لعل المشهد الأكثر سخرية في تسلسل الأحداث الأخيرة فيما يتعلق بالتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية على وجه الخصوص، وبعد العملية النوعية التي نفذتها الولايات المتحدة بأوامر مباشرة من ترمب لتصفية قاسم سليماني قائد ما يسمى فيلق القدس ومعه نائب رئيس الحشد الشعبي المهندس الذي كان ظهر سابقا يعلن عن نيتهم الزحف نحو الرياض؛ السخرية تتمثل في أن السيارة التي نقل فيها جسد سليماني المحترق صناعة أمريكية، فعلق أحدهم بكل بساطة: سليماني تحت الرقابة الأمريكية حيا وميتا. لن أتطرق في مقالتي هذه عن الموقف المتباكي لحركة حماس، فالسخرية حاضرة بألم، شعار الحركة الذي نعى شهداء كأحمد ياسين والرنتيسي وأبطال المقاومة هو نفسه يعزي في قاتل العرب والسنة ومبيد الثورات الشرعية ومنتهك الأعراض وهادم المسجد الأموي في حلب، ولعل مسلسل الغرابة كذلك يستمر مع إردوغان البطل من ورق، كذلك عن بعض دولة أرسلت بعض بشر كوفد رسمي لحضور مراسم الدفن بين من يلعنون أمهاتنا وساداتنا من كبار صحابة النبي عليه الصلاة والسلام. كل هذا أمر متوقع، لأنها السياسة ولعبة المصالح، وكثير من قليل نعرفهم ضلوا عن الطريق العقلي المنطقي واتبعوا أو أتبعوا أنفسهم لولاية الفقيه، ضمن خطة إعادة هيكل فارس وسيطرتها، ولكن من بين السطور نجد أن من سلم سليماني ومن معه للصواريخ الأمريكية هي إيران نفسها، ممثلة بقيادتها الصفوية الخامنئية، الأمر ليس بجديد عليهم ولا مستغرب منهم، لكن بتسلسل الأحداث ستجد أن قيادة طهران وخامنئي في مقدمة المستفيدين من تصفية سليماني. كعادة كل فكر يبنى على عقيدة فاسدة، تجد أن حجم التجييش والخداع كبير جدا، وهذا ما مارسته طهران خلال الثلاثة العقود الأخيرة، زرعت الحقد والكره في قلوب أتباعها وأتباع فكرها الفاسد المزيف، وكل هذا لتحافظ على تبعيتهم لها وولائهم، لكن وكما هي العادة هذه الشعوب الضحية التي غرر بها ستصل إلى مرحلة لا تعود معها تفهم تصرفات قياداتها ولا تجد تبريرا لها، فالمغرر بهم وبكل ما تم ضخه فيهم من كره لأمريكا والسنة والعرب، لا يفهمون معنى سياسة إيران في المهادنة، ولا يلتزمون كليا بالتعليمات ولا ينضبطون بالتوجيهات، لهذا تجد بين الفينة والأخرى من يدفعه حماسه وفكره الضال إلى الخروج على السيطرة، والتصرف بفردية تضر بمصالح إيران نفسها. مؤخرا لا أحد ينكر أن سليماني كان المسؤول المباشر عن عملية أرامكو، وعن الهجوم على القاعدة الأمريكية في العراق ومقتل أحد جنودها، ومن ثم أتت حادثة السفارة الأمريكية في بغداد، كل هذه الأمور والأحداث لا يمكن أن تنضبط مع سياسة طهران الخبيثة، فإيران إلى اليوم تعتبر - في اعتقادي - بشكل أو بآخر حليفا مخفيا لأمريكا ولإسرائيل، ولكنها من النوع الشقي، ولهذا فإن مثل هذه الأحداث تجعلها تخشى أن ينقلب الأمريكي بشكل كامل عليها ويرسلها إلى جحيم أحلامها، نعم فلسان حال خامنئي يقول: نشاغب هنا ونصرخ قليلا هناك، نستغل ضعاف النفوس وأغبياء العقول لتنفيذ مصالحنا، نحارب باليمني الحوثي واللبناني في حزب الله وبالحشد الشعبي في العراق والعلويين العرب في سوريا، لكن لا ندخل نحن كإيرانيين مباشرة في الصراع، ونضحي بمن يلزم عند الحاجة، وكان هذه المرة قاسم سليماني.
مشاركة :