التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي، جاءت مبادرة 1971، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها الإمارات اليوم، بالتعاون مع الأرشيف الوطني، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها. منذ تاريخ طويل ارتبط الصيد بمنطقة الخليج العربي والساحل المتصالح، فكان هو نافذة سكان المنطقة على العالم الخارجي، وهو مصدر الرزق الوفير سواء من الأسماك المتنوعة التي تزخر بها مياه الخليج، أو من اللؤلؤ الذي كان عماد الاقتصاد في الخليج حتى الكساد الكبير، وظهور اللؤلؤ الصناعي الذي أدى إلى انهيار تجارة اللؤلؤ الطبيعي في المنطقة، لذلك كان من الطبيعي أن يبرع سكان المنطقة في بناء السفن التي تمكنهم من ارتياد البحر، ويعتبر الصيد كذلك من مكونات التراث الإماراتي البارزة، التي مازالت حاضرة في المجتمع، وان بدأت تتراجع مع الوقت. استخدمت السفن والمراكب الشراعية في الإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام في نقل البضائع والمسافرين، وتتنوع السفن وفقاً لحجمها ووظيفتها، فهناك الشاشة التي تعد قارباً يستخدم في صيد الأسماك، ولا تحمل سوى شخص أو شخصين على الأكثر، وهناك البوم، وهي سفن كبيرة تحمل البضائع والركاب، وتصل حمولتها إلى 700 طن، بالإضافة إلى أنواع أخرى من بينها: البقارة، البغلة، الجالبوت، البتيل، السنبوك، الشوعي. وهناك مناطق في الإمارات كانت بمثابة مراكز بناء السفن من بينها منطقة البطين وجزيرة دلما في أبوظبي، والقرهود في دبي، إلى جانب أم القوين وعجمان. ومازالت بعض الإمارات تحافظ على مزاولة تلك الصناعة رغم محدوديتها. وبشكل عام بدأ أهل الخليج ركوب البحر باستخدام قوارب مصنوعة من الجريد سعف النخيل، وكانت تسمى البسط، وكانوا يثبتون الجريد بخيط سميك من القطن يسمى الخيط الحيطي، ثم بدأوا في صناعة السفن من الخشب من خلال حفر جذع الشجرة ليصبح مركباً صغيراً وسمي هذا النوع البانوش. وبعد ذلك استخدموا ألواح الخشب في صناعة السفن والقوارب التقليدية. وبحلول القرن الـ15 الميلادي والقرون التالية كانت منطقة الإمارات تمثل قمة المعرفة بأسرار البحار، وأحوال الملاحة، وأحوال المياه والرياح، وبرز رائد الملاحة العربية والخليجية وابن الإمارات أحمد بن ماجد، بحسب ما يذكر الدكتور سيد حامد حريز في كتابه، زايد والتراث الصادر عن الأرشيف الوطني. ورغم انتشاره بين السكان؛ كان الصيد مهنة شاقة وتحتاج إلى كثير من الجهد والعمل الجماعي، فإنزال القارب إلى المياه كان يحتاج إلى مجموعة من الناس يسحبونه بعيداً إلى الشاطئ، والأمر نفسه عند العودة من الصيد، وفي الوقت الذي كان الصيادون يعانون التعب والإنهاك، كان على الصياد أن يبذل الكثير من الجهد لسحب القارب إلى اليابسة، وهي عملية أصعب من الإنزال إلى الماء نتيجة لارتفاع مستوى الأرض عن البحر. هذه المشقة انتهت بفضل القرار الذي أصدره المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، ببناء مرافئ للصيد في الجميرا والحمرية تسهيلاً على الصيادين وتقديراً لجهدهم، وبالفعل جاءت هذه الخطوة لتخفف عن الصيادين عبئاً ثقيلاً. المد الأحمر يعد المد الأحمر من أقدم الظواهر التي عرفها الإنسان، والتي يرجع تاريخها إلى عصر الجوراسي، قبل مليون سنة، حيث مرت الكرة الأرضية بتغييرات جيولوجية أدت إلى ازدهار كبير للهائمات والعوالق النباتية. وكانت بداية ظهورها في اليابان قبل 300 سنة قبل الميلاد، كما ظهرت في سواحل ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1878م، ثم ظهرت في الهند عام 1935م. وفي الإمارات بدأ ظهور المد الأحمر في منطقة كلباء بتاريخ 28 أغسطس 2008، بناء على مشاهدات الصيادين، واستمر امتداد المد الأحمر على طول الساحل الشرقي بكثافة مختلفة حتى وصل إلى منطقة دبا الحصن بتاريخ 8 سبتمبر 2008، واستمرت الظاهرة بعد ذلك في الظهور والتفاقم في الساحل الشرقي، وتبذل الدولة جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة. ويعد الصيد الجائر أيضاً أكبر خطر يهدد الثروة السمكية، إذ إن 80% من مخزون الأسماك الرئيسة في العالم اليوم يعاني من استغلاله بشكل جائر، وتراجع أعداده، وعدم قدرته على استعادة وضعه، وفقاً لما تؤكده منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. المالح يطلق اسم المالح على الأسماك المملحة، حيث كان سكان الإمارات يعملون بصناعة المالح في موسم الشتاء لحفظ الأسماك إلى حين استخدامها في مواسم قلة الصيد، أو لتصل إلى أهالي المناطق البعيدة عن البحر. وتبدأ صناعة المالح بعد شراء أو صيد الأسماك، ليقوم الشخص المختص بصناعة المالح بتنظيف سمك الكنعد أو القباب، ثم يزيل الرأس والذيل والزعانف والأحشاء الداخلية، ثم يقطع السمك بالكامل إلى قطعتين طوليتين، بعد ذلك يعمل مقاطع بالسكين في كل شريحة لتسهيل دخول الملح إلى الأجزاء الداخلية لشريحة السمك، ثم يضاف الملح إلى السمك. توضع الشرائح المملحة في صفائح معدنية أو بلاستيكية على شكل طبقات، بعد ذلك تغطى الصفائح بإحكام لمنع دخول الهواء، وتترك في الشمس مدة تراواح بين 15 و30 يوماً. ويستخدم المالح في العديد من الأطباق التقليدية. مواسم وأسماك يمتد موسم الصيد الرسمي في دولة الإمارات من أكتوبر حتى شهر مايو، بينما ينصح الصيادون ذوو الخبرة بالذهاب في الفترة بين نوفمبر وفبراير، إذ تتنوع الأسماك الموجودة هناك خلال تلك الفترة. وتعتبر شواطئ الإمارات من أغنى المناطق بالأسماك، أشهرها الهامور، والصافي، والبدح، والنيسر، والسلطان إبراهيم، والنقرور، والشعري، والعومة، وغيرها الكثير، وتعد أسماك الإمارات من أفضل الأسماك، نظراً لجودة المراعي وانخفاض معدلات التلوث. أما طرق وأدوات الصيد قديماً فكانت تتسم بالبساطة واستخدام المواد المتوافرة في البيئة في تصنيعها، ومن طرق الصيد: الدغوة والسكار والحضرة، وهي تناسب الصيد قريباً من الشاطئ، ومازالت هذه الطرق مستخدمة إلى وقتنا الحالي مع بعض التطوير فيها، أما الصيد في البحر فتستخدم فيه أدوات مختلفة من أبرزها الشباك أو الليخ، والقراقير. وتضم الليخ أكثر من نوع تبعاً لاختلاف الحجم ونوع الأسماك التي يتم صيدها، وكذلك نوع المياه التي تستخدم فيها. بينما تعتبر القراقير وتنطق جراجير، هي الوسيلة الأكثر شيوعاً في الصيد في الإمارات. والقراقير هي أقفاص بيضاوية الشكل، تصنع من سعف النخيل أو أنواع معينة من الحطب، وحديثاً أصبحت تصنع من الأسلاك المعدنية، وتراوح أحجام القراقير باختلاف استخداماتها، ويراوح طول القرقور بين نصف المتر والمترين للأنواع الكبيرة. لكن في المقابل؛ وجد أن الصيد بالقراقير له سلبيات وأضرار على البيئة البحرية، فيمكن أن تسبب تدمير الأحياء القاعية التي تنمو عادة بشكل بطيء، وإثارة الرسوبيات القاعية، وتعكير المياه، وقتل الكائنات الثابتة نتيجة لاستخدام المنشل في سحب القراقير من المياه، وهو عبارة عن أداة حديدية ثقيلة، ومزودة أطرافها بخطاطيف عدة، تستخدم في رفع القراقير بطريقة التغطيس (الشواح) من خلال إنزالها في قاع البحر، وجرها إلى مسافات طويلة، ما يسهم في تدمير الشعاب المرجانية، واقتلاعها من أماكنها، أثناء عملية السحب للوصول إلى مواقع القراقير، وهو ما يترتب عليه فقدان التنوع البيولوجي، خصوصاً في مواقع حضانة وتكاثر الأسماك، لأن الشعاب المرجانية تتميز بتنوع بيولوجي وإنتاجية عالية، إلى جانب أنها تمثل موائل لعدد كبير من الكائنات البحرية. كما يؤدي الضجيج الذي تسببه هذه الأداة، نتيجة احتكاكها بالصخور، إلى طرد الأسماك والأحياء المائية إلى أماكن أخرى، ما يتسبب في إحداث خلل بالأنظمة البيئية البحرية. ويتضاعف تأثير القراقير في حال عدم العثور عليها، أو فقدان أو تلف الأجهزة المستخدمة في تحديد مواقعها، إذ تظل محابس للأسماك إلى أن يتحلل هيكلها بعد فترة من الزمن. أرقام وأحداث 700 البوم هي سفن كبيرة تحمل البضائع والركاب، وتصل حمولتها إلى 700 طن. 2008 ظهر المد الأحمر في منطقة كلباء في أغسطس 2008. 30 تراوح فترة تخزين الأسماك لصناعة المالح من 15 إلى 30 يوماً. 80 % يعاني 80% من مخزون الأسماك الرئيسة في العالم اليوم من استغلاله بشكل جائر. غناء البحر لا يقتصر تأثير الصيد وصناعة السفن على الجوانب الاقتصادية والحياتية فقط، ولكن أيضاً على الفنون التراثية، حيث ظهرت فنون خاصة ارتبطت بالبحر وحياته والعمل به، أبرزها الغناء الذي يصاحب رحلة الصيد، وهو غناء متعدد الإيقاعات والأسماء. والنهام هو منشد شعبي يعلق في رقبته طبلة متوسطة الحجم أسطوانية الشكل ذات وجهين، يدق عليها ليعطي الإيقاع المناسب، وتتخللها حركات تعبيرية، تمثل تمايل السفينة فوق الأمواج وإلقاء الصيادين لشباك صيد السمك. للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
مشاركة :