%10 هي نسبة الأوروبيين العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات في لندن و12 % من العاملين في ال قطاع المالي والمصرفي و32 % من العاملين في القطاع السكني والخدمات الغذائية.. مركز لندن، مركز أبحاث«شنغهاي كانت هي العاصمة المالية لآسيا وكانت تتمتع بمميزات مثل التنوع والانفتاح، لكن مع وصول الحزب الشيوعي للحكم في الصين في الأربعينيات، فر العديد من السكان إلى هونغ كونغ»، «يسأل السكان المحليون الآن عما إذا كان يمكن أن يحدث شيء مماثل لهونغ كونغ نفسها؟».. ديفيد فيكلينج، كاتب في بلومبيرجعند تصنيف أكبر المراكز المالية على مستوى العالم، نجد أن كلا من لندن ونيويورك وهونغ كونغ دوما ما يحتلون المراكز الثلاثة الأولى عالميا، وهذا ليس مستغربا حيث تفتخر تلك المدن بصلابة بنيتها التحتية المالية والمادية والبشرية مما يتيح لها الانفتاح الاقتصادي عبر حدودها مع بلاد ذات ثراء تاريخي وثقافي ويفتح ذلك آفاقا لتلك المدن لاستيعاب الجنسيات والأعراق المختلفة. لكن الهزات الجيوبوليتكية، التي ضربت العالم منذ أحداث سبتمبر 2001، خصوصا في العقد الأخير، أثرت بشكل مباشر على تلك الإمكانات الاقتصادية الهائلة في ظل عالم يتقوقع على نفسه ويبتعد شيئا فشيئا عن منظومة العولمة والانفتاح على الآخر حتى استقر به المطاف في دائرة الأفكار اليمينية والقومية، وبالتالي الاتجاه أكثر فأكثر صوب الانغلاق والتقوقع.تجذب تلك المدن العمال الأجانب، ويتمتع هؤلاء العمال بحصة أكبر بكثير من الحصة، التي يحصلون عليها في بلادهم الأصلية، وللحد من هذه الظاهرة، وضعت الولايات المتحدة حواجز وصعوبات كبيرة تحول دون الهجرة، وتسير المملكة المتحدة على نفس الدرب.أما في هونغ كونغ، فقد حامت الشكوك حول استقلالها عن الصين مما يعني أن المدينة تفقد جاذبيتها تدريجيا بالنسبة للمغتربين والأجانب. ولا يخفى على أحد أن لندن ونيويورك تعانيان من تباطؤ في نمو الوظائف. وتعيش هونغ كونغ مرحلة صعبة من الركود. في المدن الثلاث، تتراجع أسعار العقارات بسبب التكاليف المرتفعة والرياح الاقتصادية المعاكسة وحالة الارتباك السياسي، التي تسود كل المدن الكبرى.وإذا رجعنا للوراء أربع سنوات وبالتحديد في عام 2016، كانت لندن هي المدينة الوحيدة في إنجلترا، التي صوّتت للبقاء في الاتحاد الأوروبي، بنسبة 60% وهي نسبة حاسمة، لكن بعد أربع سنوات من التصويت، ما زالت الفجوة قائمة، بل إنها في اتساع دائم. اكتسح المحافظون صناديق الانتخابات وأصبح الخروج من الاتحاد الأوروبي أمرا غير قابل للنقاش.تكتسب بريطانيا رونقها الاقتصادي بسبب اعتمادها على تصدير الخدمات مثل الاستشارات المالية والقانونية لكل أوروبا والعالم، وتساهم لندن وحدها بحوالي النصف. فإذا تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون إبرام صفقة جديدة، فقد تواجه الخدمات قيودا تنظيمية وترخيصية جديدة، أما السلع فلن تتأثر، بسبب عضوية بريطانيا في منظمة التجارة العالمية.في نفس الوقت، من المحتمل أن تفقد شركات الخدمات المالية «حقوق جواز السفر»، التي تسمح لها بتقديم الخدمات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي من قاعدتها في لندن؛ نظرا لأن السوق الرقمية الموحدة للاتحاد الأوروبي تضع معايير مشتركة بشأن ضرائب الإنترنت وحقوق النشر والخصوصية، فقد تواجه الصناعة الرقمية المزدهرة في لندن حواجز وقيودا جديدة.أيضا، يمثل إنهاء حرية التنقل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تهديدا آخر للخدمات: الأوروبيون وحدهم يمثلون حوالي 10% من العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات في لندن، و12% من العاملين في القطاع المالي والمصرفي، و32% من العاملين في القطاع السكني والخدمات الغذائية، وفقا لمركز لندن، وهو مركز أبحاث.وبالرجوع إلى هونغ كونغ، تواجه المدينة تحديات كبيرة، فعندما أعيدت المدينة إلى الصين في عام 1997 كانت تتمتع بنسبة أكبر من الحرية والثراء من باقي مدن الصين لكن منذ ذلك الحين ضاقت فجوة الثروة، وفي المقابل ازدهرت مدن صينية مثل شانغهاي وشنتشن وتبوأت مكانتها كمراكز مالية كبرى. لكن اتسعت أيضا فجوة الحرية، إن وجدت، مع تحول الصين إلى مزيد من الاستبداد في عهد الرئيس شي جين بينغ Xi Jinping.على سبيل المثال، كان مشروع قانون في هونغ كونغ للسماح بتسليم المشتبه بهم إلى النظام القانوني الصيني بمثابة الشرارة، التي أشعلت الأوضاع السياسية بشكل مفاجئ في المدينة وعكس ذلك مدى تدخل الصين في شؤون هونغ كونغ الداخلية، هذا التدخل أشعل فتيل المظاهرات الحاشدة والعنيفة في بعض الأحيان.وبالرغم من سحب مشروع القانون إلا أن الصراع سلط الضوء على تلك الفجوة المتسعة بين المدينة، التي تتسم بأسلوب غربي ليبرالي ومنفتح على الآخر والحزب الشيوعي الصيني المتزمت، في الواقع، لقد تطلع بعض المحتجين في هونغ كونغ إلى الولايات المتحدة وبريطانيا للحصول على الدعم في الوقت الذي صبت الصين جام غضبها على «القوات الأجنبية».عموما لا تزال هونغ كونغ هي المركز المالي الأبرز في الصين. لكن من المتوقع أن تتلاشى جاذبيتها على خلفية المظاهرات والاضطرابات، التي تجتاح المدينة في الآونة الأخيرة، لكن حكومة بكين ربما تبطش بيدها الثقيلة بتلك المظاهرات ولن يؤدي ذلك إلا لنتيجة عكسية ومزيد من الاضطرابات، ومن المحتمل أن تفرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على الصين إذا خلصت واشنطن إلى أن هونغ كونغ لم تعد تتمتع بالحكم الذاتي.على نطاق أوسع، يتجه كلا من الولايات المتحدة والصين إلى مرحلة الانفصال البطيء، مما يقلل من قيمة هونغ كونغ كوسيط. وأشار ديفيد فيكلينج David Fickling، الكاتب في بلومبيرج، إلى «أن شنغهاي كانت في الأصل هي العاصمة المالية لآسيا، وكانت تتمتع بمميزات العواصم المالية من تنوع وانفتاح وغيره، لكن مع انقضاض الحزب الشيوعي واستيلائه على مقاليد الحكم في الصين في فترة الأربعينيات، فر العديد من السكان إلى هونغ كونغ، الآن، يسأل السكان المحليون عما إذا كان يمكن أن يحدث شيء مماثل لهونغ كونغ نفسها؟» بمعنى الفرار لسكان المدينة من بطش الصينيين.أما تحديات نيويورك فهي اقتصادية أكثر منها سياسية. على عكس لندن، لم يعد التوظيف في الصناعة المالية إلى ذروته لما قبل الأزمة المالية العالمية. يمكن القول إن وسائل الإعلام الاجتماعية والتكنولوجيا قد سدت مساحة كبيرة من الفجوة، لكن جاذبية المدينة التنافسية تضاءلت، لذلك تشير الإحصائيات إلى تقلص عدد سكان نيويورك للمرة الأولى منذ عقد من الزمان، وبالمثل تقلصت الهجرة الأجنبية مع زيادة الهجرة الداخلية.تكلفة السكن في نيويورك هي من بين الأغلى في البلاد وضرائب المدينة هي من بين الأعلى. ومهما كانت المزايا الأخرى التي يجنيها الأثرياء من القانون، فإنها تجعل من نيويورك مكانا أقل جاذبية للعمل. أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى هذه النقطة من خلال تغيير مكان إقامته من نيويورك إلى فلوريدا.وختاما، الابتكار والإنتاجية هما الفيصل في تميز المدن الاقتصادية ولكنهما يتجهان نحو المدن، التي تستقطب المواهب والمهارات، وليس ثمة شك أن المدن الثلاث تتمتع بقدرات إبداعية هائلة، على الأقل مقارنة بالمدن الأخرى لكن قد يتغير هذا الطابع في المستقبل مع تفاقم الأوضاع على الصعيد العالمي، فدوام الحال من المحال.
مشاركة :