للعام الثاني على التوالي تحتفي مديرية الفنون الجميلة بدمشق التابعة لوزارة الثقافة بالفن التشكيلي السوري من خلال إقامة أيام الفن التشكيلي السوري، الذي انطلق في السادس عشر من ديسمبر الجاري بدمشق تحت شعار “ذاكرة الإبداع.. سوريا”، متضمنا العديد من النشاطات الفنية والفكرية وورشات العمل المتخصّصة. وانطلقت الاحتفالية بفيلم وثائقي عن المناسبة بعنوان “معرض المعارض”، أعدّه الناقد التشكيلي سعد القاسم بيّن فيه على امتداد عشرين دقيقة نشوء وتطور حالة إقامة المعارض الفنية في سوريا عبر الزمن، موثقا فيه للعديد من المعلومات التي تعتبر علامات بارزة في تاريخ الفن السوري المعاصر، منها: أن أول معرض فني للرسم أقيم في سوريا كان في العام 1926، ثم تتابعت المعارض بين حكومية وخاصة حتى بلغت المئات بل الآلاف. كما شهدت حفلة الافتتاح التي أقيمت بدار أوبرا دمشق تكريم عدد من الفنانين التشكيليين السوريين وهم: غسان جديد وعبدالله السيد وغسان نعنع، والفنانين الراحلين عبدالقادر أرناؤوط وإقبال قارصلي وغسان السباعي. معارض متنوعة على امتداد أيام الفعالية قدّمت مجموعة من المعارض في كافة المحافظات السورية، حيث أقيمت معارض في التشكيل والنحت والخط والتصوير الفوتوغرافي والخزف، شارك فيها المئات من الفنانين والفنانات، ففي دمشق أقيم معرض الخريف السنوي، ومعرض الخط العربي، ومعرض الخزف، ومعرض التصوير الفوتوغرافي ومعرض ما بعد الروّاد في التشكيل والعديد من المعارض الفنية الأخرى، إلى جانب ورشات عمل فنية، ومحاضرات وندوات في صالات العرض الفنية. إضافة إلى العديد من البرامج في كليات الفنون الجميلة في المعاهد والمراكز المنتشرة في البلاد. وعن أهمية الفعالية يقول الفنان عماد كسحوت، مدير الفنون الجميلة بوزارة الثقافة، “الهدف من المعرض هو تكريم الفن التشكيلي السوري والقامات الفنية الكبرى التي نحتت مسار الفن التشكيلي السوري على امتداد زمنه الطويل”. وفي خطوة تكريمية جديدة قدمت في الفعالية احتفالية خاصة في صالة الشعب للفنون بعنوان “جيل ما بعد الرواد في التشكيل” ضمت أعمال عدد من الفنانين الذين جاؤوا في المرحلة ما بعد التأسيسية التي أوجدها الرواد، والذين تابعوا مسيرة هؤلاء في تقديم ألوان من الفن السوري، وبلغ عدد اللوحات المشاركة في المعرض الأربعين، منها لوحات للفنان الشهير ممدوح قشلان ومحمد غنوم. وفي سوق البزورية الذي يمتلك شهرة خاصة في بيع المواد الغذائية والحلويات، حيث يقع خان أسعد باشا المعلم الأثري الهام في دمشق القديمة، أقيم معرض الخريف السنوي والذي يضم أعمالا للفنانين الكبار في السن وكذلك لجيل الشباب. سلاح ذو حدين ضمن سياق الندوات الفكرية التي أقيمت بالتوازي مع فعاليات المعارض، أقيمت ندوة بعنوان “خريج كلية الفنون، إلى أين؟” شارك فيها مصطفى علي ونزار صابور وإحسان العر. كما أقيمت ندوة بعنوان “حال التشكيل السوري اليوم” شارك فيها إلياس زيات وطلال معلا وعهد الناصر ديوب. أما الندوة التي لاقت اهتماما كبيرا من جمهور الأيام نتيجة موضوعها الخاص والحساس فأتت تحت عنوان “وسائل التواصل الاجتماعي والفن التشكيلي” والتي شارك فيها سعد القاسم وعبدالناصر ونوس وأدراها أكسم طلاع، تحدث فيها أصحابها عن الأهمية القصوى التي توفرها مواقع النت والتواصل الاجتماعي حاليا أمام الفنانين الشباب في التعارف مع غيرهم من الفنانين، وكذلك صالات العرض. وقد بيّن سعد القاسم في مداخلته أن عصر النت والفضاء المفتوح الذي أوجده أعطى المزيد من الشفافية ورفع مقدار المصداقية بين الفنانين إلى درجة عالية، بحيث لم يعد أحد قادرا على الادعاء أنه مشارك في معارض فنية عالمية أو في ندوات دولية دون أن يكون ذلك حقيقيا، لأن مواقع النت صارت تنشر تلك التفاصيل، والتي يستطيع المهتم من خلالها أن يلاحق الأمر ويتأكد من حقيقته أو عدمه، كما أن الفنان الشاب يقدر من خلال هذه الميزة أن يشاهد المعارض الدولية التي تقام في العالم عبر تصفح مواقع المهرجانات المختصة وخلال وقت قصير، كما أنّ مواقع التواصل قد جسرت الهوة بين الفنانين وصالات العرض بحيث أمكن لأصحاب الصالات أن يتعرفوا على الفنانين الشباب من خلال مواقع النت الشخصية والتفاعل معهم فنيا ومهنيا. أما الفنان عبدالناصر ونوس، فرأى “أن عصر النت قدّم خدمة كبيرة للفنانين الشباب تحديدا، كونهم باتوا الآن قادرين على التواصل مع المعارض العالمية بسهولة وكذلك التواصل مع عدد من الفنانين العالميين الذي كان عصيّا عليهم التواصل معهم سابقا، فيمكن الآن أن يتبادل هؤلاء الشباب الآراء والأحاديث من خلال النت، ويمكن حتى كسب صداقات هامة على المستوى المهني من خلال مواقع التواصل الاجتماعي”. وأكد على أن الاهتمام بموضوع النت، هو أولوية كبرى حاليا، مستشهدا بما قدمه معهد أوكسفورد للنت الذي أعد دراسة لعام 2019، بينت مقدار ما تقدمه النت من أهمية في مجال الفن التشكيلي وأن النت قد أزاحت عن الفنانين شعور الوحدة التي كانوا يعانون منها. كما قال طلال “أن عصر النت خطير، كونه يحمل ملامح العولمة الثقافية التي تجتاح كل شيء، ونحن في عالمنا العربي أريد لنا التموضع في مواقع محددة، بحيث نكون الطرف الأضعف الذي يقبل بكل ما تأتي به ثقافة الآخر، عصر النت يلغي الجغرافية ويمحو التفاصيل البيئية التي عشنا عليها، لذلك فإن عصرنة فننا التشكيلي عبر مواقع النت أمر بالغ الخطورة والتعقيد”. بينما بيّن أحد الفنانين المشاركين بأن المحتوى العربي في مجال الفنون التشكيلية لا يتعدى الخمسة بالمئة من المحتوى العالمي، وهو ضعيف ومُلتبس، والكثير من الفنانين لا يميزون حتى الآن ما بين الصفحة الشخصية والموقع والويب. وهي أمور بديهية وجب فهمها كي يتسنى لهم معرفة خصوصية عصرهم والتحول الذي يعيشون فيه ومدى أهميته.
مشاركة :