إجراء محادثة جدية عن الفساد يتطلب أولا تقبل فكرة عدم وجود شخص كامل من الناحية الأخلاقية، فقد أستهل دروسي عن الفساد في بعض الأحيان باعتراف غير اعتيادي. حيث أخبر طلابي الذين قد يصبحون قضاة أو ضباط شرطة أو في الجيش أو موظفين حكوميين أو يشغلون مراتب أخرى أني شخص لست محصنا ضد الفساد، فقد أكون فاسدا أيضا. ذلك مجرد إيماءة تواضع، ومحاولة لفتح نقاش عن أخلاقيات العمل على سبيل التغيير. من الشائع عندما يدور الحديث حول موضوع الأخلاق أنه محاولة إثارة إعجاب الآخرين، كما لو أن مكافحة الفساد تتمحور ببساطة حول مسألة العثور على الأشخاص "السيئين" في المؤسسة، الوكالة، النظام قضائي... إلخ. لطالما كان الفساد موجودا في كل مكان، وعلى الأغلب سيبقى كذلك. فلماذا أستثني نفسي؟ بالطبع أستطيع تجنب التفكير فيه، ويبدو أني أستطيع اختيار أو اختراع تعريف للفساد لا ينطوي على أفعالي. بذلك أستطيع الانغماس في حماية نفسي حيث يفقد الفساد بعض أهم معانيه. يشعر معظمنا بعدم الارتياح عندما يصطدمون بحقيقة سلوكياته غير الأخلاقية. فكوننا نميل إلى التفكير بأشياء معينة، نخشى أن نكون سيئين كوننا نعتقد أنها توحي أننا أشخاص سيئون. لكننا نعلم في الحقيقة أن الأخلاق تقع في المنطقة الرمادية. فكل واحد منا يجمع بين الخير والشر فنحن لسنا ملائكة. من واقع خبرتي كلما أدركت إلى أي حد أعتبر نفسي شخصا فاسدا، أصبح أكثر دراية بالمنطقة الرمادية خاصتي. فإيجاد الجانب الأخلاقي في المنطقة الرمادية ينطوي في بعض الأحيان على مقاومة عيوبنا والسعي إلى شيء أسمى. من المهم أن نتقبل بعض عيوبنا في بعض الأحيان فبذلك نستطيع التركيز على العالم الحقيقي ورؤية الأشياء بوضوح وعلى حقيقتها. من الصعب تحديد ما يجب مقاومته وما يجب تقبله. سأورد ثلاث أفكار أجدها فعالة عند اتخاذ قرارات أخلاقية. عدم التسامح مع الفساد ليس بالضرورة أمرا صادقا أو مرغوبا فيه، عندما أدعو تنفيذيين وموظفين حكوميين إلى التفكير بالفساد الموجود فيهم لا يعد ذلك دعوة إلى الانحلال الأخلاقي. إنما هو تذكير بأنه لا يوجد شخص كامل. فجميعنا لدينا عيوب ونقاط سوداء يجب أن نستعد لمواجهتها إذا ما أردنا أن نطور أنفسنا. وإذا ما تبنينا معايير غير واقعية سنصبح عاجزين عن اختيار معاركنا الأخلاقية بروية. من جهتي، أحاول كشخص غربي وأعزب أن أتبنى حقيقة أن تفكيري منحاز إلى العلم والثقافة والمعايير الاجتماعية والعادات التي تشكل هويتي. ولذلك تداعيات إيجابية وسلبية. أصبحت أدرك مع الوقت أن بعض سلوكياتي قد تبدو متحيزة وقد ينظر إليها على أنها عنصرية في بعض الأحيان. عندما يشير أحد الطلاب إلى بعض التحيزات السلبية الخفية بطريقة تدريسي، أسعى جاهدا إلى إظهار الاهتمام والفضول. وبذلك بإمكاني أن أتعلم بدلا من دحض أي معلومة تتناقض مع إغراء تقديس الذات... يتبع.
مشاركة :