الحوافز الضريبية تفسد بيئة الاستثمارات الأجنبية المباشرة

  • 5/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرا ما لجأت حكومات الدول المتقدمة لتوظيف الحوافز الضريبية بهدف جذب الشركات الراغبة في إنشاء فروع لها وتوفير فرص العمل وتنشيط الأداء الاقتصادي. لكن هذه السياسة تتطلب في الكثير من الدول النامية والدول ذات الاقتصادات الصغيرة بيئة محلية مشجعة. ويعتقد مناصرو جذب الاستثمارات أن الإعفاءات الضريبية إلى جانب البنى الأساسية المتطوة وقوة العمل المدربة، يمكن أن تمنح بلادهم ميزة تنافسية وفرصة لدخول أسواق جديدة. لكن منتقدي هذا التوجه يعتقدون أن المشكلة التي تنتج عن الإعفاءات الضريبية هي أنها تكافئ الشركات على قرارات استثمار كان من الممكن اتخاذها بشتى السبل وعلى حساب نصيب الحكومات من عائدات الاستثمار. وقد ازدادت كثافة تلك المحفزات في الدول النامية. يكشف تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الإعفاءات الضريبية كانت شبه معدومة في دول إفريقيا شبه الصحراوية على سبيل المثال حيث لم يكن فيها مناطق حرة نهائياً عام 1980 بينما كانت نسبة 40% منها تمنح إعفاءات ضريبية محددة المدة. وبحلول عام 2005 صارت لدى 50% منها مناطق حرة بينما ارتفعت نسبة الدول التي تمنح إعفاءات ضريبية إلى 80%. ولم يقتصر الأمر على الإعفاءات الضريبية بل إن العديد من مناطق ودول العالم اليوم وحتى مدنه، توفر تسهيلات استثمار تبدأ بالقوانين المشجعة ولا تنتهي عند استغلال الموارد الطبيعية، وكله في سبيل زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لكن أي من تلك الحوافز يصب في مصلحة بلوغ الهدف؟ المعروف أن الحكومات تقيس اليوم قيمة حوافز الاستثمارات الأجنبية المباشرة باستخدام عدد من المعايير. فمعظم الدول تأخذ في الاعتبار طول أمد الاستثمار، وعدد فرص العمل التي تنتج عنه، وطبيعة الأنشطة التي تترتب عليه، وحجم الأموال المخصصة للمشروع واحتمالات نقل التقنيات والخبرات. وقد تراجعت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم بنسبة 8% عام 2014 لتصل إلى 1.26 تريليون دولار مقارنة مع عام 2013 بسبب تزايد الاضطرابات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين التي تلف اقتصاد العالم. وفي هذه البيئة غير المشجعة ارتفع نصيب كل من الصين والهند بنسبة 4% ليصل إلى 700 مليار دولار. كما بلغ نصيب اقتصادات الدول النامية 56% من إجمالي حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالمياً. وتصدرت الصين دول العالم من حيث استقطاب تلك الاستثمارات متقدمة على الولايات المتحدة لأول مرة منذ عام 2003 بمبلغ 128 مليار دولار علماً بأن الاقتصاد الصيني مرشح لأن يحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث الحجم. ونتج ارتفاع حصة الصين عن تقديم برنامج حوافز ضريبية مدروس مخصص للشركات الأجنبية خلال السنوات القليلة الماضية. فقد وحدت الصين قانون ضريبة الشركات الذي ساوى بين الشركات الأجنبية ونظيراتها الصينية. وتسعى حكومات بعض الاقتصادات الناشئة لاستبدال نمط الإنتاج الصناعي منخفض التكاليف بنمط آخر يقوم على توظيف التقنيات والخدمات التصنيعية المتطورة الأخرى. وقد قبلت تلك الدول بداية كل أصناف الاستثمارات بغض النظر عن سلبياتها كتلويث البيئة أو استنفاد الموارد الطبيعية لكنها في مرحلة لاحقة قلصت الحوافز الضريبية أو أعادت رسمها بحيث تضمن استثمارات نوعية بناء على تخطيط مسبق. ويقول داتوك فانغ أتونغ نائب رئيس هيئة تشجيع الاستثمار في ماليزيا إن الهيئة تقلص الحوافز الضريبية وأن تلك الحوافز سوف تمنح مستقبلا في إطار سياسة تدعم بناء اقتصاد متماسك يخدم النظام البيئي. وتسعى الهيئة التي تساعد الشركات على تسهيل إجراءات الحصول على تراخيص وتمثل هذه الخدمات 56% من إجمالي عائداتها، إلى رفعها إلى 65% بحلول عام 2020 من خلال التركيز على محفزات تشجيع الأنشطة ذات القيمة العالية والتي ترى أنها تدر عائدات أعلى وتعمق التجربة والخبرات التقنية. ويمكن للحوافز الضريبية أن تمهد الطريق أمام المستثمرين لدخول اقتصاد ناشئ لكنها بالتأكيد ليست أهم من الاستقرار السياسي والاقتصادي. شكوك حول تحقيق الأهدافالمرجوة من الحوافز الضريبية ورغم نجاح بعض الاقتصادات الناشئة في تسخير الحوافز الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يزال هناك شك يخامر الحكومات والشركات حول تحقيق الأهداف المرجوة من تلك الحوافز. كما أن هذه الريبة أصبحت اليوم موضع جدل معلن في المنظمات الدولية ذات العلاقة. فقد جاء في تقرير للمعهد الدولي للتنمية المستدامة أن على الاقتصادات النامية إلغاء الإعفاءات الضريبية الأوتوماتيكية التي تمنحها للاستثمارات الأجنبية المباشرة تدريجياً وتستبدلها ببرامج تحفيز مدروسة ترتبط بأداء تلك الاستثمارات من حيث أمدها وفاعليتها وتأثيرها في البيئة. ويمكن تطبيق ذلك عبر برنامج حوافز ضريبية يساوي بين الشركات الوطنية والشركات الأجنبية. من جانبها وجهت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انتقادات لبرامج الإعفاءات الضريبية واعتبرتها مكافآت نظير مناخ استثماري سيئ قد يسفر عن تغيير في قنوات عائدات الدول الفقيرة واستنفاد مواردها وتخريب عناصر الاستثمار الإيجابي في البنى الأساسية والتعليم والأمن. ورغم كل ما سبق لا تزال الشركات التي تستثمر في اقتصادات الدول النامية تحظى بترحاب منقطع النظير. وسوف تبقى الصورة معقدة ومتباينة طبقاً لحاجات كل بلد. وقد يكون من واجب الشركات تغيير استراتيجيات الاستثمار التي تعتمدها من أجل توفير درجة من التوازن في القوة بين اقتصادات الدول المتقدمة والدول النامية.

مشاركة :