من المعلوم سلفا أن منظومة العمل الراشدة (إدارة ومنسوبين) في قطاعات التعليم الجامعي تسعى بلا كلل لحفر اسم لهذه الصروح، بل وتتنافس في رفع كفاءتها العملية من خلال تبني أفكار منسوبيها للحصول باقتدار على الاعتمادات المؤسسية والأكاديمية المحلية والعالمية، وبالتالي تجويد العمل ورفع أسهم المنشأة الأكاديمية في ترتيب التصنيفات المختلفة. ولأن رأسمال الجامعة الأول هو العقل الأكاديمي، فإن هذا الوعاء الراشد يملك من الأفكار التطويرية بحكم التنوع البحثي والرأي الراشد والدراسات والخبرات في بلدان متعددة، ما يوجب الاستماع له داخل المنظمة الأكاديمية مهما بدا رأيه بسيطا، فلرب فكرة بسيطة أشعلت فتيل حراك إيجابي ملهم لا يكاد ينطفئ إلا وقد أنضج حزمة من النتائج النيرة لخير الأكاديميا التي يتبع لها بشكل خاص وللوطن بشكل عام. ومن المستغرب في بعض الأحيان ألا تقابل بعض الأفكار من بعض أعضاء هيئة التدريس بما تستحقه من العناية والاهتمام والأخذ مأخذ الجد، بل إن بعض الأفكار تتحول من إبداعات إلى معاملات تدور بين أروقة الأقسام المختلفة، حاملة رقم صادر ووارد في كل إدارة تزورها، مما يطفئ جذوة الحماس والدافعية لدى صاحب الفكرة، فيزهد فيها مالكها وتحرم المنظمة نفعها. الأمر الذي يجدر ذكره أن بعض الأفكار قد لا تصل إلى صانع القرار داخل الكيان الأكاديمي، وربما يبت في جدواها صف آخر في الإدارات الوسطى والدنيا في وقت مبكر جدا من دورتها الإجرائية، دون تفحص دقيق لماهيتها أو مناقشة مالك الفكرة عن قرب أو حتى العودة إلى أهل التخصص أو حتى التساؤل عن النفع المتوخى من قبولها، وهذا أمر غاية في الخطورة، بل ومصدر من مصادر غياب حس الانتماء للمنظمة، وبالتالي الوصول لما يشبه الذبول الأكاديمي والانكفاء من قبل الأستاذ الجامعي على المهام الرئيسية كالتدريس والبحث فيما يتبقى له من الوقت! شكل آخر مزعج من أشكال تهميش الأفكار الأكاديمية الخلاقة معاكس لما مضى، بحيث يطال أمد بعض الأفكار حتى يزهد فيها مقدمها، وهذا النمط يأتي على شكل عدم الرد على البريد الالكتروني لصاحب الفكرة والتعذر بغياب المسؤول عن ملفها أو التحجج بعدم انعقاد اللجان المتخصصة لمناقشتها، فتذهب الأيام ويأكل بعضها بعضا وينتهي المطاف في الغالب ببريد شكر مجرد من أي إجراء، موجه لصاحب الفكرة في أحسن الحالات أو اعتذار عن عدم مناسبة الفكرة في أسوئها. ولأن التحديات والعقبات تخلق الحلول، ولمن يعتقد أن فكرة خلاقة طرحها ولم تأخذ حقها من الاهتمام، فإنني أعتقد جازما أن تبني وزارة التعليم لمركز ربما يسمى (المركز التعليمي لتبني الأفكار الأكاديمية) يضم في هيكلته أعضاء يتمتعون بالخبرة الأكاديمية والعملية الموثوقة ويتمتعون باستقلالية وحيادية تامة؛ سيكون فاعلا في تبني الأفكار الطموحة، وتوجيه الجامعات بوضع هذه الأفكار التطويرية موضع التنفيذ، بل ويطالب المركز بوضع جدول زمني لمراحل التنفيذ تحاسب الجامعات على أساسه، حيث إن عجلة التقدم يجب أن لا تبطئ في مثل هذه الأمور، فرب فكرة كانت حديثة ذات صباح وأمست بالية عتيقة في المساء. أريد أن أختم بالتأكيد على أن رأس المال البشري أساسه العقل، ومنتهى استمطاره هو الفكر الخلاق، وأريد أن أؤكد كذلك للإدارات بجميع مستوياتها بالجامعات أن الأفكار الخلاقة من الكفاءات المبدعة لا تعني أبدا أن هدف أصحابها السعي لتبوؤ مناصب في المنظمة من خلال رؤاهم أو الاتجاه نحو مكتسبات ذاتية، بل هو في الأغلب إحساس عميق بالانتماء للمنظمة، وشعور نبيل نحو تحسين بيئة التعلم والتدريب، وصولا للأهداف الكبيرة التي يرومها وطننا الأعز، كبلد ناضج فكريا متقدم علميا منافس عالميا، فلنتعاون جميعا لتحقيق كل هذا، والسلام.
مشاركة :