تشعبت حلقات التوتر بين طهران وواشنطن وعواصم إقليمية، على مدى عام 2019. مما يجعلها مصدر قلق عالمياً. ووصل الاتفاق النووي على شفا الانهيار. ولم يسجل أي اختراق ملحوظ في الملف الإيراني على صعيد الشروط الـ12 الأميركية. تدهورت أحوال الاقتصاد الإيراني أكثر مع من أي وقت مضى بعد عام على انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق ودخول طهران إلى مسار خفض الالتزامات في إطار انسحاب متدرج من الاتفاق. وتبنت طهران استراتيجية «السير على حافة الهاوية»، فيما أدخلت الولايات المتحدة جرعات زائدة على استراتيجية «الضغط الأقصى» ومعها تلبدت غيوم الحرب فوق المنطقة رغم تأكيد الطرفين الأساسيين التمسك بـ«الصبر الاستراتيجي». ملفات عديدة برزت في الملف الإيراني خلال 2019. من بينها ملف التجارب الصاروخية، والتدهور الأمني في خليج هرمز، وإعادة العقوبات على طهران، والهجمات على السفن، وأخيراً الاحتجاجات الشعبية على تردي الأحوال الاقتصادية التي راح ضحيتها الآلاف. وهي ملفات ألقت بظلالها على تدهور الوضع الإقليمي ورسمت معالم تطورات لاحقة سواء في الداخل الإيراني أو في علاقاتها مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي. التجارب الصاروخية في الشهرين الأولين من 2019 صعدت طهران بشكل كبير على صعيد الملف الصاروخي، وتجاهلت تحذيرات أميركية وأخرى أوروبية من انتهاك القرار 2231 الصادر بعد الاتفاق النووي في مجلس الأمن. وأقدمت على إرسال صاروخ يحمل قمراً صناعياً إلى الفضاء في يناير (كانون الثاني) لكن الصاروخ انفجر قبل وضع القمر في مدار الأرض، ورغم تحذيرات دولية، فشلت تجربة إيرانية في بداية فبراير (شباط). واتفقت فرنسا وأميركا بشأن التكنولوجيا المستخدمة في التجربتين، وقالت إنها صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، واتهمت إيران بانتهاك القرار الأممي 2231. وأعلنت طهران في فبراير تطوير صاروخ كروز يبلغ مداه ألف و300 كليومتر. وبين التجربة الصاروخية الأولى والتجربة الثانية، أعلن رئيس الأركان الإيراني محمد باقري أن بلاده انتقلت من استراتيجية الدفاعية إلى الهجومية، معلناً عن استعداد القوات العسكرية الإيرانية لتوجيه ضربات استباقية «إذا وجدت مؤشراً أو دليلاً على اعتداء وشيك ضد إيران». وفي بداية أبريل (نيسان)، وجه الثلاثي الأوروبي في الاتفاق النووي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) رسالة إلى الأمم المتحدة، بشأن قلقها المتزايد من الأنشطة الباليستية الإيرانية، وطالبت بتقديم تقرير «كامل وشامل» إلى مجلس الأمن الدولي. وفي بداية ديسمبر (كانون الأول)، عاد الثلاثي الأوروبي لاتهام إيران بتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك في رسالة ثانية إلى الأمم المتحدة خلال 2019. تدشين الآلية المالية بعد نحو ثلاثة أشهر على تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية أعلن الثلاثي الأوروبي في نهاية يناير، تدشين آلية «إينستكس» للتبادل التجاري بغير الدولار وهي عبارة عن خط ائتمان مالي يعوض طهران عن خسائر العقوبات الأميركية، لتكون إيران قادرة على شراء الأغذية والأدوية في البداية قبل أن تتوسع الآلية. وقال الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة أنه يريد إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة وصرحت مسؤولة السياسة الخارجية، فدريكا موغريني في عدة مناسبات أن الاتفاق النووي «ما زال عنصراً رئيسياً في مكافحة الانتشار النووي، وفق القرار الأممي 2231». لكن الآلية المالية لم تحقق تقدماً ملموساً بسبب المخاوف من تحذيرات واشنطن للشركات الأوروبية من حرمانها من الوصول إلى شبكة المال الأميركية، ومماطلة إيران في الامتثال لمعايير مجموعة مراقبة العمل المالي (فاتف) المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وجاءت الآلية المالية بعد شهور من تدهور العلاقات الإيرانية مع ألمانيا وهولندا والدنمارك والسويد وبلجيكا وفرنسا على خلفية إحباط عمليتين إرهابيتين في صيف 2018. مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على وزارة الاستخبارات الإيرانية في فبراير 2019. في مارس (آذار)، اتهم المرشد الإيراني علي خامنئي، الدول الغربية بـ«طعن إيران في الظهر»، بشأن الاتفاق النووي، وقلل من أهمية الآلية المالية ووصفها بـ«المزحة». مؤتمر وارسو بموازاة التصعيد الصاروخي الإيراني والمفاوضات الإيرانية الأوروبية لتدشين الآلية المالية، بدأت الولايات المتحدة عام 2019 بسقف عالٍ من الضغوط وأعلنت عن تنظيم مؤتمر وارسو لـ«تشجيع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط»، بمشاركة نحو 60 دولة لبحث أمن المنطقة والتركيز على إيران بالتزامن مع احتفالات إيران بذكرى مرور أربعين عاماً على الثورة، في منتصف فبراير. ورغم أن البيان الختامي لم يذكر اسم إيران لكن خطابات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو تمحورت حول تهديدات أنشطة إيران. وشدد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة التصدي لخطر إنتاج الصواريخ والإرهاب والتطرف وأمن الملاحة البحرية ومخاطر المجموعات المسلحة التي تدين بالولاء لبعض الدول. ووجهت إيران انتقادات لاذعة للمؤتمر واعتبرته عملاً تمهيدياً لتحالف يهدف إلى إسقاط النظام. تصنيف الحرس الثوري إرهابياً في الثامن من أبريل اتخذ البيت الأبيض خطوة عملية بضم قوات «الحرس الثوري» إلى 100 كيان إيراني مصنف على قائمة المنظمات الإرهابية. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن «الحرس الثوري هو أداة الحكومة الرئيسية لتوجيه وتنفيذ حملتها الإرهابية العالمية»، مضيفاً: «يقمع الإيرانيين في الداخل ويمارس الإرهاب في الخارج»، مشيراً إلى أن «قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس) هو وزير خارجية إيران الفعلي». وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن الخطوة تساوي بين سليماني وزعيم تنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، ولوح باللجوء إلى أدوات لوقف التعامل مع «الحرس الثوري»، محذراً الشركات والبنوك الأجنبية. ولم يمر أسبوعان على تصنيف «الحرس الثوري» حتى أصدر خامنئي مرسوماً بإقالة قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري وتعيين نائبه حسين سلامي على رأس «الحرس الثوري» الذي أطلق إعادة هيكلة للصف الأول من قيادات الجهاز المتنفذ. وأثارت الخطوة مخاوف من استهداف القوات والمصالح الأميركية في المنطقة. وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران برايان هوك: «إن الحرس الثوري لطالما كان يهدد القوات الأميركية منذ تأسيسه». وأضاف: «كلما فرضت عقوبات على إيران تتبعها سلسلة من التهديدات»، وتحدث عن اعتماد واشنطن نهجاً جديداً كلياً في استراتيجية الضغط الأقصى المستمر لحرمان «الحرس الثوري» والنظام الإيراني من الإيرادات التي يحتاج إليها لإدارة سياسته الخارجية. جاء الحدث بعد يوم من طلب المرشد علي خامنئي، من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، العمل على إخراج القوات الأميركية «على وجه السرعة». ورداً على الخطوة الأميركية، اعتبرت إيران القوات الأميركية في المنطقة «جماعات إرهابية» وصادق البرلمان الذي ارتدى أعضاؤه زي قوات «الحرس» على مشروع في هذا الصدد. وهدد الرئيس حسن روحاني بدخول إيران إلى طريق مغاير للاتفاق النووي، ملوحاً بإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة. وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن بلاده قد تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وبعد يوم أعلنت الولايات المتحدة إلغاء العمل بإعفاءات مؤقتة كانت قد منحتها إلى أكبر عملاء للنفط الإيراني وهم اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان وإيطاليا واليونان وتركيا. التوتر الإقليمي وتحالف أمن الملاحة زادت حدة التوتر في الخليج على بعد شهرين من بدء المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، والتي شملت صادرات النفط الإيرانية. توجه رئيس الأركان الإيراني محمد باقري في يناير 2019 إلى جزيرة أبو موسى لتوجيه رسالة للقوات الأميركية في المنطقة وذلك بعد عشرة أيام على عودة حاملة الطائرات «جون سي. ستينيس» واقتراب 30 زورقاً إيرانياً من حاملة الطائرات. جاء ذلك بعد شهور من تلاسن بين الرئيسين الأميركي والإيراني حول إمكانية إغلاق هرمز في حال منعت الولايات المتحدة صادرات النفط الإيرانية. وبالتزامن مع بدء وقف الإعفاءات النفطية حض خامنئي القوات العسكرية للجهوزية الحربية. وشن قادة «الحرس» حرباً كلامية تضمنت تهديدات بإغلاق مضيق هرمز وعرقلة حركة الملاحة. وقالت إيران إنها مسؤولة عن أمن مضيق هرمز وطالبت القوات الأميركية بمغادرة الخليج. وفي المقابل أرسلت الولايات المتحدة تعزيزات إلى الخليج، أبرزها مجموعة حاملة طائرات «إبراهام لنكولن» وقاذفات «بي 52» ومنظومة صواريخ «باتريوت» الدفاعية قبل أن ترسل مزيداً من التعزيزات بعد مهاجمة منشأتي «أرامكو» في شمال السعودية منتصف سبتمبر (أيلول)، مما رفع حدة التوتر إلى مستويات غير مسبوقة في المنطقة. وحملت السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا إيران مسؤولية الهجوم. قبل هجوم «أرامكو»، تعرضت نحو ست سفن إلى هجمات في مياه الخليج بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) وألقت واشنطن بمسؤوليتها على طهران. كما استهدف هجوم بطائرات مسيرة مفخخة خط الأنابيب النفطية الممتد من شرق إلى غرب السعودية. وقالت ميليشيا الحوثي الموالية لإيران إنها نفذت الهجوم بسبع طائرات مسيرة. وفي 20 يونيو أعلنت إيران عن إسقاط «درون» أميركية من طراز «غلوبال هوك» بصاروخ سطح جو في مياهها الإقليمية قرب مضيق هرمز ونفت الولايات المتحدة أن تكون الطائرة دخلت المجال الجوي لإيران ووصفت الهجوم بأنه «غير مبرر». في يوليو (تموز) دخلت أزمة الخليج إلى مستويات متقدمة بعدما احتجز «الحرس الثوري» ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا يوم 19 يوليو، بعد أسبوعين من احتجاز قوات بريطانية لناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق متهمة إياها بانتهاك عقوبات على سوريا. بعد شهر ونصف أطلقت سلطات جبل طارق الناقلة الإيرانية. ولكن طهران لم تطلق الناقلة البريطانية إلا قبل يومين من توجه الرئيس الإيراني للمشاركة في أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة. ودفعت الهجمات على ناقلات النفط واحتجاز الناقلات إلى تحرك أميركي وآخر أوروبي لتشكيل تحالف بحري يهدف إلى حماية أمن الملاحة. وبعد شهور من مشاورات واشنطن وحلفائها باشر «التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية» باسم «سانتينال» مهمته بمقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في البحرين، فيما أعلنت الدول الأوروبية أن تحالفها ستقوده فرنسا وتتخذ من أبوظبي مقراً لها. وفي الأيام التي شهدت ارتفاع نسبة التوتر فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار مستشاريه وشملت نجله مجتبى خامنئي الذي يرتبط اسمه بـ«الحرس الثوري». وضم الولايات المتحدة قبل ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى قائمة العقوبات وفرضت حظراً على نشاط الدبلوماسيين الإيرانيين في أراضيها. كما فرضت عقوبات مشددة على البنك المركزي الإيراني. أربع خطوات من خفض التزامات النووي مع حلول الذكرى الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بدأت واشنطن استراتيجية منع تصدير النفط الإيراني وفي المقابل لم تقف طهران مكتوفة الأيدي وبدأت خطوات الرد على الإجراءات الأميركية. وعلى مدى ثمانية أشهر، أعلنت إيران تجميد ثمانية أجزاء من التزاماتها في الاتفاق النووي، في إطار ما وصفته بالانسحاب التدريجي من الاتفاق. وأعلنت إيران أربع خطوات، ومع إعلان كل خطوة جديدة تقوم طهران بإمهال الدول الأوروبية 60 يوماً للحصول على مطلبين أساسيين تعتبرهما حلاً مؤقتاً لمواجهة منظومة العقوبات، وهي بيع النفط الإيراني وإقامة علاقات بنكية تسمح للتجارة ونقل الموارد النفطية. في الخطوة الأولى قالت طهران إنها لم تعد تلتزم بعملية بيع المخزون الزائد اليورانيوم المخصب والماء الثقيل. وزاد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى 372.3 كيلو غرام، أي بزيادة كبيرة عن الحد الأقصى المنصوص عليه في الاتفاق والبالغ 202.8 كلغ. وفي منتصف نوفمبر، أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دول الأعضاء أن مخزون إيران من الماء الثقيل في مفاعل أراك تخطى عن 130 طناً المنصوص عليه في الاتفاق النووي. أما الخطوة الثانية، فقد رفعت طهران في بداية يوليو نسبة تخصيب اليورانيوم من درجة 3.67 في المائة القصوى بموجب الاتفاق النووي، إلى 4.5 في المائة، وهددت إيران بإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 في المائة في تجاوز لحدود الاتفاق وفتحت الباب أمام التراجع من التزامات منشأة أراك للمياه الثقيلة. وفي الخطوة الثالثة، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في بداية سبتمبر إن بلاده لن تلتزم بأي قيود فيما يتعلق مجال الأبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران أقدمت على تركيب نحو 60 جهاز طرد مركزي متطور نوع «إي - أر 4» و«إي أر - 5» و«إي أر - 6» في منشأة نطنز، مما يزيد مخزونها من اليورانيوم المخصب. الخطوة الرابعة: في بداية نوفمبر أعلنت إيران خطوة من شأنها أن تثير الدول الغربية بإعادة أنشطة تخصيب اليورانيوم إلى منشأة فردو، وهو موقع كان سرياً تحت الأرض عثر عليه بناء على تقارير استخباراتية في 2009. وبدأت إيران ضخ غاز يو إف6 (سداسي فلوريد اليورانيوم) في أجهزة الطرد المركزي في فردو في حضور مفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية». موقف أطراف الاتفاق النووي بعد الخطوة الرابعة، بدأت الأطراف الأوروبية بشكل علني طرح إمكانية إطلاق «آلية فض النزاع» المنصوص عليها في الاتفاق؛ مما يهدد بالاستئناف التلقائي لعقوبات الأمم المتحدة على إيران. وعادت أطراف الاتفاق النووي لمباحثات أكثر حساسية في بداية ديسمبر (كانون الأول). وطالبت القوى الأوروبية إيران بوقف انتهاك الاتفاق النووي، لكن تلك الدول أجلت تفعيل آلية فض النزاع. وقالت طهران، إنها ستواصل تقليص تعهداتها ما لم يعمل الأطراف الأخرى بالتعهدات وحذرت من نقل ملفها إلى مجلس الأمن. وبعد تراجع لأشهر، عادت جهود الوساطة إلى الواجهة في الأمتار الأخيرة من عام 2019، وعادت الوساطة السويسرية لتنجح بإبرام صفقة تبادل سجناء في النصف الأول من ديسمبر. وفي النصف الثاني، سافر الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى طوكيو في وقت قالت مصادر فرنسية، إن الرئيس إيمانويل ماكرون أغلق ملف الوساطة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) بعدما لم تنجح دعواته للتفاوض بين الطرفين بسبب تمسك طهران برفع العقوبات أولاً. خطة حكومية لموازنة جديدة ترفع أسعار البنزين وتفجر احتجاجات شعبية > أعلنت الحكومة الإيرانية في منتصف نوفمبر قراراً مفاجئاً بزيادة أسعار البنزين بين 50 في المائة إلى 300 في المائة، أثار هلعاً بين الإيرانيين الذين يمرون بأوضاع معيشية صعبة جراء أزمة اقتصادية تفاقمت مع إعادة العقوبات الأميركية عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. وجاء القرار بعد أقل من شهرين على إعلان الحكومة الإيرانية خطة لاعتماد موازنة جديدة دون الاعتماد على عائدات النفط في ظل استراتيجية تتبعها الإدارة الأميركية بمنع صادرات النفط الإيرانية منذ الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي من الاتفاق. وصدم إعلان الحكومة المفاجئ الإيرانيين. ومنذ اللحظات الأولى تناقلت وكالات رسمية صوراً تظهر حالة الهلع في محيط محطات البنزين بطهران ومدن كبرى بأنحاء البلاد. وفي يوم الجمعة 15 نوفمبر، قطع محتجون طرقاً سريعة في عموم محافظة الأحواز. وتناقلت شبكات التواصل الاجتماعي تسجيلات من نزول المتظاهرين إلى أحياء كبرى وسط مدينة الأحواز، ويرددون هتافات تنادي بتحرك الإيرانيين. وفي الوقت نفسه، نفت السلطات اندلاع نيران بمحطات البنزين. ولكن السبت في 16 ديسمبر امتدت المظاهرات إلى عدة مدن كبيرة وصغيرة على رأسها طهران وشيراز وأصفهان وتبريز وكرمانشاه ومشهد. وبدأت السلطات قطع الإنترنت، في وقت بدأ ناشطون بنشر معلومات عن تدخل عنيف لقوات الأمن لفتح الطرق السريع بالمدن الكبير، وهو ما أدى إلى تراشق بالحجارة بين المحتجين وأجهزة الأمن. وأظهرت مقاطع إحراق مبانٍ ومقرات تابعة لقوات الأمن، فضلاً عن مئات البنوك ومحطات البنزين. وفي اليوم الثالث تحولت الاحتجاجات إلى مظاهرات منددة بالنظام ودخلت إلى أجواء مشابهة لاحتجاجات واسعة شهدتها أكثر من ثمانين مدينة إيران في نهاية 2017 جراء تدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار. وبعد مضي أسبوعين عاد الإنترنت تدريجياً إلى البلاد. وبعد ثلاثة أسابيع على الاحتجاجات، المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أعلنت الجمعة استناداً إلى «تقارير» أن لديها «معلومات تشير إلى مقتل 208 أشخاص على الأقل» خلال الاحتجاجات، مما يدعم عدد القتلى الذي سبق أن قدمته منظمة العفو الدولية. وقالت إن ما لا يقل عن سبعة آلاف شخص تم اعتقالهم في إيران. واتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن الإيرانية بإطلاق النار على المتظاهرين. هناك أيضاً تقارير لم تتمكن مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من التحقق منها حتى الآن تشير إلى مقتل أكثر من ضعف هذا العدد». وقالت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه إن شريط الفيديو الذي حصل عليه مكتبها يظهر «استخدام عنف شديد ضد المحتجين». وأضافت: «تلقينا أيضاً لقطات تظهر على ما يبدو قوات الأمن تطلق النار على متظاهرين غير مسلحين من الخلف بينما كانوا يفرون وتطلق النار مباشرة على الوجه والأعضاء الحيوية... بعبارة أخرى يطلقون النار لقتلهم». ولاحقاً، نقلت وكالة «رويترز» عن ثلاثة مصادر مسؤولة في وزارة الداخلية، أن المرشد علي خامنئي جمع كبار المسؤولين في أجهزة الأمن والحكومة بحضور الرئيس حسن روحاني، بعد 48 ساعة من بداية الاحتجاجات الأخيرة في إيران، وأصدر بنفاد صبرٍ أوامر لهم: «افعلوا ما يلزم لوضع حد لها». ونقلت «رويترز» عن مسؤولين، أن 1500 شخص سقطوا قتلى خلال الاحتجاجات ومن بين القتلى 17 في سن المراهقة، ونحو 400 امرأة، وبعض رجال الأمن والشرطة. وأعلن المرشد علي خامنئي تأييده لقرار رفع زيادة البنزين الذي اتخذته اللجنة الاقتصادية العليا في البلاد وهي تضم رئيس القضاء ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. كما تصدى لتحرك نواب البرلمان الذين حاولوا عرقلة القرار. وأطلق المسؤولون الإيرانيون تسميات مثل «الأشرار» و«مثيري الشغب» على المحتجين، كما وصفوا الاحتجاجات بـ«الحرب العالمية» و«المؤامرة الكبيرة» و«الفتنة». ويرتبط سعر البنزين ارتباطاً وثيقاً بأسعار السلع والخدمات في إيران. وشكلت زيادات سعر البنزين في السابق موجات غلاء أدى بعض منها إلى نزول الإيرانيين في الشارع. وتتطلب خطة الحكومة زيادة مواردها الداخلية وخفض الأنفاق وتكاليف الدوائر الحكومية، إضافة إلى رفع أسعار الوقود والخدمات العامة والضرائب. وقالت الحكومة إنها تريد تقليص الحكومة وإلغاء بعض المؤسسات والأجهزة. وفي المقابل وعدت بزيادة الدعم لذوي الدخل المحدود. وواجهت الحكومة الإيرانية نقصاً يقدر بنحو عشرة مليارات دولار في موازنة 2019. وشهدت العملة الإيرانية استقراراً نسبياً بعدما مرت بأيام صعبة منذ بداية عام 2018 ولكنها بلغت مستويات قياسية 190 ألف ريال للدولار الواحد في الشهور الأولى من إعادة العقوبات الأميركية، وعادت العملة للتراوح على مدار عام 2019 بين 100 ألف ريال و130 ألف ريال كحد أقصى.
مشاركة :