في الستينات من القرن العشرين اتسعت القاعدة التعليمية في البحرين لتعلن بداية نهضة تعليمية جديدة تخلف عصر ما قبل الحقبة النفطية كمًا ونوعًا. وتشهد الوثائق التعليمية في البحرين أن في العام 1945 كان هناك 2900 (ألفان وتسعمائة) طالب في المدارس الحكومية فقط، وفي العام 1966 وصل الرقم الى 38000 (ثمانية وثلاثين ألف) طالب. هذا النمو التعليمي كان يهيء قاعدة عريضة من القراء والمتعلمين في المجتمع، ومن المعروف أن الثقافة تتأسس وتنمو في مناخ التعليم، ولا يمكن تواجدها بدون انتشار التعليم، وبخاصة الثقافة العصرية، في حيزها التخصصي، وإن كان من الصعب فصل ثقافة المجتمع التقليدية عن الثقافة المتخصصة في نطاقها النظري. بذلك فسنوات الستينات كانت فترة خصبة لتفريخ الأدباء والكتّاب، الذين وجدوا الفرصة مواتية لهم لاختبار وتجريب مواهبهم في كتابة القصة القصيرة والقصيدة والنقد الأدبي، كما وجدوا قطاعًا من المتعلمين الذين يقرؤون نتاجهم ويتفاعلون معهم ويحتفون بهم. الحضور الفاعل الأول للثقافة الحديثة في المجتمع البحريني في الستينات من القرن العشرين، تجلى في الإصدارات الصحفية التي احتضنت الكتابات الأدبية الجديدة. كانت جريدة الأضواء ورئيس تحريرها محمود المردي، ومجلة صدى الأسبوع ويرأسها علي سيار تستقبلان النتاجات الأدبية الجديدة باهتمام. ومن حسن الحظ أن رئيس تحرير جريدة الأضواء وكذلك رئيس تحرير صدى الأسبوع، كلاهما أديبان لهما مساهمات أدبية في صحافة الخمسينات التي أوقفتها السلطات البريطانية. هذان الأديبان كانا يدركان أهمية الثقافة بشكل عام والأدب بشكل خاص في التنوير والتغيير والتقدم. لذلك لاقت تجارب الأدباء الشباب في الستينات اهتمامًا ملحوظًا منهما كما لمسته شخصيًا. هذه الفترة الأدبية من الستينات كانت خصبة للغاية، لا تشبه ما قبلها في الخمسينات والأربعينات عندما كان النشاط الثقافي محدودًا بسبب سياسة الاحتلال البريطاني الكابح للثقافة والتعليم. كانت مرحلة الستينات مختلفة أيضا من حيث كثرة الأقلام الأدبية وتنوعها واستمراريتها، إذ أن صحف الخمسينات التي احتوت التجارب الأدبية لم تتوفر لها الاستمرارية في ظروف الاحتلال البريطاني الذي دأب على إغلاق الصحف بين فترة وأخرى ومحاصرتها ومضايقتها. في الستينات كان الوضع مختلفا، فالاحتلال كان على وشك أن يغادر لتحل محله الدولة الوطنية التي وفرت الاستمرارية للمطبوعات الصحفية، وانفتحت مع هذه الأجواء الإيجابية فرصًا جديدة لقيام المؤسسات الثقافية الأهلية. وكان الوسط الاجتماعي الجديد المتعلم متعطشًا بدوره للثقافة والنتاج الأدبي الجديد بطابعه المحلي، وكان هذا الجيل يستبشر بالأسماء الأدبية الجديدة ويبث فيها النشاط والحيوية. هذا الاحتفاء يأتي من مجتمع يحتفظ في ذاكرته بماضيه الثقافي منذ العشرينات من القرن العشرين، حين تم تدشين أول نادٍ أدبي في المحرق، كما أن هذه الإصدارات الصحفية لاقت رواجًا واحتفاءً بالغًا من المجتمع، فهي تأتي بعد فترة توقف وصمت الصحف الوطنية بسبب الظروف السياسية المتوترة في أواسط الخمسينات، ومنتصف الستينات. وبدأت تظهر في هذه الفترة الأسماء الأدبية التي نعرفها الآن وهي في كامل نضوجها، وهي نفس الأسماء التي تداعت لتأسيس كيان أدبي جديد يجمع شمل الأدباء والكتّاب. وجاءت المبادرة الأولى لهذا التأسيس على يد الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي دعانا للاجتماع في بيته بالقضيبية. وفي هذا الاجتماع اتخذ القرار بتدشين أسرة الأدباء والكتْاب في العام 1969. وبعد فترة وجيزة من التدشين، تصاعد نشاط الأسرة بشكل ملفت. ولا زلت أذكر الجماهير التي كانت تحضر الفعاليات الأدبية التي تقيمها أسرة الأدباء والكتّاب بشكل دوري، فتغص بها قاعات الأندية. كان الناس يفدون من مدن مختلفة لفعاليات أسرة الأدباء، وكان ذلك احتفاءً شعبيًا لمجتمع له تاريخ ثقافي يريد استعادته. برزت في تلك السنوات أسماء شعرية وسردية هي الآن تشكل شخصيتنا الأدبية. كانت تلك فترة تاريخية ساخنة سريعة التحول من الأمية الى التعليم، ومن التعليم الى الثقافة، وأخيرًا من الاستعمار الى الاستقلال والدولة الوطنية.
مشاركة :