واحد من الدروس البسيطة التي يتعين علينا فهمها من الأزمة المالية أن التعقيد يولّد سوء الاستخدام ويقوض الاستقرار. ومع ذلك، فإن المقياس المحوري الذي نقيم من خلاله مدى صحة البنوك يتسم بدرجة من الصعوبة تجعل مَن هم خارج المجال، دونما خيار سوى تصديق ما تخبرهم به جهة الإقراض.كانت هذه النتيجة التي خلصت إليها مراجعة واسعة أجرتها حكومة المملكة المتحدة لصناعة المراجعة الحسابية، الأسبوع الماضي. كان دونالد بريدون، الرئيس السابق لمجموعة بورصات لندن، الذي تولى إدارة عملية المراجعة، قد عكف على دراسة ما إذا كان ينبغي الاستعانة بمحاسبين للتحقق من كيفية حساب البنوك للأصول المرجحة بالمخاطر، التي تتسم بأهمية كبرى. المثير للقلق أنه خلص إلى أنه لا جدوى من ذلك، لأنه حتى المراجعون الماليون المدربون سيواجهون صعوبة كبيرة في خوض غمار هذه الحسابات؛ فما الأمل إذن أمام المشاركين العاديين في البنوك أو مراقبي البنوك؟وينبغي الانتباه إلى أننا نتحدث هنا عن الرقم الذي تستخدمه جهات الإقراض والجهات المسؤولة عن تنظيمها لتقييم حجم رأس المال المطلوب في مواجهة المخاطر التي يخوضونها. وكان من شأن القلق إزاء التباينات في كيفية حساب البنوك للأصول المرجحة بالمخاطر التشجيع على إقرار قواعد جديدة للحد من درجة اعتماد البنوك على نماذج خاصة بها. وناشدت جهات تنظيمية مالية كبرى على مستوى العالم العاملين بمجال المراجعة المالية معاونتها، وكذلك الحال مع معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز.وللأسف، يعتقد بريدون أن إشراك مراجعين ماليين لن يكون من الممكن تحقيقه. واختتم بريدون تقريره الواقع في 138 صفحة بتوضيح أنه نظراً لأن نماذج حساب الأصول المرجحة بالمخاطر «يمكن شرحها عبر عدة مئات من الصفحات»، فإن الاستعانة بمراجعين ماليين لتقييم مدى صدقها وإنصافها «سيستدعي تكلفة إضافية ضخمة».وعلى المستوى العملي، يرى بريدون أن «عمق المهارات اللازمة للاضطلاع بمثل هذا التحقق المنفصل ليس متاحاً على نطاق واسع»، في مجال مهنة المحاسبة. أما الحل البديل الذي طرحه بريدون، فكان الاستعانة بجهة رقابية على البنوك، هيئة التنظيم التحوطي، لإصدار خطاب تطمين يفيد بأنها راجعت بالفعل نماذج البنوك المستخدمة في تقييم الأصول المرجحة بالمخاطر. إلا أنه بالنظر لاعترافه بأن هذه المهمة تفوق قدرة صناعة المراجعة المالية، فمن غير الواضح كيف ستجعل مسألة مجرد كتابة خطاب من الحسابات البنكية أكثر شفافية.علاوة على ذلك، تثير النتائج التي خلص إليها بريدون عدداً من التساؤلات؛ أليس التعقيد الذي تتسم به حسابات الأصول المرجحة بالمخاطر سبباً كافياً لفرض مراجعة خارجية عليها؟ وإذا كان المراجعون الماليون يفتقدون المهارات، في أي مكان آخر يمكننا إيجاد الخبرة اللازمة؟ وفي نهاية الأمر، أليس حرياً بنا السعي لجعل هذه المقاييس المحورية بسيطة، وفي متناول فهم مجموعة واسعة من الخبراء؟ وكيف يمكن أن نثق بأن البنوك بالمستوى ذاته من الأمان الذي تدعيه؟خلال العام الحالي فقط، كان هناك عدد من الأمثلة على حسابات تقييم الأصول المجرحة بالمخاطر مشكوك في صحتها. على سبيل المثال، يخضع «مترو بانك» في المملكة المتحدة لتفحُّص عدد من المنظمين لتحديده قيمة أقل من الواقع بكثير فيما يخص بعض الأصول، خطأ بمجرد إصلاحه أدى إلى جمع البنك رؤوس أموال. كما تعرض بنك «سيتي غروب» لغرامة داخل بريطانيا، بسبب تقديمه تقريراً غير دقيق عن رؤوس أمواله، والسيولة لديه، الأمر الذي كان أحد الأسباب وراء تقليل البنك تقييم الأصول المرجحة بالمخاطر لديه. وفي وقت قريب، صححت مؤسسة «كوفنتري بيلدينغ سوسيتي» العاملة بمجال الإقراض داخل المملكة المتحدة، تقييماتها للمخاطرة، التي بالغت في قوتها المالية لسنوات.ورغم أن هذه الحوادث لم تهدد سلامة أي مؤسسة، ناهيك بالنظام المالي، فلا تزال الحقيقة أن البنوك تعتمد على مطلب أساسي يتسم بتعقيد بالغ. ومع وقوع مزيد من الإخفاقات التنظيمية، فمن السهل للغاية أن نفيق يوماً على تبعات خطيرة لهذا الأمر.* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
مشاركة :