تجديد الخطاب الإسلامي.. ضرورة تفرضها تحديات العصر

  • 12/27/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رغم تكرار الدعوات الصادرة من هنا وهناك بضرورة وسرعة اتخاذ وسائل فاعلة لتجديد الخطاب الديني‮ ‬فإن الخطاب السائد في‮ ‬مؤسسات الدعوة والتعليم والثقافة الدينية لا‮ ‬يزال بعيداً عن روح العصر وتحدياته،‮ ‬وهو ما‮ ‬يفرض علينا طرح سؤال مهم على نخبة من كبار العلماء والمفكرين عن كيفية تحقيق هذا التجديد لخطابنا الديني‮ ‬في‮ أرجاء عالمنا العربي‮ ‬والإسلامي‮.‬في‮ ‬البداية‮ ‬يؤكد مفتي‮ ‬مصر الدكتور شوقي‮ ‬علام أن تجديد الخطاب الديني‮ ‬أصبح مطلباً ملحّاً في‮ بلادنا العربية والإسلامية،‮ ‬كما أن التجديد سنة من سنن الكون،‮ ‬وضرورة من ضرورات العصر التي‮ ‬لا‮ ‬غنى عنها،‮ ‬وذلك مصداقاً لقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم‮: «‬إن الله‮ ‬يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من‮ ‬يجدد لها دينها‮».‬والتجديد في‮ ‬أمور الدين - كما‮ ‬يقول د‮. ‬علام - ‬يتوقف على فهم الواقع والتعرف على سلبياته ومحاولة علاجها،‮ ‬وردّ الناس إلى المنهج الصحيح من خلال استخدام الحجة الدينية في‮ ‬الحكم على ما‮ ‬يستجد للمسلمين في‮ ‬حياتهم المعاصرة،‮ ‬مؤكداً أن هذا التجديد في‮ ‬الخطاب الديني‮ هو تجديد في‮ ‬الآليات والوسائل بعيداً عن المساس بالثوابت المتمثلة في‮ ‬القرآن الكريم وسنّة النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وذلك عن طريق الفهم الجديد القويم للنص. ‮ خطاب بنائي ويؤكد مفتي‮ ‬مصر أننا في‮ ‬حاجة ماسة إلى خطاب ديني‮ «‬بنائي‮» ‬وليس خطاباً إنشائياً،‮ ‬خطاب‮ ‬يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي‮ ‬وقيم التخلي،‮ ‬وإدراك سنن التغيير الحضاري،‮ ‬بحيث‮ ‬يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في‮ ‬حركة المجتمع،‮ ‬خطاب‮ ‬ينبع أولاً من طبيعة الإسلام،‮ ‬الذي‮ ‬ينطوي‮ ‬على دعوة مستمرة إلى التجديد،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه‮ ‬يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في‮ ‬الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري‮. ‬ومن هنا‮ ‬يؤكد د‮. ‬علام أن هذا الخطاب الديني‮ ‬العصري‮ ‬يفرض على دعاة الإسلام أن‮ ‬ينتقلوا من ضيق الرأي‮ ‬إلى سعة الشريعة ومقاصدها،‮ ‬ومن الارتجالية إلى العمل والدراسة والبحث والتحري،‮ ‬فالخطاب الديني‮ ‬الواعي‮ ‬ليس بالعمل العشوائي‮ ‬أو الارتجالي،‮ ‬إنما هو عمل مبني‮ ‬على برنامج فكري‮ ‬شامل ومتكامل.ويرى د‮. ‬علام أن تجديد الخطاب الديني‮ ‬يتطلب نزع القداسة عن التراث الإسلامي،‮ ‬خاصة ما‮ ‬يتعلق باجتهادات العلماء والفقهاء في‮ ‬كل العصور،‮ ‬مؤكداً أنه لا قداسة لغير الكتاب والسنة الصحيحة،‮ ويقول: ‬علينا أن نستفيد من التراث الفكري‮ ‬والفقهي‮ ‬باعتباره عملاً تراكمياً محترماً،‮ ‬ولكنه ليس مقدساً،‮ ‬بمعنى أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه؛ لأنها مبنية على اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص،‮ ‬ولكن في‮ الوقت نفسه لا نلتزم بمسائلهم التي‮ ‬ارتبطت بسياق واقعهم وقتها،‮ ‬مع تنقية هذا التراث العظيم من كل ما هو دخيل وغريب عنه من ‬دون انتقاص لهذا المجهود الكبير وغير المسبوق‮.‬ مواجهة الفكر المتشدد ويشير مفتي‮ ‬مصر إلى أن من أهم القضايا التي‮ ‬يجب الالتفات إليها وبيانها عند تجديد الخطاب الديني‮: ‬تحديد القضايا التي‮ ‬استند إليها الفكر المتشدد في‮ ‬تصدير الوجه الدموي‮ ‬المفتري على الإسلام والمسلمين في‮ ‬الداخل والخارج،‮ ‬مثل قضية الجهاد بمفهومه الصحيح ‬معتبراً أن قضية التكفير التي‮ ‬جعلها المتشددون كل همهم وغاية مرادهم،‮ ‬هي‮ ‬على العكس تماماً مما تدعو إليه حقائق الإسلام،‮ ‬فالله سبحانه وتعالى‮ ‬يقول‮: «‬لا إكراه في‮ ‬الدين‮»‬،‮ ‬ويقول‮: «‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‮».‬ويرفض د‮. ‬علام أن‮ ‬يتحدث في‮ ‬أمور الدين المتسلقون والمتطفلون بدعوى التجديد والتطوير،‮ ‬مؤكداً ضرورة احترام المرجعية الإسلامية،‮ ‬وترك الحديث في‮ ‬أمور الدين لأهل الاختصاص،‮ ‬كلٌ في‮ ‬علمه وفنه،‮ ‬تحقيقاً لقول الله تعالى‮: «‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‮».‬وعن فقه الإفتاء في‮ ‬الخطاب الديني‮ ‬الجديد‮ ‬يؤكد مفتي‮ ‬مصر أن الخطاب الفقهي‮ ‬يجب أن‮ ‬ينتهج منهج التيسير وهو منهج الإسلام الصحيح من دون أن‮ ‬يتخذ ذلك مدخلاً للمساس بالثوابت الشرعية. فهم الواقع ‮المفكر الإسلامي‮ ‬د‮. ‬محمود حمدي‮ ‬زقزوق رئيس مركز الحوار الديني‮ ‬والفكري‮ ‬بالأزهر وعضو هيئة كبار العلماء،‮ ‬يؤكد أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني‮ ‬يجب أن تكون دعوة متجددة وغير مرهونة بظاهرة انتشار وتمدد الفكر المتطرف الذي‮ ‬أصبح‮ ‬يمثل خطراً بالغاً على واقع ومستقبل مجتمعاتنا العربية والإسلامية ذلك أن التجديد سنة الحياة،‮ ‬والتغيير قانون الوجود،‮ ‬ولا‮ ‬يوجد شيء مخلوق‮ ‬يظل على حاله إلى الأبد،‮ ‬والبديل للتجديد هو الجمود،‮ ‬والجمود‮ ‬يعني‮ ‬أننا ننتمي‮ ‬إلى دين جامد،‮ ‬وهذا أمر مستحيل،‮ ‬فالإسلام بطبيعته دين‮ ‬يتماشى مع سنن الحياة،‮ ‬ولا‮ ‬يصادم الفطرة الإنسانية،‮ ‬ومن هنا فهو‮ ‬يشجع ويدعم ويقود التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في‮ ‬جميع المجالات وليس مجال الفكر الإسلامي‮ ‬فحسب‮.‬ولذلك فإن التجديد في‮ ‬الخطاب الديني‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون مرتبطا ومنسجما ومتوافقا مع التجديد في‮ ‬المجالات الأخرى،‮ ‬كما أنه لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون أمرا عشوائيا،‮ ‬وإنما هو تجديد‮ ‬يتوقف على فهم الواقع من أجل الكشف عما فيه من سلبيات للانطلاق من ذلك الفهم إلى تصحيح الأوضاع.‬ تجديد الفقه الإسلامي ويشير رئيس مركز الحوار بالأزهر إلى أن أبرز مجالات الثقافة والفكر الإسلامي‮ ‬التي‮ ‬تحتاج إلى تجديد الآن هي‮«‬الفقه الإسلامي‮»‬،‮ ‬موضحا أن مهمة الفقه مواجهة متطلبات الحياة المتجددة،‮ ‬ومادامت المسائل الفقهية‮ ‬غير قطعية فهي‮ ‬قابلة بحكم الشرع للتجديد والتغيير،‮ ‬وهذا التغيير الذي‮ ‬يطرأ على الأحكام الفقهية،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬محل اجتهاد شيء طبيعي‮ ‬يتماشى مع روح تعاليم الإسلام التي‮ ‬تتسم بالتيسير ورفع الحرج،‮ ‬وفضلاً عن ذلك فإن هناك مسائل جديدة لم‮ ‬يعرفها علماء الفقه الإسلامي‮ ‬السابقون تتطلب اجتهادا جديدا وبحثا عميقا لاستنباط الحكم الشرعي‮ ‬الذي‮ ‬ينطبق عليها،‮ ‬فإنزال الفقه على الواقع ضرورة لتطوير الحياة الإسلامية،‮ ‬فالفقه الإسلامي‮ ‬أصبح مطالبا الآن بالبحث عن حلول لمشكلات كثيرة تواجه الإنسان المسلم،‮ ‬وتسبب له حرجا وعنتا في‮ ‬كثير من الأمور الحياتية‮.‬وهنا‮ ‬ينبه د‮. ‬زقزوق إلى أن الدعوة إلى تجديد الفقه ليست تخليا عن الدين،‮ ‬ولا خروجا على أحكامه المعلومة من الدين بالضرورة،‮ ‬وإنما تعني‮ ‬إعادة النظر في‮ ‬الموروث الفقهي‮ ‬البشري‮ ‬من ناحية،‮ ‬ومن ناحية أخرى البحث عن الحلول الإسلامية لما جدّ ويجدّ مستقبلا من مسائل جديدة‮.. ‬وعلى المتحفظين على التجديد والذين‮ ‬يرون فيه مساسا بالثوابت وخروجا على حقائق الإسلام أن‮ ‬يدركوا أن الشريعة الإسلامية تحمل من المرونة والسعة ما‮ ‬يجعلها تعيش حالة تجديد مستمرة تتجاوب دائما مع مصالح الناس في‮ ‬كل زمان ومكان. مسؤولية العلماء والدعاة العالم الأزهري‮ ‬د‮. ‬محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري‮ ‬يؤكد أن تجديد الخطاب الديني‮ ‬ضرورة تفرضها تطورات العصر،‮ ‬ويتفق مع د‮. ‬زقزوق في‮ ‬أن الدعوة للتجديد والتطوير لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون تحت ضغط الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي‮ ‬ارتفعت أصواتها في‮ ‬بلادنا العربية والإسلامية خلال السنوات الأخيرة،‮ ‬ويقول‮: ‬موجات التطرف والتشدد الديني‮ ‬خطيرة لا خلاف على ذلك،‮ ‬لكننا على ثقة من أنها سوف تنحسر حتما خلال السنوات المقبلة، فالمواطن العربي‮ ‬ينحاز دائما للاعتدال والوسطية والتسامح الديني‮ ‬وجهود العلماء والدعاة متواصلة في‮ ‬كل المجتمعات العربية لمواجهة المتطرفين والمتشددين وكشف باطلهم للجماهير العربية،‮ ‬لكن الجهود الدعوية تحتاج إلى تطوير،‮ ‬والخطاب‮ ‬يحتاج إلى تجديد،‮ ‬والتراث الديني‮ ‬يحتاج إلى تنقية وغربلة حقيقية لا إلى وعود وشعارات لا تغير شيئا على أرض الواقع‮.ويرى د‮. ‬جمعة أن إنقاذ شبابنا من براثن التطرف الديني‮ ‬يتطلب جهودا مضاعفة من العلماء والمفكرين والدعاة وخطباء المساجد لكي‮ ‬يسود الخطاب الديني‮ ‬المستنير بين المسلمين،‮ ‬ ويقول: ‬جهودنا كمؤسسات دينية دعوية وإفتائية وثقافية وتعليمية‮ ‬يجب أن تتضاعف لمواجهة الخارجين على سماحة الإسلام واعتداله،‮ ‬لاستعادة الخطاب الديني‮ ‬الوسطي‮ ‬المعتدل وكشف تجار الدين وطلاب السلطة،‮ ‬الذين شوهوا خطابنا الديني‮ ‬بجنوحهم نحو التشدد والتطرف‮. ‬

مشاركة :