مكافحة الفساد ونقاش الأخلاقيات «2 من 2»

  • 12/28/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بشكل عام لدي أسباب وجيهة لأكون متسامحا مع نقاط ضعفي الأخلاقية. وكوني غير متصالح مع بعض جوانب شخصيتي التي أريد بشدة أن أقهرها، بإمكاني أن أكون متسامحا مع الجوانب التي أقبلها كجزء من كوني شخصا غير معصوم. بإمكاني أن أوجه هذه الجوانب إلى أفكار أكثر وضوحا ومسالمة. التخلي عن مسألة العمل في سبيل إعادة ابتكاره كما أن النضج العاطفي والصفاء تجاه مسألة الفساد يعني مواجهة التوترات التي قد تنشأ بسبب الأمور الأخلاقية والأخرى المادية، أو قيمة العمل وقيمة أصحاب المصلحة. فكلاهما أهداف مثيرة ومن النادر أن يتماشيا مع بعضهما بعضا. لا يزال المديرون يعتقدون أنهم يستطيعون تعميم مكافحة الفساد من خلال تأكيد "مسألة العمل" للقيام بما هو صحيح. باعتقادي، الإصرار على مسألة العمل ينطوي على تناقضات كارثية. فالبحث عن الربح على سبيل المثال يعد الجوهر الرئيس للفساد، ولا يمكن أن يكون جوهر مكافحة الفساد. التعامل مع مكافحة الفساد كاستراتيجية تسفر عن عوائد مادية أشبه بمعالجة المرض بسبب مسبباته. ويعني ذلك أننا سنخسر فرصا مهمة وضرورية لإحداث تغير إيجابي. هذا هو الواقع الذي نواجهه اليوم، حيث أصبحت مكافحة الفساد فسادا. فإذا ما طبقنا أسلوبنا في المراجعة الذاتية، قد يصبح التغيير الإيجابي حافزا لتطوير علاقات أصحاب المصلحة، وبالتالي تحقيق نجاح مستدام. بما أن الفساد يبدأ كفتنة، من الضروري الترويج لمكافحة الفساد لأسباب أخلاقية وليس فقط لخدمة مصالح شخصية. فالأخلاق لا يمكن بيعها إلا لأشخاص سيئين. بحسب وجهة نظري، يجب أن أغض النظر عن مسألة العمل. وأحضر نفسي لأعلم طلابي خارج منطقة راحتهم بدلا من إخبارهم ما يرغبون في سماعه. مع الوقت والعمل الجاد استطعت إقامة علاقات مستدامة ومجدية مع العملاء. مع ذلك، ما زلت أواصل التنقل في المنطقة الرمادية، بين نزوعي الفكري ونجاحي الخاص. ذلك كون الأمر ليس مقتصرا على مسألة العمل التي يمكنني أن أخترعها بصورة تدريجية. ومطلوب الإيثار ليس بالضرورة التفوق أخلاقيا، غالبا ما يتم الخلط بين الأخلاق والإيثار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفساد، فعمل ما هو أفضل للآخرين لا يعني التصرف بطريقة أخلاقية. من خلال خبرتي، يبدو أن طلابي يقضون كثيرا من الوقت والجهد لاهثين خلف أهداف وقيود لا تخصهم. في كثير من الحالات يخدم السلوك غير الأخلاقي مصالح شركتهم. وقد ينبع أيضا من مراعاتهم السلطة، ما يعمي بصيرتهم عن المخاطر التي يضعون أنفسهم بها من خلال تجاهل الجانب الأخلاقي. ومن المفارقات أن التعمق بمصالحهم الشخصية قد يعزز السلوك الأخلاقي. تبني المفارقات وليس البديهيات، قد تكون المفارقات من الأمور غير الشائعة في مجالس الإدارة، ومع ذلك تعد ضرورية كوننا لا نعيش في عالم يقتصر على الأبيض والأسود. عوضا عن ذلك نحن كائنات معقدة تعيش في عالم معقد. الأخلاقيات المناسبة لمثل هذا العالم ستكون أكثر تفهما للتناقضات من البديهيات التي غالبا ما تسيطر على النقاشات حول الفساد في أروقة السلطة. من المؤكد يصعب تبني التعقيد والتناقضات كونهما يتطلبان طريقة جديدة في التفكير. لكن تقبلها يخولنا من الخوض في المنطقة الرمادية للأخلاق بشكل يمكننا من تجنب الأحكام القطعية والإقرار أن بعض السلوكيات أخلاقية أكثر من غيرها. كما أنه يفسح المجال أمام مزيد من المناقشات حول الأخلاقيات خاصة موضوع الفساد. نحن اليوم بحاجة ماسة إلى مثل تلك المحادثات، كون مكافحة الفساد مهددة بالتحول إلى قناع أخلاقي مصمم من أجل إعمائنا عن الحقيقة غير السارة في الحقيقة.

مشاركة :