الفنون الإسلامية.. التفاصيل الصغيرة سر الجمال

  • 1/5/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود لعل من أكثر الأشياء التي تميز مهرجان الفنون الإسلامية، في دورته ال22، هي تلك الأعمال التي تعكس رحلة البحث واكتشاف الجمال في كل شيء، وبصورة خاصة تلك التفاصيل والأشياء الصغيرة التي قد لا يلتفت إليها أحد، ولا يكتشف عمق ما تحتويه من دلالات روحية وجمالية، إلا فنان يجيد الالتقاط والتحليق بالخيال نحو آفاق غير محدودة، ليمنحنا الدهشة والمتعة البصرية وهو يحول بشكل ساحر تلك التفاصيل إلى أعمال بديعة تضج بالجمال، وكلها أعمال مستمدة من تقاليد الفن الإسلامي، وتضع في اعتبارها رؤية المهرجان في البحث عن الجمال في كل ما يحيط بالإنسان، ولعل شعار المهرجان لهذه الدورة «مدى»، والذي يحرض على التخيل والتحليق في عوالم بعيدة، قد وضع الفنانين أمام تحد جديد زاخر بالدهشة، عبر تلك الحوارية التي أجروها مع الأشياء فرفعوا قيمتها من «بسيطة» إلى عظيمة وغنية بالدلالات. معظم أعمال المهرجان تحكي قصة كل فنان مع اكتشاف جديد، أو عمل يرسم به تعابير الدهشة على وجوه جمهور المتلقين، ويتعرف من خلالها إلى ذلك الشغف أو الفكرة التي حفزت الفنان لإنتاج اللوحة. الفنان الأذربيجاني، فريد راسولوف هو واحد من الذين يجيدون صناعة الدهشة بالتفاتاتهم العميقة إلى أشياء مهملة تقع على الهامش، أو ربما في سلة المهملات، وذلك يتضح من خلال تفكيره في «الصندوق»؛ حيث يطرح على نفسه سؤالاً: هل من الممكن أن يتحول الصندوق نفسه إلى عمل فني؟ ولقد عمل بالفعل ذلك عبر نقوش ومنحوتات فائقة الجمال، جعلت من الصندوق قطعة فنية. أمواج تلاطم الأمواج يحرك حس المبدع لدى الفنانة الفنزويلية ماجدالينا فرنانديز، فالعمل الذي شاركت به مستمد من الحركة المستمرة للبحر وكثافة مياهه، وهو عبارة عن عرض فيديو فني يهدف إلى استحضار الحركة الإيقاعية للأمواج؛ حيث يبدأ الفيديو بوحدات هندسية أساسية وبسيطة تتحرك في شبكات عضوية تقترب في اللحظة التي تندفع فيها الموجة، وتتحرك بعيداً عن المسار الذي تخلفه في الرمال مع عودة المياه إلى البحر. ترى فرنانديز في حركة الأمواج واصطدامها بالشاطئ، عملية تشبه تنفس كوكب الأرض، كما أن إيقاعها يشبه الولادة ومسار حياة الكائنات، فالبحار ساحات للمغامرة والاكتشاف والاتصال والبعد، وتتجسد كأماكن تحيط بالوجود الإنساني وتحميه. هي إذاً تجربة اكتشاف خاضتها فرنانديز، بحس الفنان الذي يحاول أن يجلي الغموض وفي ذات الوقت يصنع حالة جمالية، تقول: «لطالما نُظر إلى البحار بعمقها ومداها اللامتناهي، وثراء الحياة التي تضمها، على أنها مناطق غامضة لا يمكن استكشافها بشكل كلي، كما أنها تلمح إلى تجارب الصفاء والعنف الشديد، والتي تسمح بالاعتراف بجمال الطبيعة وفهمها وإدراك قوتها وجبروتها»؛ أي أن جمال الحياة والطبيعة يكمن في هذا العيش المتناقض للصخب بجانب الهدوء، والقوة بجانب الضعف. زخارف قدمت الفنانة البيلاروسية آنا كوركوفا، عملاً فنياً أطلقت عليه اسم «القمر على خط الاستواء السماوي»، وهو شغل زخرفي يدوي على السجاد، لكن بتفاصيل إبداعية مختلفة، فالفنانة تأخذنا من خلال هذا العمل إلى لحظة تأملية نتدبر فيها جمال الوجود. وقد استلهمت كوركوفا، تفاصيل العمل الفنية والنحتية من تقاليد الفن الإسلامي، وهو تجهيز يمتاز بالأنماط الهندسية المتكررة لسرد القصص من خلال الزخارف، مُجسداً التتابع السلس للأقراص الفضية والأرابيسك المستخدمة في العمارة الإسلامية والسيراميك والسجاد. وذكرت كوركوفا، أن عملها الفني يتفاعل مع المتلقي، فعندما يقترب لرؤيته سيجد أن الصورة الظلية تتكون من 19 دائرة أو قمراً فردياً مرتباً حسب الحجم؛ حيث يتوازن أكبرها في الوسط، لتتبعه دوائر أصغر على التوالي باتجاه طرفي التكوين. حوارية أما الفنان الأرجنتيني فرانسيسكو ميراندا «توكو»، فهو يقدم حوارية بين القلم الرصاص والورق، من خلال عمله الذي حمل اسم «هذا رسم بقلم رصاص»، وكثير من الرسامين يمنحون هذا القلم مكانة خاصة، ففكرة اللوحة غالباً ما تبدأ بمخطط بالرصاص، أو «خربشات»، يداعب بها الفنان صفحة بيضاء، ومن هنا كان شغف «توكو»، الخاص، فهو دائماً ما يستهل أي عمل بورقة وقلم رصاص، والغرض منه هو إثارة الدهشة والإعجاب لدى المشاهد. والعمل يكشف أمام المتلقي شكلاً من الفن الهندسي الإسلامي الكلاسيكي، وهو عبارة عن طبقات متعددة من الأشكال الزخرفية، ويحمل لمسات من الفن الأمريكي الجنوبي، مع توظيف الرموز والأشكال الهندسية الإسلامية من قوس ومربع وهلال. أسئلة الفنان المصري سامح الطويل، من أكثر الفنانين براعة في التعبير عن الأشياء الملموسة بصيغ مجازية، ويتضح ذلك من خلال عمله الذي أطلق عليه اسم «اسأل جوجل»، والذي يعكس استيعاباً خلاقاً لشعار «مدى»، من خلال فكرتي البحث والتساؤل. والعمل عبارة عن تطبيق رقمي ذكي يعمل على طرح أسئلة عدة عن الإسلام على محرك البحث الشهير «جوجل»، ويقوم بطباعة النتائج المصورة أوتوماتيكياً باستخدام طابعات مثبتة في سقف المعرض إلى أن تمتلئ القاعة بالصور. العرض التفاعلي استطاع أن يشد انتباه المشاهدين في المهرجان، خاصة أنه يشرك الجمهور في طرح الأسئلة، وينطلق من فكرة البحث عن الحقيقة من خلال السؤال، كما أنه يتمثل جانباً مهماً من عادات البشر في العصر الراهن وهي البحث الرقمي. الاكتشاف هو كلمة السر التي تجمع بين الأعمال السابقة، وتعكس ذلك الشغف بالوصول إلى كل جديد، وبصناعة الدهشة من خلال أعمال جمالية غاية الإبداع تتيح لنا المتعة البصرية.

مشاركة :