يختصر الخبراء معظم النصائح الطبية في مقولة قصيرة، هي: «الالتهاب ضارّ لعقلك، وتقليل الالتهاب مفيد لعقلك، وقد يبطئ شيخوخة الدماغ والتدهور المعرفي». وفي الأشهر القليلة الماضية كانت هناك موجة من الدراسات المختلفة التي ربطت الالتهاب بالتباطؤ العقلي والخرف وشيخوخة الدماغ المتسارعة. فقد ربطت دراسة يابانية أجريت على الفئران ونشرت في شهر سبتمبر الماضي، بين التهاب المخيخ وانخفاض الدافع والسلوكيات الشبيهة بالاكتئاب. ووفقًا للباحثين، فإن هذا السلوك في القوارض يشبه السلوك الاكتئابيّ لدى البشر. كما أشارت دراسة أخرى أجريت بالمملكة المتحدة ونشرت في شهر نوفمبر الماضي، عن وجود صلة بين المستويات المرتفعة لعلامة التهابية تعرف اختصارًا (IL-6) والتباطؤ المعرفي. وحسب الباحثون، تشير هذه النتائج الجديدة إلى أن الالتهاب الحادّ يتطلّب من الأفراد بذل جهد إدراكي أكبر عند التحضير لمهمة، من أجل الحفاظ على الأداء السلوكي المناسب. كما أن هناك بحوثًا أخرى متعلّقة بالالتهابات، نشرتها كلية هارفارد الطبية مؤخرًا، وتحدثت عن علامة حيوية للالتهابات الجهازية تسمى البروتين سي التفاعلي المعروف اختصارًا (CRP)، وفي الدراسة المنشورة في مجلة طب الأعصاب، ركّز فريق دولي من الباحثين على علامة حيوية للالتهابات تسمى CD14 القابلة للذوبان، حيث أظهر تحليل تلوي للمشاركين، أن ارتفاع هذه العلامة كان مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالخرف بنسبة 12 في المئة، مع تقدّم الأشخاص في السنّ، كما ارتبطت أيضًا المستويات الأعلى منها بزيادة سرعة شيخوخة الدماغ، وتطور أسرع في ضمور الدماغ المرتبط بالعمر، وانخفاض سريع في الوظائف التنفيذية. وترتبط المستويات الأعلى من sCD14 مع شيخوخة الدماغ وإصابته، مثل ضمور الدماغ الكلّيّ وتراجع الأداء التنفيذيّ، وصنع القرار اللازم لعديد من أنشطة الحياة اليومية، وحسب الباحثون، فإن لديهم سبب قوي للاعتقاد بأن sCD14 يمكن أن يكون علامة بيولوجية مفيدة لتقييم خطر التدهور المعرفي والخرف، حيث هناك حاجة ماسّة إلى مؤشرات حيوية فعالة من حيث التكلفة، تعتمد على الدم لاكتشاف وتتبع تطور إصابات الدماغ قبل السريرية المؤدية إلى الخرف، ويمكن أن تعمل هذه المؤشرات الحيوية أيضًا كنقاط نهاية في التجارب السريرية للتدخلات المعدلة للأمراض وتوسيع فهمنا لبيولوجيا الأمراض. وحسب الباحثين، فإن هناك اعترافًا متزايدًا بدور الالتهاب في التنكّس العصبيّ والانحدار المعرفي المتعلق بإصابة الأوعية الدموية والخرف، ووفقًا لهذه الدراسة، لا توجد حاليًا أي تجربة للعقاقير في طور الإعداد للتحقيق في ما إذا كان خفض مستويات sCD14 يمكن أن يبطئ شيخوخة الدماغ ويعزز الإدراك لدى البشر، ومع ذلك فقد أظهرت الأبحاث السابقة، أن المستويات المنخفضة من الأدوية المضادة للالتهابات يمكن أن تساعد مستويات sCD14. ومن الجدير بالذكر، أن دراسة أخرى أجريت على الفئران نشرت مؤخرًا من قبل باحثين في جامعة كاليفورنيا، وجدت أن العقاقير المضادّة للالتهابات التي تهدئ الالتهابات في المخ قد تؤدي إلى تباطؤ أو حتى عكس التدهور المعرفي المرتبط بالشيخوخة، ويميل الباحثون إلى التفكير في الدماغ بنفس الطريقة، ولكن عندما يزيل هذا الضباب الالتهابي، يتصرف المخ بنفس طريقته القديمة، وهو ما يعتبره الباحثون اكتشافًا متفائلًا، حيث يمكن بذلك عكس شيخوخة الدماغ، وكذلك تعزيز الأداء المعرفي.
مشاركة :