنية التحتية على سبيل المثال" وزيادة عدم اليقين وتقلبات التضخم. ويمكن أن يبرر ذلك تكييف السياسة النقدية للتأقلم مع التحديات الجديدة في حدود مهام ومسؤوليات البنوك المركزية. وينبغي أن تعدل البنوك المركزية أطر عمليات إعادة التمويل، حيث تتضمن تحليل مخاطر المناخ، مع إمكانية إجراء تخفيضات أكبر على قيمة الأصول المعرضة لمخاطر مادية أو انتقالية ملموسة. ويمكن للبنوك المركزية أيضا أن تبادر بدمج اعتبارات الاستدامة في القرارات الاستثمارية الخاصة بالحوافظ التي تديرها "أي الصناديق الخاصة بها وصناديق معاشات التقاعد، وكذلك الاحتياطيات الدولية قدر الإمكان" كي تكون مثالا يحتذى للمؤسسات الأخرى، وذلك حسب توصيات شبكة البنوك المركزية والأجهزة الإشرافية المعنية بالنظام المالي الأخضر. في تقريرها الشامل الأول الصادر عام 2019. لتسعير الكربون وغير ذلك من سياسات المالية العامة دور كبير في الحد من الانبعاثات وتعبئة الإيرادات وضع سعر للتلوث، لكن القطاع المالي له دور مكمل ذو أهمية في هذا الصدد. فالمؤسسات والأسواق المالية توفر حماية مالية بالفعل من خلال التأمين وغيره من آليات تقاسم المخاطر، مثل سندات الكوارث، لاحتواء جزء من تكلفة الكوارث. لكن النظام المالي يمكنه الاضطلاع بدور أساس أكبر من خلال تعبئة الموارد اللازمة للاستثمار في تدابير التخفيف من حدة التغيرات المناخية "الحد من انبعاثات غاز الدفيئة" والتكيف بناء الصلابة في مواجهة تغير المناخ استجابة للإشارات السعرية، مثل أسعار الكربون. وبعبارة أخرى، إذا تمكن صناع السياسات من تنفيذ سياسات لتسعير العوامل الخارجية وتقديم حوافز للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، يمكن للقطاع المالي المساعدة في تحقيق هذه الأهداف بكفاءة. وتقدر الاستثمارات العالمية اللازمة للتصدي لتغير المناخ بتريليونات الدولارات الأمريكية، ويبلغ حجم الاستثمارات في البنية التحتية فقط نحو ستة تريليونات دولار أمريكي سنويا حتى عام 2030، وسيتم تنفيذ معظم هذه الاستثمارات على الأرجح من خلال وساطة النظام المالي. ومن هذا المنظور، يمثل تغير المناخ للقطاع المالي مصدرا للفرص والمخاطر في الوقت نفسه... يتبع.
مشاركة :