قليلة هى الكتب والمراجع التي سجلت تاريخ الرقص الشرقى فى مصر، ولعل أبرزها كان كتاب رنا قباني عن أساطير أوروبا عن الشرق والدراسة التاريخية والاجتماعية التى أعدها عماد هلال، وكتاب هنرى لويس عن الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر، وكتاب سلامة موسى «المرأة ليست لعبة الرجل»، وكتاب إدوارد سعيد عن الثقافة والإمبريالية.ولكن أضيف الى هذه الأعمال مؤخرا كتاب مهم استطاع أن يضم الكثير مما كتب عن هذا الموضوع سواء باللغة العربية أو اللغتين الانجليزية والفرنسية، وهو كتاب « الإمبريالية والهشك بشك ـ تاريخ الرقص الشرقى للباحثة شذى يحيى التي عكفت عدة سنوات حتي تنتهي من هذا الكتاب الذى يتناول موضوعا شائكا يخشي الكثيرين من المؤلفين الاقتراب منه أو مجرد محاولة تحليله ودراسته.وقد ركزت الكاتبة على علاقة الرقص القادم من الشرق ونظرة الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى لفن الرقص الشرقى فى مصر.وتناولت الكاتبة من خلال الثمانية فصول التي يتكون منها الكتاب تاريخ الرقص الشرقي في القرن الواحد والعشرين، حيث رأت أن الرقص الشرقي فى الذهنية الشعبية لغرب القرن الواحد والعشرين يمثل رمزا للعلاقات العابرة للثقافات، وللأنوثة الكونية والهيمنة والسلطة التى تعكسها بينما تعبر المرأة المحجبة عن الآخر المنعزل الرافض والمرفوض من قبل نفس الذهنية.وتضيف أنه لابد من معرفة تاريخ تحول مراحل الرقص المصرى أو البلدى من رقص الغوازى أو العوالم إلى الرقص الشرقي المعروف عالميا.وهى فى كتابها تؤرح الحركة الديالكتيكية التى ربطت الرقص بمعطيات الثقافة الاستشراقية الأخرى الثقافية والاجتماعية والجنسانية وأثر هذه العلاقة على الأدب والسينما والفن التشكيلى.وفى الفصل الثانى تتناول مرحلة الانتقال من الغوازى والعوالم إلى الرقص الشرقى، حين أطلقت الراقصة شوشو البارودى عام 1941 على ما تؤديه إنه «الرقص من أجل الحلفاء ونجاح الديمقراطية» وكانت بالطيع تستهدف إرضاء زبائنها من عساكر الجيش البريطانى، وترجع ذلك أيضا للتغيرات والتحولات التى حدثت في المجتمع المصرى فى عهد الخديوي اسماعيل (1863 - 1879) عندما تحولت مصر الى اقتصاديات السوق المفتوحة وارتبطت بالسوق الأوروبية والعالمية.وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وبداية العشرينيات بدأ مركز اللهو فى القاهرة ينتقل تدريجيا رويدا رويدا لشارع عماد الدين وازدهر العمل بظهور العديد من تجار الحرب المصريين الأغنياء وأيضا الضباط الانجليز والكثير من الاجانب.كما شهدت فترة العشرينيات العديد من البصمات والتغييرات على مهنة الرقص الشرقى فى البداية، فالنصف الثانى منها شهد للمرة الأولى الراقصات صاحبات الصالات وكانت أولهن بديعة مصابنى (1926) ثم الشقيقتان رتيبة وانصاف رشدى وغيرهن. ثم بحلول الحرب العالمية الثانية جاءت موجة أخرى من التغيرات حين ارتبط الرقص بصناعة السينما واصبح للراقصات باع كبير فى هذه الصناعة. ثم برزت أسماء بارزة كتحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف ليصبحن من أهم علامات الاربعينيات والخمسينيات فى السينماالمصرية. ثم فترة صعود شارع الهرم كبديل لشارع عماد الدين حيث أصبح يمثل حياة الليل فى الذهن الشعبي، وبحلول السبعينيات والتغيرات التى حدثت في المجتمع المصرى بعد الانفتاح الاقتصادى فى عهد الرئيس السادات واطلاق العنان للجماعات الدينية رويدا رويدا بدأ انقراض شارع محمد على وبدأت صناعة الرقص الشرقى فى الاضمحلال والانقراض وانحصرت فى الاجنبيات.ثم تتطرق الكاتبة إلى الرقص الشرقى فى عين الأدباء والرحالة الأوروبيين وتجربة المعارض فى وجدان العامة والعلاقة بين الرقص والفن التشكيلى الاستشراقى وأيضا علاقته بالفوتوغرافيا والرقص والمسرح لتنتقل بعد ذلك إلى قصة اختراع الزى الشرقى للراقصة ثم الهشك بشك من حريم هوليود لفاتنات السينما المصرية.وهكذا ألمت شذى يحيي بكافة جوانب تاريخ الرقص الشرقي في كتابها الصادر عن دار ابن رشد للنشر والتوزيع واستطاعت أن تقدم للمكتبة العربية دراسة شاملة لتاريخ هذا الفن وعلاقته الوثيقة بالإمبريالية.
مشاركة :