قانون التعليم ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة

  • 1/2/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في مؤتمر غرفة تجارة وصناعة البحرين الذي عقد في شهر نوفمبر وناقش متطلبات التنمية ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه في المنطقة العربية والخليج خاصة اجمع الحضور على أهمية التعليم كأحد أهم الركائز الذي يجب إصلاحه ليواكب متطلبات المرحلة وضرورة الانتقال نحو الاقتصاد المعرفي والرقمي. تحقيق هذا الانتقال لا يعتمد فقط على التعليم ولكنه احد الأعمدة الرئيسية التي بدونها لا يتحقق الانتقال. من ذلك نرى ان مناقشة لجنة الخدمات بمجلس الشورى لقانون التعليم في هذا الوقت يمثل فرصة لتوسيع النقاش الذي هو محصور الآن في المادة الخامسة المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة. نرى ان هذه فرصة للنظر إلى هذا القانون من قبل مجلس النواب بشكل أوسع ومراجعته وتعديله بما يخدم متطلبات التحول المعرفي والرقمي. ولكي نكون منصفين فقد تطرق احد النواب إلى موضوع «قانون التعليم» وإن كان ذلك خارج قبة البرلمان ورأى ضرورة تعديله استجابة لمتطلبات المرحلة. إن توصية المؤتمر السابع عشر لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي العرب (عقد في مصر) بضرورة إدخال مادة «الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم ابتدءا من المرحلة التعليمية الأساسية» هو اقتراح يصب في هذا التوجه، لكن السؤال هل مثل هذه الاقتراحات المنفردة والمنعزلة قادرة على خلق البيئة التعليمية المناسبة لتمكين مجتمعاتنا ودولنا من الدخول في الثورة الصناعية الرابعة وعالم المعرفة والاقتصاد الرقمي؟ الاستراتيجية التي يوصي المؤتمر بإطلاقها سوف تتطلب الكثير من الانفتاح وتبادل المعلومات، فهل نحن كدول مستعدون لذلك؟ وهل النظم السياسية تتوافق مع نشر المعلومات الذي يتطلبه هذا التوجه؟إن هذه الخطوات، مثل مبادرة الشورى بتعديل مادة أو مقترح الوزراء العرب بإدخال الذكاء الصناعي في المناهج، لا تغني عن إصلاح جذري للتعليم من خلال رؤية شمولية وليس تعاملات جزئية، هذه المبادرات على أهميتها لا تغني عن التعامل الشامل مع قانون التعليم الأساسي والتعليم العالي. ونرى ان أول هذه الخطوات هي فصل التعليم العالي عن التعليم الأساسي كما اقترح عدد من النواب (أخبار الخليج 27 ديسمبر 2019). هذه خطوة مهمة، وعدد كبير من الدول العربية تتبنى هذا الفصل، ولن يضيف الكثير إلى ميزانية التعليم بل قد يرشدها. كما انه سوف يحقق الكثير للتعليم ويرفع من مستوى الاهتمام بالتعليم العالي والبحث العلمي بشكل خاص، وكذلك سيفرض مستوى أفضل لتقييم مخرجات التعليم وبشكل موضوعي في امتحانات القبول في جامعة البحرين.القانون الحالي يطالب الوزارة بوضع فلسفة التعليم وسياسته واستراتيجيته مع التأكيد على أهمية وضع مؤشرات تعكس استراتيجية التعليم وأهدافه. هذا يتطلب ان تكون المؤشرات واضحة وتحدد وصفا شاملا للمخرجات وكيف يجب أن تكون، وما هي القدرات والمهارات التي ينبغي ان يتمتع بها الخريجون، مع توضيح وتحديد كيف سيكون التقييم ولماذا. لم نر مثل هذه الوثيقة تصدر من الوزارة بشموليتها. لذلك نتطلع إلى ان يكون القانون الجديد أكثر وضوحا في المطالبة بالنتائج النوعية والقدرات التي تناسب القرن الواحد والعشرين والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي. أما المعايير الكمية التي تصدر عن الوزارة بين الحين والآخر فهذه مطلوبة لكنها لا تعبر عن الجودة المتوخاة.قانون التعليم ليس وثيقة جامدة بل ديناميكية ومحفزة فكريا ويجب أن يكون في تطور مستمر. السؤال الآن كيف يبدأ التفكير في تطوير التعليم والارتقاء به إلى مستوى تطلعات الثورة الصناعية الرابعة ومتطلباتها. إن أول هذه المتطلبات هو ان يواكب التعليم مسار التحول نحو الاقتصاد المعرفي والمجتمع المعرفي والثقافة المعرفية الداعمة له، وهذه ترتكز على تطوير قدرات التفكير النقدي والابتكاري. ثانيا ما هي أوجه القصور في القانون الحالي؟ هذه أسئلة تتطلب دراسة من قبل مختصين ليس في التعليم فقط ولكن أيضا في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتكوين الثقافي للمجتمع وتخضع هذه لحوار مجتمعي مفتوح يشارك فيه أصحاب الرأي ومختلف المصالح. وبالتالي لا ينبغي ان يؤخذ بخفة، لكن هناك بعض القضايا التي يمكن طرح التساؤلات حولها ولماذا لم تتحقق بالرغم من وجودها في القانون الحالي؟فمثلا المادة الثالثة من القانون رقم (27) لسنة 2005 بشأن التعليم، تقول في الفقرة الثامنة «تنمية قدرة الفرد على التفكير الناقد والتعبير الحر السليم، وتمكينه من الإبداع والابتكار والإسهام في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتقني». في هذه الفقرة يحدد المشرع مواصفات لمخرجات التعليم تحسبا لمتطلبات بناء مجتمع معرفي، وهذا تفكير متقدم من المشرع، لكن السؤال هل ارتقت مخرجات التعليم لهذه المتطلبات؟ وكيف يتم ويتوافق تقييم التعليم مع هذه المواصفات. وهل التزم التعليم بهذه المواصفات؟ ما نراه ان التعليم مازال يكرس الحفظ والاستذكار بدلا من ملكات التفكير النقدي والإبداع.فهل يجري الإلتزام بذلك عمليا؟ وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها أو التعديلات على القانون ليكون أكثر الزاما؟القضية الثانية التي تؤرق المجتمع هي التقسيم الطبقي الذي تعرض له المجتمع نتيجة انتشار التعليم الخاص بكثرة لأسباب ديمغرافية. أخطار هذا التقسيم كبيرة جدا وبودنا ان يتصدى علماء الاجتماع والسياسة بدراسة آثاره على المجتمع وتطوره وتنميته السياسية والاجتماعية والثقافية وتأثير ذلك على ثقافة وسلوك الموطن. لكن الواضح ان العبء الاقتصادي على أولياء الأمور كبير جدا، وتأثيره المستقبلي على الوظائف وفرص العمل سيكون كبيرا.بإمكان القانون ان يعالج ذلك بدفع مبلغ إلى كل مواطن لتغطية كلفة التعليم وإعطاء المواطن الاختيار بين المدارس الحكومية أو المدارس الخاصة. هذا سوف يفرض على المدارس الحكومية والخاصة رفع مستواها وإخضاع التعليم لتقييم المجتمع بشكل مباشر. الخيار الثاني هو ان يتم تقليص التعليم الخاص تدريجيا وتوسيع قدرات التعليم الحكومي بحيث لا يزيد التعليم الخاص عن نسبة محددة من التعليم الحكومي لا تؤثر في التركيبة الطبقية في المجتمع. مهما كانت الخيارات، فنرى ان هذا يحتاج إلى مناقشة مجتمعية لفهم تأثيره على التعليم وعلى المجتمع ومستقبل البلد.mkuwaiti@batelco.com.bh 

مشاركة :