في حسابات البحث عن الربح الاقتصادي السريع وتفادي العراقيل والتحديات، وفي عالم تسوده لغة الأرقام والمصالح في العلاقات والشراكات، تبقى حالات العمل وبذل الجهد الطوعي لخدمة البشرية وبناء مستقبل أفضل ومواجهة التحديات والاستفادة منها في النمو، تثير التساؤل والاستغراب لدى الكثيرين. ويعد نموذج العمل الطوعي واستشراف المستقبل الذي تنتهجه دولة الإمارات واحداً من أكثر الحالات إثارة لهذا التساؤل، فلماذا تبادر دولة يمكنها الاعتماد على الدخل النفطي في تسجيل معدلات نمو اقتصادي عالية إلى بذل جهود مكثفة محلياً وعالمياً لنشر واستخدام حلول الطاقة النظيفة ودعم وتعزيز الحلول الابتكارية لتحقيق الاستدامة. الإجابة المبسطة للغاية عن هذا التساؤل تبدأ من النهج الذي غرسه الآباء الأوائل، وعلى رأسهم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه- والقائم على أن الأرض واحدة والبشر جميعهم إخوة والعمل من أجل البشرية هو أسمى قيمة وفعل يخطه الإنسان في تاريخ مسيرته في الحياة. حرصت رؤى وتوجيهات القيادة الرشيدة للدولة على استمرارية نهج العمل من أجل البشرية وطورته عبر نموذج قائم على استغلال التحديات التي تفرضها الإشكاليات العالمية، مثل تغير المناخ وتداعياته السلبية، والعمل طوعاً لمواجهتها والحد منها وتحويلها إلى فرص نمو اقتصادي غير مسبوقة. ومن أهم أشكال العمل من أجل البشرية وتحويل التحديات إلى فرص نمو التي يشملها النموذج الإماراتي، إيجاد المنصات والحاضنات العالمية التي تحفز حركة الابتكار والتطوير لخلق مستقبل أكثر استدامة، ويمثل «أسبوع أبوظبي للاستدامة» الذي تنظمه العاصمة أبوظبي بشكل سنوي، واحداً من أهم الأمثلة الناجحة لنموذج الدولة. وبدورنا، أضفنا في وزارة التغير المناخي والبيئة فعالية جديدة تعزز من تمكين الشباب وتعظيم مشاركتهم في رسم مستقبل الاستدامة، عبر تنظيمنا فعالية ملتقى تبادل الابتكارات في مجال المناخ «كليكس»، والذي استهدفنا على مدار دورتيه السابقتين تطوير قدرات الابتكار لدى الشباب في المقام الأول ثم إكسابهم مهارة تسويق هذه الابتكارات أمام نخبة من كبار المستثمرين؛ بهدف تحويلها إلى مشاريع واقعية، حيث وفرنا عبره منصة تجمع المبتكرين ورواد الأعمال في الاستدامة من الشباب مع مسؤولي القطاع الخاص والمؤسسات التمويلية والمستثمرين، وخلال دورته الأولى استضفنا عبر لجنة تحكيم متخصصة 27 مشروعاً عُرضت على منصته، وتلقت عروضاً بنوايا استثمارية تجاوزت قيمتها 17.5 مليون دولار، وفي دورته الثانية ارتفع الرقم إلى 41 ابتكاراً ووصلت النوايا الاستثمارية لتحويلها لمشاريع إلى 53.9 مليون دولار. هذه الفعاليات وأكثر جميعها تصب مباشرة في خدمة البشرية بأعراقها وأجناسها كافة، ويحافظ على موطننا جميعاً - كوكب الأرض، ويحول فكرة مواجهة التحديات من تخصيص ميزانيات لمعالجة الآثار السلبية إلى فرص للنمو الأكثر محافظة على بيئتنا مثل التحول لمنظومات الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري، وتوفير فرص عمل وابتكار أوسع. وعبر الدورة الجديدة من أسبوع أبوظبي للاستدامة ندعو دول ومجتمعات العالم المهتمة حقيقة بمستقبل البشرية، والباحثة عن المعنى الحقيقي للعمل الطوعي، والراغبة في المشاركة فيه، إلى مشاركتنا في العاصمة أبوظبي، من خلال حضور فعاليات الأسبوع للاطلاع على نموذج واقعي للنهج الإماراتي في هذا المجال.
مشاركة :